في العام 1999م نشبت الحرب الأهلية الليبيرية الثانية فحاصرت عدة نساء القصر الرئاسي، ورفضن السماح للرئيس أو ممثليه بالخروج من قاعة الاجتماعات لأي سبب حتى يخضع الساسة لمطالبهن المتمثلة بانهاء الحرب والجلوس الى طاولة المفاوضات ، وكوّنت "ليما غبوي" اتحاداً نسوياً غير مسبوق ، وبدأت النساء تخرج في مسيرات أسبوعية بالآلاف للمطالبة بالسلام وإيقاف الحرب الأهلية .
ولاحقاً وتحت الضغط جلست جميع الأطياف للتفاوض ، وحين توقفوا تجمهرن حول القصر الرئاسي من جديد ، ومنعن خروج أو دخول أحد وأصبحن جماعة ضغط ، فعاد المتفاوضون وتم توقيع معاهدة سلام تشكلت على إثرها حكومة انتقالية ، وانتهى شبح الحرب الذي كاد يلتهم البلد ، وحصلت "ليما" على جائزة نوبل للسلام بالمشاركة عام 2011م .
تمثل هذه التصرفات مرحلة متقدمة من النضج الاجتماعي الهادف لإحلال السلام ونبذ حالة الصراع التي تشكل بيئة مناسبة لسيادة خطاب الكراهية ضد الآخر ، وفي حالة "ليما غبوي" أدركت النساء وقتها أنهنّ سيكنّ أكثر الضحايا تضرراً من الحرب ، كما أدركن ان تفشي خطاب الكراهية يصيب النسيج المجتمعي بالتشضي ، وتلك عادة الحروب في كل البلدان ، والأسوأ أن تحصد المرأة جزء كبير من المعاناة التي تشمل جميع جوانب حياتها .
يمكن القول أن الحروب وما فيها من علو لخطاب الكراهية نتيجتها الطبيعية أن يسود وضعاً من عدم الاستقرار ، وينفلت فيه الأمن ، وترتخي قبضة الدولة ، ويختل النظام بشكل عام وتغيب سلطة القانون ، فتزداد الهشاشة للفئات الأدنى التي فقدت غطائها الحمائي المتمثل بالدولة ، كما يزداد النزوح أو اللجوء الذي يعتبر عاملاً أساسياً للهشاشة والفقر والاضطهاد ، وتفقد نسبة كبيرة من النساء أزواجهن سواءً بالموت أو السجن ، مما يحملهنّ مسؤلية إعالة الأطفال ورعاية الأسرة مادياً ونفسياً بشكل منفرد ، وهذه المظالم والنتائج السلبية تترك شرخاً اجتماعياً يفضي إلى تفكك المجتمع ويصبح التعايش بين مختلف الثقافات صعباً ، وهو ما يجعل البلد في حالة خطر وبيئة يسود فيها عدم الاستقرار بشكل غالب .
في ظل هذه المساوئ التي يتعرض لها مجتمعنا بشكل عام يبقى الحل الأوحد بالتأكيد هو السير باتجاه فرض السلام وإيقاف الحرب ، ومن شان ذلك أن يوفر للرجال والنساء على حدٍ سواء مناخ ملائم للحياة الكريمة يشكل التعايش فيه حجر الزاوية ، ويتجه الجميع إلى المشاركة في التنمية بشكل متوازن ، كما سيشكل السلام أحد أهم الأسباب التي توقف انتشار خطاب الكراهية ، وتتعايش كل المكونات باختلاف ثقافاتها واعتقاداتها ، وسيكون كل ذلك رافداً من روافد التنمية في البلد ، وسبباً لبناء مجتمع متسلح بالتعاون والتفاهم والعمل المشترك سواءً بين أطيافه ، أو بين ركنيه الرجل والمرأة.
وقبل هذا وذلك يعدُّ السلام والاستقرار والتعايش والتوقف عن خطابات الكراهية هو الوضع الطبيعي ، وتمثل الحرب حالة طارئة من الحكمة أن تنتهي بأقرب فرصة ممكنة ، وكلما أوغلت فينا أكثر كانت الضريبة أكبر على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، وازداد تعقيد المشهد في كل مجالات الحياة ، ومن الحكمة أن تتوجه جهود كل قادة البلد ونخبته ومجتمعه المدني من كل الأطياف نحو إحلال السلام ، ثم العمل المشترك لإعادة إعمار ما خلفته الحرب من أثار حسية ومعنوية ، وخاصة التي مست نسيجنا الاجتماعي لنتمكن من السير في قطار التنمية بشكل متوازن وفاعل .
دمتم سالمين .
-->