عقول بلد و عجول بلد!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الاثنين ، ٢٠ يناير ٢٠٢٠ الساعة ٠١:٤٩ صباحاً

عندما دخلت المانيا لقيت فيها عرب و اجانب من دول اخرى و كان العرب هم اغنى طبقة يعيشون الجنة بها و بالذات من هم من العراق و ليبيا و اليمن الشمالي و الجزائر ومصر. كان الفيتناميون حالهم مقارنة بالعرب فقراء و لا يتقنون اللغة الالماني و لا يتزوجون من المانيات. صعوبة اللغة و نطقها حاجز كبير كان امامهم, لذلك كانوا كشريحة مهاجرة امامنا العرب منعزلين أو أقلها لحالهم. بعد ١٩٩٠ حصل تغير في حالهم تماما, احتمال فكري نابع مما يحصل في بلدهم و انعكس عليهم، أي ما حصل في فيتنام من باب القدر حصل في حياتهم هنا, فتحركوا في التجارة و المطاعم و الاستيراد بأشياء بسيطة كنا نظنها أنها لا تجلب شيء. لكن المطعم الفيتنامي كان خلية عمل فالزوج و الزوجة و الابن و الاخ يعملون معا و يكملون بعض و حتى و ان كان محل ثياب بسيط مثلا. اليوم صاروا هم اغنى شريحة مهاجرة بتملك العقارات و الاعمال الحرة و الترابط مع بلدهم في التجارة اقلها في الجزء الشرقي من المانيا ولا تجد احد منهم في مكاتب الرعاية الاجتماعية أو نقول نادر جدا مقارنة بغيرهم, بينما العرب ظلوا كما اوطانهم و تنعكس حال أوطانهم عليهم برغم أنهم كانوا في حال أفضل و لا اقصد التعميم هنا ، و لكن من مضحكات القدر.

كنت اليوم جالس اشرح موضوع عن فيتنام و ما حصل هناك كدولة و كما اعرف من طلابي و اصحابي منها و اختلاطي بهم. كان طريق جمهورية فيتنام الاشتراكية إلى التجارة الحرة صعب و معقد, حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي, كان البلد يحكمه اقتصاد مخطط له رقابة صارمة يستند إلى نموذج الاتحاد السوفيتي المبكر. فقط الجفاف الشديد و المجاعات اللاحقة و انقطاع الدعم أجبرت الحكام في هانوي على إعادة التفكير. في عام ١٩٩٠ قرروا القيام بتحرير السوق و شق سياسة انفتاح و تعاون جديدة حتى مع من هم في خانة الاعداء, و يكفي ان تعرفوا ان الدخل القومي لها كان اقل من اليمن بكثير الى ١٩٩٠ و لم يصل حتى ٧ مليار دولار. بلد فقير كان يعتمد على دعم السوفيت و المانيا الشرقية و ما تصدر.

التصدير وقتها من موردها الطبيعية لم يتجاوز حتى ٢ مليار و ٤٠٠ مليون دولار بينما ما تستورد كان اكثر مما تصدر بفارق ٤٠٠ مليون دولار. انهارت السوفيت و المانيا الشرقية في نفس العام و بداء التحول في السوق المقيدة و المخططة الفيتنامية و الاعتماد على الذات. بدأت الحكومة في خصخصة الشركات المملوكة للدولة و إعادة هيكلتها. و كانت النتيجة نموا مثيرا للإعجاب, و الذي سرعان ما تخطى اليوم "النمور" مثل تايلاند و ماليزيا لدرجة ارتفاع الناتج القومي خلال ١٠ سنوات الى ٥ اضعاف و صل الى ٣٣ مليار دولار و لم تمر ٢٥ سنة عن ١٩٩٠ الا و الناتج القومي ١٨٦ مليار دولار و التصدير في حدود ١٥٠ مليار دولار بارتفاع ١٤٧ مليار دولار عن عام ١٩٩٠ , اي تضاعف الامر اكثر من ٧٠ مرة في خلال ٢٥ سنة.

اما اليوم فالناتج القومي لفيتنام بلغ ٢٤١ مليار دولار و الذي يعادل بمقياس القوة الشرائية ٧٧٠ مليار دولار, اما التصدير فنحن نتحدث عن ٢٢ مليار دولار شهريا اي ما تصدره فيتنام في العام يتجاوز حاجز ٢٩٠ مليار دولار و لم تعد تصدر مواد اولية او زراعية و انما صناعية مثل الآلات و المعدات الكهربائية بقيمة ١١٧ مليار دولار أمريكي و الأحذية بقيمة ٢٢ مليار دولار أي ٤ اضعاف ما كانت تصدره اليمن قبل الحرب تقريبا من كل منتجاتها و هذا فقط في مجال الأحذية مثلا. اليوم فيتنام تصدر ايضا الآلات المختلفة بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر بقيمة ١٥ مليار دولار, و الملابس والاكسسوارات بقيمة ١٥ مليار دولار , الأجهزة البصرية والتقنية والطبية بقيمة ٦ مليار دولار و القهوة و الشاي و البهارات ٤ مليار دولار. و هنا نجد انها حتى في القهوة فيتنام اصبحت ثاني أكبر مصدر للبن خلال ٣٠ عامًا و يعد إنتاج القهوة في فيتنام "قصة نجاح" شارك فيها بعض رواد الأعمال المعروفين على المستوى الوطني هناك. و يمكن تصور ذلك بالنظر إلى عدد سكان فيتنام البالغ ٩٧ مليون نسمة فإن إجمالي صادراتها في عام ٢٠١٨ يترجم إلى حوالي ٣٠٠٠ دولار لكل فيتنامي.

فيتنام استثمرت في التعليم و الاستقرار و هذا جعلها تكون في اقل من ٢٥ سنة من النمور الصاعدة, استقطبت في ٢٠ سنة اكثر من ١٤ الف مشروع استثماري اجنبي و فيها الان اكثر من ٩١٠٠ شركة اجنبية و هي من قائمة الدول ١٠ في التصدير في العالم و تتحرك بسرعة للصعود برغم عن مشاكل الفساد و المنافسة الخارجية. صحيح ان التطور الاقتصادي السريع لفيتنام يرجع إلى عوامل مختلفة مثل الموقع الجغرافي الملائم للبلاد و رأس المال البشري و على سبيل المثال العمالة الرخيصة و المؤهلة لكن لازال هنا طموح اكبر لازالت تسعى اليه فيتنام لحل المشكلات الأساسية مثل الافتقار إلى القدرة التنافسية للعديد من الشركات المملوكة للدولة و الفساد و البنية التحتية الضعيفة و العقبات البيروقراطية.

ما يهم هنا ان ننظر للنجاح احتمال نتعلم من تجارب الشعوب ، ففيتنام استقطبت اكثر من ٩١٠٠ شركة اجنبية و هذا العدد للعام ٢٠١٥ , اما اليوم فلن استغرب ان كان الحديث عن ١٥ الف شركة اجنبية و نحن نحارب اليمني اينما يكون, كونه ليس منا و نجعله يهاجر مشتت الافكار و يستثمر في ادغال افريقيا و لا يظل تحت عجرفة و عنصرية اخيه. هم يتحركون الى الامام و يعرفون طريقهم, يبحثون عن الانفتاح و الاستقرار و استقطاب المال و البشر كون مشاريعهم لا تنظر للماضي و نحن عكسهم تماما, و من هنا نفهم ايضا ان غيرنا ينجح كون لديهم في السلطة عقول البلد و نحن نتخندق مع عجول البلد و ننتظر معجزة تحصل. البدايات تتشابه لكن النهايات تختلف بسبب العقول او العجول في السلطة.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي