خواطر رمضانية "28" .. القصص في القـــــرآن

د. علي العسلي
الثلاثاء ، ١١ مايو ٢٠٢١ الساعة ٠٣:٠٨ مساءً

أشرنا في يوم أمس إلى أن سيدنا موسى عليه السلام أطول الأنبياء قصصًا، وأكثرهم ذكرًا في القرآن؛ ويليه في الذكر إبراهيم عليه السلام. ولعل ذلك لأن حياة موسى عليه السلام قد حفلت بأحداث كثيرة، ومعجزات متعددة، لم تحفل بأمثالها حياة أنداده من الأنبياء الأولين، حيث مضت حياة موسى تتنقل من حدث كبير إلى مثله أو أشد، وانتصارًا بمعجزة إلى معجزة غيرها.. حديثنا اليوم عن القصص؛ ومن القصص على مرِّ العصور هناك شخصيّات حُفِرَت أسماؤها على صفحات التّاريخ، وخلّدها الدّهر فهي مضيئة تتلألأ على جبهة الزّمان. لقد خلّد التّاريخ أسماء أولئك المضحّين الّذين قدّموا أرواحهم في سبيل حفظ الإيمان، فتلقّوا سهام البلاء والعذاب بكلّ عشق ومحبّة.. من الأنبياء والرسل بدرجة أساس ومن شخصيات عادية ليسوا برسل ولا بأنبياء كــــ(آسية) زوجة فرعون الّتي تحمّلت أنواع العذاب وتجرّعت كأس البلاء، كلّ ذلك في سبيل الإيمان بربّ موسى وعقيدة موسى.. إن القصد الرئيس من القصص القرآني هو لاطلاعنا على أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية؛ كي نعلم ونرى ونعرف السعادة لمن أطاع الله، والشقاوة على من عصاه؛ فعلا قصص القرءان تحمل المواعظ والعبر..

فما معنى القصص إذاً ؟؛ (القصص) اصطلاحاً: الإخبار عن قضية ذات مراحل، يتبع بعضها بعضاً. وفي القرءان معناها: "إخبار الله عمَّا حَدَثَ للأُمَمِ السابقة مع رُسُلِهم، وما حَدَثَ بينهم وبين بعضهم.. فالقصص هو بحق وصدق للهداية والعِظة والعِبْرة". وقد يكون للقصص معنى تَتَبُّعُ الأثر، من قوله: {وقالت لأخته قصيه}، أي تتبعي أثره حتى تنظري من يأخذه. أما القصة: فهي لأمر والحديث. وقد اقتصَّ الحديث: رواه على وجهه. والقِصَص، بالكسر: جمع القصة التي تُكتب. وفي القرآن الكريم سورة القصص. والقصص في القرآن كثير متنوع، لكن أكثره عن الأنبياء وجهادهم في الرسالات، وبيان ما كانوا يلقون في سبيلها من شر وأذى، ومن إعراض وجحود، وكيف صبروا على ما كُذِّبُوا وأوذوا حتَّى جاءهم نصر الله، فنجوا هم والذين آمنوا معهم، وهلك المكذبون الضالون.. فلا توجد وسيلة أفضل وابلغ من استخدام القصص في توصيل الرسائل إلى الناس..؛ فالقصص أحفل بالأسوة، وأعمل في النفس، وأبعث على الطمأنينة والرجاء؛ إنه أخف على السمع، وأرعى للانتباه، لا يأمر وينهى، ولكن يقص الأنباء ويصف الأحداث، ويقرن العمل بعاقبته والجزاء عليه، في بيان رائع وتصوير صادق، ينعش الحياة والحركة، فتسري الحكمة منه والموعظة إيحاء وانفعالاً، لا طاعة لأمر، ولا تأثرًا بوعظ، فينزل من أعماق النفس في قرار مكين، حتى كأنه من نبع الوجدان وإشعاع الذات..؛ وأسلوب القصة من الأساليب التي اعتنى القرآن الكريم بها عناية خاصة؛ لما فيها من عنصر التشويق، وجوانب الاتعاظ والاعتبار. وقد ألمح القرآن إلى هذا في أكثر من آية من ذلك قوله تعالى: {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}، إلى غير ذلك من الآيات التي تبين اعتماد القرآن أسلوب القصص...!؛ فقد تقرأ القصص فتجده يتحدث عن قوم ما ــ مثلا ـــ ؛ لكن في باطنه وعظ لنا وتحذير من أن نفعل كما فعلوا فيحل بنا ما حلّ بهم .فالقصص في القرءان ليس من نسج خيال كاتب وانما وحيا من عند الله، لا كذب فيه ولا افتراء، ولا مجال فيه للخيال أو الوَهْم أو المبالغة؛ لأنه من كلام الحكيم الخبير..  والقصص القرآني على ثلاثة أنواع: _ قصص الأنبياء (الدعوة للأقوام، معجزات التأييد لهم، وموقف المعاندين منهم؛ مراحل الدعوة وتطورها وعاقبة المؤمنين والمكذبين). _ قصص تتعلق بحوادث غابرة، كقصة الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وطالوت وجالوت، وابني آدم، وأهل الكهف، وذي القرنين، وقارون، وأصحاب السبت، ومريم، وأصحاب الأخدود، وأصحاب الفيل وغيرهم. _ قصص تتعلق بالحوادث التي وقعت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كغزوة بدر، وأُحد، وحُنين، وتبوك، والأحزاب، والهجرة، والإسراء، ونحو ذلك.. أما مقاصد القصص فهي: - الدعوة إلى التوحيد :2- الإخبار عن تاريخ بعض الأمم الماضية.3- تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليته عما كان يؤلمه ممَّا يُلاقيه.4- إثبات نبوَّة وصِدْق الرسول الكريم عليه الصلاة واتم التسليم.. ويمتاز القصص في القرءان بسمو الغاية والمقصد، وصدق الكلمة والموضوع، وتحري الحقيقة، بحيث لا يشوبها شائبة من الوهم أو الخيال أو مخالفة الواقع..؛ ويتميز القصص القرآني كذلك عن غيره من القصص الإنسانية، فهو : "الاصدق والأحسن  والأنفع (في العبرة) "، ولا بد لأي قصة من أن تقوم على ثلاثة عناصر رئيسة، هي: القالب والمضمون((القرءان يستدعي الحدث التاريخي من أعماق الزمن، ويجمعه من وجوه الأرض؛ ليعرضه على الحياة من جديد،))، الزمان والمكان، الأسماء والمسميات(( كذكر أسماء الأنبياء ،وذكر بعض من تحدوا دعوة السماء "فرعون ـــ وبالضد منه زوجته ـــ ، وقارون، وهامان، وغيرهم"؛ وهناك شخصيات أكتفى القرءان بذكر بعض ما لها من صفات، كصاحب موسى ((الخضر))، ومؤمن فرعون((حزقيل بن صبورا)). .))  في القرءان متحقق هذه العناصر الرئيسية للقصة.. في القرءان قصص أتى بها القرءان الى سيد الخلق الرسول (ص) ساهمت في جعله هادئا من الاحداث التي كانت تحيط به وما أشدها عليه! فتلك القصص ساهمت بتثبيته وتقويته وتصبيره في تحمل المحن، لذلك فإن الله كان يتعهده بما يسري عنه، ويشد من عزمه، فحينًا يدعوه إلى التأسي بأولي العزم من الرسل، وحينًا يأمره أن يرفق بنفسه، ويبقي عليها أن تذهب حسرة وأسى لإعراضهم عنه، وجعل سبحانه يقص عليه من أنباء الرسل وسير الأمم ما يثبت فؤاده، ويدخل السكينة في قلبه، بما يزخر به من مواعظ وعبر للذين آمنوا به واتبعوه، ومن زجر ووعيد للذين يكذبونه ويصدون عن سبيله، ومن عقاب وسوء مآل للذين كذبوا الرسل من قبله.. اللهم ثبتنا وصبرنا واجعلنا متأسيين بحبيبنا محمد(ص).. اللهم اختم لنا بخير..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي