تشخيص عشرية الأزمة اليمنية .. وأفكار جديدة لبناء سلام حقيقي في العام 2022 ( 2 )

د. علي العسلي
الخميس ، ٠٦ يناير ٢٠٢٢ الساعة ٠٧:١١ مساءً

أما "الأزمة" المشكلة الرابعة؛ فتمثلت بأحزاب سياسية تقليدية متخوفة، لا تقوى على إحداث ثورة وتغيير، وربما نتيجة لما لاقته قياداتها  اثناء معارضتها لنظام صالح من قمع وتنكيل وإقصاء وإخفاء وإعدام، وكانت على الدوام تتخوف من الاقدام على معارضة فعلية مؤثرة في الواقع ، فكيّفت نفسها مع نظام صالح بكل ما فيه، وتعايشت معه،  بل ومنحته عربيا وعالميا بأنه رئيس ديمقراطي يسمح بالتعدد الحزبية والمعارضة له، ولأنه كثير ما كان يتحايل عليها ويظهر قياداتها أمام جماهيرها بأنها تابعة له، وفعلا كثير منها استنسخها هو، وكم مرّة اهانها وعلى الملاء لدرجة أنه قال عن بعضها يوما من الأيام يا أنه يستعملها كـــ "الفَايْن" يستخدمه ويرمي ،فالتجمع اليمني للإصلاح هو احد الأحزاب الذي استطاع ان يبرز حضوره بشكل مميز ومنافس، لأن عناصره كانت محتلة مواقع حساسة  في السلطة قبل الوحدة تحت لافتة المؤتمر طبعاً؛ فهو اكبر الأحزاب الذي كان يحصد نسب عليا في مجلس النواب بعد صاحب الأغلبية المريحة المؤتمر الشعبي الذي كان يستخدم السلطة للفوز بالانتخابات، فيبدوا ان  الحملة الإعلامية تؤثر على الإصلاح  ولى شعبيته بسبب عقلية بعض قياداته الاحتكارية والمنغلقة، وعدم انفتاحها  مع الاخر والتعيش معه رغم انهم في اللقاء المشترك معاً، هذا هو الواقع.  جميع الأحزاب القريبة من ((صالح)) والبعيدة منه قد حقدت عليه، كشخص لا كنظام، واستغلت الخلافات التي حدثت بينه وبين أولاده من جهة، وبين من يشاركونه الحكم والنفوذ وابنائهم من جهة أخرى، الكل كان يريد الحكم والتوريث.

 

 المهم بسبب الخلاف والدعم للأحزاب والصدق للعمل معا قد عزز من حضورها في الشارع قبيل اندلاع ثورة الشباب بمدة بسيطة، كل ذلك تمّ بدعم وإسناد من قبل الشيخ/ حميد الأحمر، حيث بادر وموّن اغلب التحركات والورش وإنتاج رؤية؛ جلّها كانت مركزة على الرئيس صالح ،وخلصت أن المشكلة الرئيسية لتأخر اليمن هو رأس النظام أي ((صالح ))،ويستوجب التحرك وتغييره، ثم بدأوا التحشيد و خرجت فعاليات كبيرة كان أخرها في3 فبراير أمام بوابة الجامعة والذي سميت فيما بعد بساحة التغيير، وكانت من الضخامة بمكان، بعد إنهاء الفعالية،  طُلب من الشباب انهاء التجمع إلا أن أعداداً قليلة منهم استمروا، وهنا كانت البدايات لثورة الشباب، بعد تحرك الشباب في يناير على ما أظن؛ أما الأحزاب فكل طموحها وهدفها كان من ذلك الحشد هو ايصال رسالة لــ "صالح" تفيد بأن حجم المعارضة  كبير، وعليه أن يعود إلى الحوار، لإصلاح منظومة الحكم؟؛بعد انطلاق ثورة الشباب تطور موقف الأحزاب للمطالبة برحيل صالح من السلطة لدرجة إعطائه الحصانة، المهم أنها تتخلص من حكمه، وهي بذلك حصرت  خصومتها مع رأس النظام ((صالح))،لأنه كان يلهيها في حوارات عدمية. أما "الأزمة" المشكلة الخامسة؛ تتعلق بالفجوة الكبيرة بين جيلين، جيل القيادات التاريخية وحساباتها في الأحزاب وأبويتها ، وبين جيل الشباب، جيل العولمة، جيل الانترنت، جيل التواصل الاجتماعي المتعدي للقطرية والقومية وبلوغه العالمية أو التجارب الإنسانية، جيل الفيس_ بوك ، و الواتس_ اب وغيرهما ،جيل الثورة الافتراضية التي تتحوّل إلى واقع على الأرض يذهل المحللين والمسؤولين والمراقبين؛ فجوة عميقة بين عقليتين، وبين قيادتين قديمة عتيقة، وشابة متجددة ومتطلعة لكنها لا تزال  أسيرة للأبوية في كل حياتها وتصرفاتها، فلا تستطيع أن تتخذ أي قرار دون الرجوع للمرجعيات، لا تستطيع اتخاذ قرارها بمعزل عن قيادة الأحزاب السلفية التي لا تسمح للشباب إدارة مستقبلهم؛ فهم ممنوعون حتى هذه اللحظة من المشاركة في السلطة التي هي من إنجازاتهم؛ 

صنعوه برفقائهم الطيبين؛ وهذا الوضع بحد ذاته يحتاج لثورة ثقافية فكرية لكسر الحواجز والممنوع، صحيح أن شباب الأحزاب اعترضوا على مواقف قياداتهم في 2011 قبل الثورة تجاه ((صالح)) ونظامه، لكنهم عندما عجزوا عن تمويل ثورتهم سلّموا أو استسلموا لأحزابهم، وهاهم أصبحوا خارج العملية السياسية، وخارج القرار، وخارج المشاركة؛ وحُوّلوا إلى وقود في الجبهات مع كل آسف. ونظراً لعدم  تحقيق شباب الثورة  لأهداف والمطالب في مدّة قياسية، فقد انتجوا من خلال الأحزاب نصف ثورة وباقي النصف الأخر يحتاج لأكثر من ثورة، بقي الثوار في الساحات ينظرون ويتألفون ويأتلفون!؛ وكانوا على الدوام بحاجة إلى الدعم، فلم يجدوا غير الاقرب إليهم؛ وهم أحزابهم لاستمرار ثورتهم ليحافظوا على زخم الثورة بشرياً ومادياً، وكانت الاحزاب قد قررت اصلاً اللحاق بشبابها، لحقوا وركبوا الموجة وسيطروا على الساحات بما يملكونه من تجارب وخبرات وتأثير وامكانيات وعلاقات داخلية وخارجية، فتم إحتواء الثورة وثوارها، وأفرغوا مطالب الثورة من محتواها، ووظفوا الدماء التي كان يسكُبها الثوار ظلماً في ساحات التغيير السلمية لمشاريع هم مقتنعين بها، ظناً منهم أنها ستكون لصالحهم في التوصّل لاتفاق سياسي لتقاسم السلطة، ولقد جلبت تلك الدماء المسكوبة تعاطفا متزايداً من بعض أركان النظام السابق، فقرروا الانضمام للساحات احتجاجا على ذلك القتل الكثيف ببرود أعصاب؛ وكلكم لا يزال يذكر تلكم الشعارات والصيحات "حيو بهم ..حيو بهم.. واحنا تشرفنا بهم"،

 ولربما ايضا النظام دفع ببعض عناصره للساحات للانضمام؛  فاختلطت الأمور وازدادت الصورة قتامة وضبابية، مما جعل الأغلبية يبقون في بيوتهم والذين يوصفون  بحزب "الكنبة" ،أو بالأغلبية الصامتة ، فانقسم المجتمع لثلاثة اقسام: مع ثورة الشباب، ومع النظام السابق لصاحبه (صالح)، وقسم ثالث كبير كانوا في البيوت وبسببهم نعاني ما نعانيه اليوم، فازداد الأمر التباساً وجموداً؛ وبعض الساحات أيضا انقسمت مع بعضها؛ فقد اتخذ الحوثة شكلا مغايراً ومعارضاً للنظام ولباقي مكونات الثورة، حيث ان الحوثين كان لهم طريقتهم وتميزّهم بالتعبير وحتى الخروج لأنه كان عندهم مشروع عقدي إمامي تابع لإيران ؛المهم أن الأحزاب  المسيطرة على الساحات قررت الاستفادة من الوضع الحاصل، فقرروا التفاوض والخروج بأنصاف حلول، فوجدوا ضالتهم  في المبادرة الخليجية التي كانت بنسخها الخمس صياغة "صالحية"؛ فمنح نفسه الحصانة هو وأركان حكمه، والاحزاب وافقت ووقّعت واعتمدت، بينما الشباب رفضوا المبادرة والحصانة، ولكن "ليس باليد حيلة"؟!؛،

 المهم أن الأحزاب وجدت لها ضامن قد يجبر ((صالح)) يوما ما،  لتنفيذ ما صاغه بيده، وهذا الضامن يكون شاهداً على التنفيذ، عقدة الخارجي كانت حاضرة؛ فتم استدعاء الأمم المتحدة للدخول على الخط كون الأحزاب لا تثق بصالح ويريدون جهة ضامنة ؛ فعيّنت الأمم المتحدة السيد جمال بن عمر كأول مبعوث إلى اليمن، والذي انجز فيما بعد الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية ،والتي احتوت على عناصر جيدة مزمّنة، لكن المشكلات السابقة فرضت نفسها على الواقع الجديد فحالت دون التنفيذ بشكل دقيق وأمين ، نفذ منها أجزاء وأعيق تنفيذ أخرى.. يحتاج الامر لإعادة النظر، خصوصا وقد تبدلّت وتشابكت التحالفات وتغيرّت تغيراً جذرياً؛ ومن إنجازات بنعمر السيئة الهاء الرئيس والأحزاب بحوارات هامشية في الوقت الذي كان يحضر لإنجاز "اتفاق السلم والشراكة"  المشرعن للانقلاب الذي كان يعده الحوثين، وربما بتواطؤ او بتنسيق مع المبعوث مع كل آسف.. يتبع..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي