هل سنفعلُها..؟

عبدالكريم المدي
الخميس ، ٠٦ نوفمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٧:٥٧ صباحاً
أحداث كثيرة يشعر المرء تجاهها في أحايين كثيرة أنّه لا منطق لها ، ولامنطق في العالم - أيضاً- يستطيع أن يقنع من يقوم بها بالكفّ عنها، أو فهم طريقة تفكيره حيالها ، لدرجة أننا نجد أنفسنا ، مع وصول منسوب الإحباط الذي تجلبه لنا لمستويات قياسية ، نكفر بأشياء عِدّة ، ونطلق أحكاماً مختلفة ومستعجلة ، كاعتبار ما يجري - مثلاً- بأنه ليس تحولاً إيجابياً بقدرما هو اهتزاز يقين عنيف وأحداث تتحربأ بألوان متعددة كالحرباء، وليست من قبيل تلك التحولات التي يطمح إليها الإنسان في إعادة صياغة الواقع وتشكيل الوعي تشكيلاً إيجابياً، وربما هذا الشعوريخالجنافي معظم الأحداث المعاصرة في بلادنا ، كالثورات.. وغيرها.
 
صحيح نحن نريد أن نمضي في التغيير والاستمرارية في دربه ،لكن المقصود والمبتغى هو ذلك التغيير الإيجابي في الإدارة وطبيعة التحالفات ومنهج وفلسفة بناء الدولة ، والاستمرارية الإيجابية - أيضاً - في الحفاظ على قيم المحبة والتسامح والوحدة ، وكلّ ما يُمكّن الجميع من الشّعوربالطمأنينة والثقة تجاه بعضهم البعض ،وتجاه مستقبلهم ،لكن الذي يجري ، على الأقل إلى اليوم ، هو أن هناك تشكُّلات وممارسات خفية ومُعلنة، وهناك رسائل تُبعثُ ملفوظة وغير ملفوظة، ملغومة، وقابلة لحمل رؤوس ناسفة، ولعلّ الجريمة الإرهابية الأخيرة التي أهتزّلها الوطن بأسره، والمتمثّلة باغتيال الدكتور محمد عبدالملك المتوكّل عصر الأحد الماضي ،وهوالرجل الممتلىء بصدق المشاعر وقيم المدنية الفائضة عن وجوه ونفوس معظم من صادفناهم وعرفناهم ، هي واحدة من أخطر تلك الرسائل الملغومة ،الناسفة ،البشعة.
 
السؤال الذي يقفز للذّهن في هذا السياق، هو : ياتُرى من هي الجهة المستفيدة من اغتيال شخص  المتوكل،الزاهد عن كل شيء ،النظيف حدّ الطُّهر،المؤمن بالتعدد حدّ اليقين ، الصادق حدّ الدهشة ، المناضل الذي نذر نفسه ووقته وعقله في سبيل التأسيس للدولة المدنية العادلة، وبناء المجتمع الثّري بالجمال، النابض بالتسامح ، المُشرق بالآمال ، المُهاب بالقانون، المتوّج بالإنجازات ؟.
 
إن المستفيد من ذلك، دون أدنى شك، هو الإرهاب،وكُلّ صاحب ضمير ميّت وذهنية متحجّرة ، وكل من لم يرق له وجود صوت للعقل ،ومرجع للحكمة ، والمستفيد هو أي طرف، أو قوة، داخلية كانت ،أو خارجية تريد أن تترك خلفها وطناً يحترق وشعباً يختنق .
 
لقد جاء التوقيع على«اتفاقية السلم والشراكة الوطنية» والاتفاقيات والقرارات التاريخية الهامة التي سبقتها، بالنسبة لليمنيين، مثلها مثل أناس ظامئين تفجّر أمامهم نبع ماء في صحراء مقفرة ، شديدة التصحُّر والحرارة ، لكن سرعان ما يتبخّر ذلك الماء والأحلام،وتتكشّف شيئاً فشيئاً أحوالهم الصعبة وفقرهم المستور.أحداث كثيرة يُقدّم فيها اليمنيون صُوراً مشرّفة ، وأحداث كثيرة - أيضاً - يقدمون فيها صوراً تتحدى فهم الناس ، وبمعنى آخر أننا أحياناً، نجد أنفسنا، نتأرجح بين تسجيل حضورنا وتفاعلنا الكُلّي في الأحداث والمواقف المختلفة كوطنيين وإنسانيين ومبادرين من الطراز الأول ، وبين ظهورنا شبه الكُلّي والخفي ونحن نعاني من غياب قيم التفاهمات والتوافقات والالتزامات، لسبب أو لآخر ، أوقُل بدون قصد منّا أوسبب يُذكر، وبالتّالي ومن قبيل تلك المقولة الشائعة :«مكره أخاك لا بطل» نضطرُّ غالباً لترحيل أهم وأكبر القضايا الوطنية ، أوترقيعها بخيوط وأفكار تقليدية بالية، سرعان ما تسوء بعدها أحوالنا، وخاصة إذاما صاحبتها تحالفات الضرورة والمصالح . لكن وأياً كان حالنا ، نظل شعباً لديه سعة صدر وخاطر أكثر من غيره ، قادرون على كبت شقائنا وعدم الاستعداد لإشهار آلامنا والمتاجرة بفقرنا وخلافاتنا ، نحن في الواقع كرماء ، رغم ضيق الحال ، حكماء رغم محدودية تعليم الكثير منّا، متوادّون رغم عوامل التنافر المفروضة علينا ، لم نتخلَّ، ككثير من الشعوب، عن مودّتنا وإبتسامتنا ، نصرخ لكن سرعان ما نعود لنبلع أصواتنا وأوجاعنا ، إذا أردنا أن نقدم أنفسنا كأكثر الناس تسامحاً وسموّاً وانضباطاً في كينونتنا، فإننا نفعل..
 
 فيا تُرى: هل سنفعلها حالياً وننضبط تجاه قضايانا الكبرى والمُلحّة، ونغضّ الطرف عن أخطأ بعضنا، ونكون كرماء ، أهل جود ،ووفاء تجاه وطننا وأنفسنا، ونعود قليلاً لذواتنا،لربيع حكمتنا المفقودة ، كي نصنع بإرادتنا وإيماننا، يمننا ،وطننا المشتهى؟
 
لا شكّ نستطيع القيام بذلك وأكثر، كيف ؟ : لا أدري....!
 
أكملوا الفراغ،وعلى الله قصد السبيل!.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي