الحوار أم الاقتتال أولاً؟!

سالم المجيدي
الاربعاء ، ١٨ مارس ٢٠١٥ الساعة ٠٤:٤٧ مساءً
أثبتت التجارب السابقة لنا نحن معشر اليمنيين منذ فجر التاريخ وحتى اليوم أن الاقتتال بين الإخوة الأعداء هو الذي يسبق أولاً قبل الخوض في أي حوار أو اتفاق ،والدليل مؤتمر الحوار الوطني والذي استمر عشرة أشهر ،وسبق هذا المؤتمر التمهيد له ستة أشهر كاملة، وخصصت له ميزانية تقدر بـ«عشرة ملايين ونصف المليون دولار» واجتمع كل الفرقاء السياسيين للتحاور ليبلغ عددهم أكثر من خمسمائة شخص ،رغم قناعتي التامة أن من تم اختيارهم للحوار آنذاك أكثر من نصف هؤلاء الأعضاء لايفقهون في الحوار شيئاً بقدر مايفقهون بامتياز بالمخصصات المالية التي كانوا يحرصون على الحصول عليها، ولم يذهبو إلا للتحاور من أجلها.
 
بعد كل ذلك الاستنزاف للوقت والجهد والمال كنا قد صدقنا أنفسنا بأننا أفضل الأمم امتلاكاً للحكمة ،وأننا قد منحنا الآخرين النموذج الأفضل والحضاري واختصرنا المسافات التي لم تحاول تلك الدول التي تعاني من صراعات داخلية أن تصل إليها ،وأن على تلك الدول أن تتلقف مخرجات حوارنا لتتعلم منها وتقوم بتدريسها في مدارسها وجامعاتها.
 
المثير للسخرية حقاً أن تلك الدول التي تعاني من صراعات داخلية استفادت بالفعل من حوارنا ومخرجاته دون أن تبذل الوقت والمال مثلنا، بينما نحن اليمنيين تعاملنا مع مخرجات الحوار كمن يتعامل مع مخرجات مياه المجاري وكل طرف متحاور يرمي بمسئوليته على الآخر على أن تلك المخرجات لاتخصه على الإطلاق ،إلى درجة أن جيبوتي وارتيريا بدأتا تبديان استياءهما من تردي الأوضاع الأمنية وهددتا بإغلاق سفارتيهما ،أما الصومال فقد بدأت تشكو من إغراق أراضيها بالمتهربين اليمنيين أي بالهجرة غير الشرعية ومن ثم تهريبهم بعد ذلك إلى ايطاليا.
 
مخرجات حوارنا المعطلة ياسادة أوصلت بعض الشباب اليمنيين إلى المغامرة بأرواحهم ودفع مبالغ باهظة للمهربين من أجل إيصالهم إلى السويد أقصى شمال أوروبا الباردة عبر طرق محفوفة بالمخاطر تبدأ بسان بطرسبرج في روسيا بحدودها وتضاريسها القاتلة ولا تنتهي بغابات فنلندا الشاسعة وجبالها الثلجية المميتة من أجل الوصول إلى مملكة السويد ـ الجنة الموعودة ـ بحثاً عن لجوء إنساني في بلاد الصقيع والتي لايصل إليها إلا واحد من بين خمسة متهربين ،فنسبة البطالة وصلت في أوساط اليمنيين ـ بحسب التقارير الدولية ـ إلى أكثر من 60 %.. 
 
أما من تزهق أرواحهم ـ بصفة يومية ـ قتلاً أو ذبحاً أو شنقاً أو عن طريق الانتحار أو بحوادث مرورية يصل العدد بالمتوسط من 80 ـ 120 شخصاً يومياً ، أما من ينضمون كل يوم إلى الشوارع مصابون بالأمراض النفسية بسبب ضغوط الحياة فهم بالمئات، وعمالة الأطفال فقد زادت بنسبة 300 % ونسبة تهريبهم زادت بنسبة 200 % ..هذه الأرقام ليست من محض الخيال ويمكن لأي شخص العودة لتقارير المنظمات المحلية والإقليمية والدولية ذات المصداقية فقط ،فأنا أعلم أن منها الغث ومنها السمين ،مع العلم أن الأمر برمته لايحتاج إلى تقارير، فالمعايشة اليومية والنزول إلى الشارع تغني عن أية تقارير من هنا أو هناك.
 
والخلاصة أننا اليمنيين يبدو أننا لانريد كسر القاعدة التي تقول «نتقاتل أولاً ثم نتحاور» وكأننا نريد أن نقول للعالم لقد أخطأنا بالحوار أولاً ،إذ كان يفترض أن نستغل تلك العشرة أشهر التي أهدرت في حوار عقيم لنتقاتل أولاً ويسيل الدم إلى الركب ثم يأتي العالم بعد ذلك ليتدخل لفك الاشتباك وإيقاف نزيف الدم ،وكأن هذا العالم وهذه الدول التي نستدعيها اليوم ـ كأنها أشبه بجمعيات خيرية ـ ليست لها أية مصالح.. تباً لنا إذا كنا سنستمر على هذا الحال وبهذا التفكير العقيم.
 
أما بالنسبة لمؤتمر الحوار في الرياض والذي يرتب له الآن ـ قد يكون حوار الفرصة الأخيرة ،ولكنه سيكلفنا الكثير من قيمنا وقيمتنا وسيادتنا على وطننا وأمور أخرى ستظهرها الأيام لاحقاً!!
الحجر الصحفي في زمن الحوثي