المجتمع الدولي والمتاجرة بمعاناة اليمنيين

شهاب الدين الحميري
السبت ، ٠٢ فبراير ٢٠١٩ الساعة ٠٥:٣٤ مساءً


بات الشأن اليمني اليوم يتصدر أخبار وسائل الإعلام المختلفة، ذلك التعاطي يتحدد تارة في اخبار وتقارير وتارة يستحوذ على برامج سياسية وتحليلات، منها ما يتناول القضية بسطحية دون الغوص في الأسباب لجذور المشكلة، والبعض الآخر يتناولها وفق موجهات تتبع اجندة خاصة تقف خلف ذلك التعاطي مع الشأن اليمني، بمعنى اننا لم نجد الانصاف لقضيتنا حتى من الاعلام نفسه؛ لأن كثير من تلك الوسائل هي في الأساس تتحرك بالتوازي مع المواقف السياسية التي تتشكل في الغرب مع أو ضد وتمارس الابتزاز وتخضع وفقا لسياسة الممول، فلا مجال للحديث عن الموضوعية فيها، هناك تجيير لرسائل الاعلام الدولي لصالح "اللوبي" الذي يتحين الفرص ويحركها وفقا لمصالحه الضيقة بعيدا عن القيم الإنسانية والاخلاقية، ثمة انحراف فاضح في تناول قضايا الشعوب النامية ولعل اليمن أبرز نموذج في المرحلة الراهنة، ثمة قضايا ارتباطية بالشأن اليمني عديدة وهي قضايا خطيرة وفي غاية الأهمية لم تعط حقها في التغطية التي يجب ان تكون من زاوية إعلامية ومهنية بحتة، ولعل أبرزها استمرار خروقات الهدنة في مدينة الحديدة الذي اتخذته المليشيا الحوثية مناسبة بل واستراحة لاستعادة أنفاسها ولملمة قواها وتعزيز قدراتها وهذا ما يتم وبشكل ملحوظ من فريق الأمم المتحدة وتقارير الخبراء والمراقبين الأمميين، إذا ما الذي يستدعي حضور واشراف الأمم المتحدة وهي منحرفة أصلا في مهمتها منذ بداية الحرب في اليمن، وهذا ما يستدعي أيضا عدم الاستمرار في التعاطي معها من قبل الحكومة والتحالف العربي الداعم للشرعية اليمنية ؟
لقد كشفت الحرب مؤامرات عديدة تستهدف اليمن أرضا وانسانا من قبل ايران الى جانب الصمت الدولي إزاء ذلك وموقفه المتخاذل كما هو واضح بانحيازه الى جانب المليشيا الحوثية، قرارات أممية لم تنفذ وتتنصل منها الأمم المتحدة بالتوازي مع المليشيا الانقلابية، لم يعد الحديث مجدياً في شان السلام معها، ولم تعد لدعوات الأمم المتحدة بخصوص ذلك أمر محفز للتفاعل.. فالشعب اليمني صار مدركا لكل تلك المؤامرات والحبكات التي يجيدها "اللوبي الإيراني" في أروقة الأمم المتحدة وتواطئ المجتمع الدولي مع تلك الأدوات الإيرانية التي تستهدف زعزعة أمن واستقرار اليمن والمنطقة العربية برمتها، فالأهداف الغربية في مثل هكذا قضايا تتضح بجلاء انها نفعية بدرجة رئيسة وبموجبها تتشكل مواقفهم السياسية وهذا ما يتناقض مع خطاباتهم حول الجانب الإنساني والحقوق والحريات فضلا عن تناقضه كليا مع مواثيق ومبادئ الأمم المتحدة وهي الأخرى أيضا تجردت من القيام بدورها وجيرت مواقفها بشكل يتعارض مع أهدافها المعلنة والمواثيق الدولية.
يجمع كثير من السياسيين والمحللين في كثير من دول العالم على ان معظم القضايا التي تتدخل فيها الأمم المتحدة لا تصل الى الحل بل يتحول ذلك التدخل باسم إحلال السلام الى نسج مزيد من العقد ومن ثم الشروع في المتاجرة والابتزاز باسم الجانب الإنساني، ومما لاشك فيه ان الوضع الانساني المتأزم والصورة المؤلمة من صنعها وتفننها وهو الأمر الذي تجيده بحرفية متقنة ويجمع الكثير على هذا القول، فالمتاجرة بالحروب هو ديدن هذه المنظمة ويقف خلفها المجتمع الدولي موجها ومسيرا لكل تحركاتها بما يخدم أهدافه ومصالحه على حساب الشعوب العربية كما هي اليوم حالة اليمنيين ومجاراتهم لمواقف هذه المنظمة التي تتاجر بمعاناتهم وبما يخدم أدوات ايران في المنطقة وبما يضمن المصالح النفعية للعاملين في المنظمة الدولية والدول العضوية في مجلس الأمن.
تتحدث الأمم المتحدة عن معاناة اليمنيين وهي من يسهم بشكل مباشر وغير مباشر في مضاعفاتها, وتتحدث الدول ذات العضوية في مجلس الأمن عن موقفها السياسي المساند للشرعية في اليمن وهي في الحقيقة تلعب من تحت الطاولة، ما يعني ذلك اننا أمام حالة ارتباك ومؤامرات تسوق هنا وهناك جميعها لا تريد لليمنيين لا سلام ولا أمن ولا استقرار، بل تعمل بطريقة وبأخرى على اشعال مزيد من الحرائق في اليمن وتعقيد المشكلة والمشاركة الى جانب ايران ومليشياتها الحوثية في مواصلة قتل اليمنيين وتدمير اليمن.
ماذا يعني الموقف الغربي المعلن في ظاهره المتشدد بفرض الحصار على ايران؟
طوال سنوات ونحن نسمع تلك النغمة الغربية، وفي حقيقة الأمر هما متفقان على منطقتنا العربية من تحت الطاولة، ايران تصنع النووي ولديها أسلحة الدمار الشامل الذي كان ذات يوم ذريعة غربية لتدمير العراق من أجل افساح الطريق لإيران للوصول الى المنطقة العربية بكل اريحية من بوابتها الشرقية كما تسعى اليوم للولوج عبر المليشيا الحوثية  للدخول أيضا من البوابة الجنوبية وكان لها ذلك بمساعدة الغرب نفسه الذي سلم العراق لإيران كما سلم لها لبنان من قبل، ان تلك النغمة هي باعتقادي (مزحة) غربية خبيثة  تضحك بها على العرب و تتربص بالأمة العربية لتنال من كرامتها وفق أجندتها الهادفة الى تفتيت الدول العربية وتحويلها "كنتونات" صغيرة وهناك مشاهد وصور حية واضحة لنا عن تحركاتها المريبة والمشبوهة، لكنها حتما ستفشل أمام الشعوب الحية.
سمعنا مرار عن حصار ايران ومنعها من تصدير النفط  بينما الشركات البريطانية لاتكل من الانغماس في استثمارات النفط الإيراني وتصديره الى دول مختلفة، ولنا في اليمن أقرب مثال وبصورة أوضح على ما تقوم به الشركات النفطية الإيرانية والبريطانية من إيصال كميات ضخمة من النفط الايراني الى موانئ الحديدة كدعم مباشر للمليشيا الحوثية التي يقف مراقبو ومشرفو الأمم المتحدة بجوار خزانات وصهاريج التفريغ لتلك الشحنات القادمة من ايران عبر سفن وبواخر تتحرك بإشراف وحماية من البريطانيين انفسهم ليتقاسموا المنفعة مع الإيرانيين والحوثيين.
الدعم الإيراني للحوثيين لم يقف عند كميات السلاح المتنوع والطائرات المسيرة الى جانب الخبراء والفنيين والمدربين الخ.. بل يتدفق النفط بكميات كبيرة الى المليشيا الحوثية كدعم للحرب ضد الشرعية في اليمن ويتم ذلك بنظر المجتمع الدولي الذي يصر على إيقاف الحرب في مدينة الحديدة بعد ان شارفت الشرعية على الحسم عسكريا في هذه المدينة التي تعرضت الى ابشع الجرائم من قبل تلك المليشيا الارهابية.
نحن اليوم أمام مؤامرة دولية تتزعمها ايران - وهي أكبر مما قد نستقرئ بعض ملامحها وصورها الظاهرة ومواقفها السياسية الوقحة- يتطلب من شعوب أمتنا العربية الاصطفاف لمؤازرة بعضها البعض لاستئصال كل تلك الأدوات التي تستجلب التدخل الإيراني للعبث بأقطارنا العربية واستهداف امنها واستقرارها، لقد استشعرت المملكة العربية السعودية هممها ومسؤوليتها تجاه الأمة العربية وهدفت الى حمايتها من هذا التدخل السافر كما هو الحال في اليمن، فلولا تدخل الملك سلمان في اللحظات الحاسمة لإنقاذ اليمن والمنطقة العربية وإلا لتحولت اليمن - بفعل الحوثيين- من دولة الى ولاية تابعة لفقيه ايران.
شكرا للأشقاء في المملكة العربية السعودية على مواقفهم الأخوية ومساندتهم ودعمهم اللامحدود لليمن قيادة وحكومة وشعبا، هذه هي المواقف الصادقة التي عهدناها منهم التي تعبر عن قوة التلاحم والترابط المتين بين البلدين والشعبين الشقيقين. 
صحيفة ٢٦ سبتمبر

الحجر الصحفي في زمن الحوثي