قال لي وهو يحاورني لقد ذهبت في مقالك : " صمت المثقف الهاشمي أخطر من جهر جورج قرداحي " ، وهذا تجني على المثقفين الهاشميين ، لأن الصمت على الحوثي وممارساته ، يشترك به الجميع ، فبماذا تبرر صمت القائمين على الشرعية أمام كل ما يجري ؟ وإذا وجدت أي مبرر لهؤلاء الذين يفترض أنهم يجهرون بالقول والفعل ، حينها يمكنك أن تلوم المثقفين من الهاشميين .
قلت له إن صمت القائمين على الشرعية يأتي من ظروف خاصة بإقامتهم ، سارع للقول وكذلك المثقفين من الهاشميين لهم ظروفهم الخاصة التي تمنعهم من المواجهة ، من أهم هذه الظروف عدم خوض معركة حقيقية مع الحوثي ، وهذا ولد عدم الثقة في صدق وتوجه القائمين على الشرعية ، فألزمنا الصمت .
ومضى في القول ، نحن ندرك أن الحوثي وضع الهاشميين في مأزق وجودي ، مثلما وضع اليمنيين جميعهم ، وندرك أن نهايته قادمة لا محالة وأنه لن يصمد طويلا ، لأن من يستمد وجوده من مظلومية تاريخية ويمارس أبشع أنواع الظلم في حق الآخرين الذين لا علاقة لهم بتلك الحقبة التاريخية ولا بأهلها ، فهو لا محالة إلى زوال ، وما يمنعنا عن المواجهة الفكرية معه والاعتراض على سلوكه ، هو اهتراء الشرعية وتراجعها المستمر .
قلت له تلك حجة واهية ، فأنتم تنتظرون من الشرعية أن تنتصر لتقولوا أنكم معها ، وإذا استمر الحوثي في الهيمنة فصمتكم يكفي لجعلكم ضمن مشروعه ، والمفروض أن المثقف لديه رؤيته الخاصة فيما يتعلق بالدولة والمواطنة ، يدافع عنها وعن وجودها بصرف النظر عن عوامل القوة والضعف ، فصمتكم يوحي بقبولكم بهذا التعالي وقبولكم كذلك بهذا التحريض ضد اليمنيين في التعليم والإعلام .
قال لي : ماذا تقصد بقولك ، التحريض ضد اليمنيين وكأننا لسنا يمنيين ، قلت له أنا لم أقل أنكم لستم يمنيين ، أنتم تنسبون أنفسكم للهاشميين وأنت تعرف إذا صدق هذا النسب أين موطن الهاشمية ، أما إذا اعتبرتم أنفسكم يمنيين ،فعليكم أن تتخلوا عن فكرة الاصطفاء الإلهي وفكرة الانتساب إلى بيت النبي ، وسنتعامل مع الهاشمية على أنها قبيلة مثل بقية القبائل الأخرى .
ومضيت أشرح له ، خطورة الارتكاز على الجينات السلالية التي أثبت العلم عدم صحتها ، وأن استمرارها بهذه الطريقة تجعل الحسين حاضرا في حياتكم أكثر من حضور الله نفسه ، وهذا التصور بحد ذاته يجعلكم مثقفين وغير مثقفين تسوغون سلوككم المنحرف ضد الآخرين ، فيمارس بعضكم القمع ويمارس البعض الآخر الصمت تجاه هذا القمع .
والسؤال الذي يطرح نفسه : كيف يمكن لكم التعايش مع جماعة تدعو إلى الموت والإبادة ؟ إنها حركة ضد التاريخ ، والسنن الكونية تحتم النهايات لمثل تلك الحركات ولا تراعي أحدا ولا تجامل حتى الأنبياء أنفسهم ، فما بالك بأدعياء النسب إليهم ، ولا أخفيك أن فكرة الهاشمية تضمحل يوما فيوم ، والقوة التي تبطشون بها اليوم هي قوة القبائل ، وهذه القوة ستتراخى ولن تستمر حتى الأبد ، وحينها تضعون أنفسكم وجها لوجه أمام التصفيات والانتقام .
قال لي أتفق معك في ذلك ، فنحن نعاني من التفاوت الطبقي الذي تعانون منه ، فهناك تمييز لهواشم صعدة عن هواشم صنعاء وهواشم اليمن الأسفل ، كما أن هناك تمييز بين الهاشمية الزيدية والهاشمية السنية ، فالتراتبية داخل الهاشمية نفسها موجودة ، لكن ذلك لا يبعدنا عن جوهر المشكلة نفسها وهو صمت الشرعية وعدم امتلاكها لمشروع متماسك ، قبل صمتنا نحن .
قلت له إنك تتهرب من مواجهة الحقيقة ، وهي تخليكم عن دوركم كمثقفين يدافعون عن الحقوق الإنسانية ، فبعضكم يجوبون العالم دفاعا عن هؤلاء القتلة ، والبعض الآخر يصمت عن ترويج الأكاذيب بأن هذه العصابة تقاتل الأمريكيين والإسرائليين في مأرب ، بينما هم يقتلون أبناء مأرب ويطردون أبناءها من ديارهم ، قاطعني بالقول ، قبل أن تعترض على بعض الناشطين منا الذين يجوبون العالم ، الأولى بك أن تتساءل ، أين هي سفارات الشرعية من مواجهة هؤلاء والطلب من تلك الدول عدم استقبالهم ؟
أليست الشرعية وأنتم معها تزعمون أن الحوثي جماعة إرهابية ، فلماذا لا تثبتون ذلك وتطلبوا من المجتمع الدولي الذي يحارب الإرهاب محاربة هذه الجماعة ؟ لا تعلقون فشلكم على شماعة المثقف الهاشمي بأنه لم يواجه الحوثي وأنتم في الأساس لم تواجهونه حتى الآن ، هل تستطيع أن تجيب علي ، لماذا لا تتوحد كل الجبهات في كل المحافظات اليمنية في جبهة واحدة ؟ ولماذا لا تتحرك الدبلوماسية كلها بما تملكه من إمكانات في دفع المجتمع الدولي لتنفيذ قراراته وحماية المشروعية الدولية ، وستجدون المثقف الهاشمي في طليعة من يواجه هذه الجماعة الهامشية التي صعدت من قاع الهاشمية وتقدمت على أسر هي في أعلى السلم الهاشمي .
أخلص إلى القول من حواري هذا مع الهاشمي ، بأننا بحاجة أولا إلى الحسم بمفهوم الهاشمية ، هل هي ميزة عرقية ، أم ميزة دينية ، أم ميزة قبلية ، كما أننا بحاجة إلى الحسم بمفهوم الشرعية ، هل كل من تخلى عن أداء واجبه في مواجهة هذه العصابة الإرهابية يعد شرعيا ، أم أن الشرعية تسقط عنه لأنه قصر في أداء واجبه ، حتى لو كان منتخبا ؟
-->