من ينظر إلى المشهد اليمني بكل تعقيداته، يدرك أن القرار الوطني المستقل مُصادر، وأن الفاعل الأكثر تأثيرًا في مجريات الأحداث هو الخارج، سواء في التصعيد أو التهدئة، أو فرض التفاهمات والاتفاقات، أو حتى في الإبقاء على الوضع كما هو.
هذا العامل الخارجي يمنع الحسم، ويُقوي الخصم، ويبقيه فاعلًا، في حين يُضعف الشرعية ويشغلها بقضايا جانبية لا تتناسب مع الأولويات الوطنية الملحة.
فتجد السلطة غارقة في ملفات ليست ثانوية تمامًا، لكنها ليست ذات أولوية الآن، في ظل غياب دولة مستقرة ومفعلة.
من الملاحظ غياب التنسيق وغياب الهدف المشترك، فتجد أن مسؤولي الشرعية يقابلون السفراء منفردين وكأنهم رؤساء دول، دون الالتزام بهرمية السلطة أو توحيد الخطاب الرسمي عند مقابلاتهم وأحاديثهم. يجتمعون، يستضيفون الوفود، يعرضون رؤى وخططًا، يناقشونها مع الشركاء والأصدقاء، لكنهم في الإعلام يزايدون، وفي تصريحاتهم يبالغون، بل وينحرفون أحيانًا عن الهدف الجامع الذي من المفترض أن يوحدهم.
يظهرون كجزر متناثرة، يصعب ربطها، مواقفهم متباينة، حادة، متشددة، وأحيانًا متضاربة، إلى درجة أن الهدف المشترك – إنهاء الانقلاب – أصبح يبدو وكأنه قضية هامشية أو حتى منسية!
هذا التخبط في الأولويات يُظهر الشرعية ككيان فاقد للبوصلة، عاجز عن تمثيل تطلعات الشعب. تصريحات مسؤوليها ولقاءاتهم تبدو ضيقة الأفق وغير منسجمة، ما يزيد الفجوة داخلها، وبينها وبين المواطن.
في المقابل، يظهر الخصم – رغم هشاشته الداخلية – بمظهر الكتلة المتماسكة، ويستغل هذه التباينات داخل الشرعية ليقدم سردية متماسكة توهم المجتمع الدولي بأنه الطرف الأقوى والأكثر استقرارًا والمعبر عن شريحة كبيرة من اليمنيين.
في ظل هذا المشهد، تجد الشرعية نفسها في مواجهة الضغوط والتحديات. كما تجد القوى الدولية نفسها أمام خيارين: إما الإبقاء على هذا الجمود مهما كانت معاناة اليمنيين، أو التعامل مع الأمر الواقع. لكن الغريب أن الضغط الدولي غالبًا ما يكون على الشرعية لتقديم تنازلات متواصلة لصالح الحوثيين.
تزداد هذه الضغوط مع عجز الشرعية عن تمويل أعمالها اليومية والوفاء بالتزاماتها الحتمية، مثل دفع الرواتب، حماية العملة، تصدير النفط، وضبط السلطات المحلية التي تتمرد على القرارات المركزية، وتمتنع عن توريد الإيرادات إلى البنك المركزي، بل وأحيانًا تنتزع قرارات من الشرعية لتبرير تصرفاتها الأحادية لصالح مصالحها المحلية أو لخدمة متنفذين فيها.
ثم... ماذا بعد؟
استمرار الوضع على هذا النحو يستدعي تدخلًا حاسمًا من الدول الأربع (الرباعية الدولية) المسؤولة عن الملف اليمني، لا أن تتحول إلى أطراف متنافسة داخل المشهد نفسه! فالوقت ينفد، والتأخير في اتخاذ قرارات مصيرية قد يؤدي إلى تفاقم الفوضى وانفلات الأوضاع أكثر.
الأولوية الآن يجب أن تكون إعادة النظر في تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بحيث يتألف من رئيس ونائبين، إلى جانب تشكيل "حكومة حرب" قادرة على اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة، واستعادة زمام المبادرة.
ولكن... إذا لم تتوفر الإرادة السياسية لتحقيق ذلك، فإن الخيار الوحيد المتبقي هو الاعتماد على المكتسبات الشعبية التي تحققت منذ 2011، أي العودة إلى المقاومة الشعبية، التي ينبغي أن توحد صفوفها وتنفذ عمليات نوعية وسريعة، كما حدث مؤخرًا في سوريا. فالتاريخ يثبت أن التغيير الحقيقي لا يأتي إلا بإرادة قوية على الأرض.
رسالة إلى المقاومة الشعبية والشرعية والداعمين
إلى المقاومة الشعبية: عند تحقيق أي إنجاز فعلي على الأرض، سيتسابق الداعمون والخصوم ودول العالم للاعتراف بالقيادة الجديدة المحققة للإنجاز، والتعامل معها كأمر واقع. فالقوي على الأرض هو من يفرض شروطه، وليس من ينتظر الآخرين لاتخاذ القرارات نيابة عنه، ثم تسليمه المنجز دون عناء أو تضحيات!
أما الشرعية والداعمين المتباينين في مواقفهم: اتفقوا قبل فوات الأوان، اتفقوا لو سمحتم! أنتم بحاجة إلى رؤية موحدة، قوية، ومتماسكة تعزز موقف الشرعية بدلًا من إضعافها وتشتيتها.
لأن استمرار هذا التباين سيؤدي إلى ظهور قوى جديدة على الأرض اليمنية، غير مكترثة بالتحالفات القائمة الداعمة للشرعية، قوى قد تحقق إنجازات فعلية، وحينها ستجدون أنفسكم في مواجهة واقع مختلف، وربما تُحمّلكم هذه القوى الجديدة مسؤولية الفشل السابق.
أو أن الحوثي سيلتهم كل ما تحقق من إنجاز، خصوصًا أنه بدأ بالتحشيد العسكري والقصف، فماذا تنتظرون؟ وماذا أنتم فاعلون؟
إن لم تتحركوا اليوم، فغدًا قد يكون الوقت قد فات، وستجدون أنفسكم أمام واقع لم تكونوا مستعدين له! فاحذروا واستيقظوا، لأن مصالحكم مرتبطة بمصالح اليمن، وأمنكم لا ينفصل عن أمنه.
-->