كيف ننأى عن المنحدر..؟!

عبدالكريم المدي
الاربعاء ، ٢٢ اكتوبر ٢٠١٤ الساعة ٠٥:١٨ مساءً
رجاءُ اليمنيين لن يموت؛ لأن آمالهم متعلّقة بالله أولاً، وبالحكماء ثانياً، نعم إن قلوبهم وعقولهم ودعاءهم وولعهم في الاستقرار والسلام متعلق بالخالق الذي لا يخيّب رجاء كل من تعلّق به، ومن بعده أنتم أيها السياسيون وكل الأطراف الفاعلة بمختلف الأطياف الذين يثقون في نبلكم الذي لن يسمح لكم بخذلانهم. 
 
رغم أن أوضعنا لا تُصنّف ولن تُصنّف في دائرة المستحيلات مهما بلغت شدّتها وتعقيداتها، لكن حتّى وإن صارت كذلك - لا سمح الله - فالقاعدة المعروفة، هي أن المستحيل لا يجد له طريقاً إلى دروب الشعوب الكبيرة والعظيمة التي تمتلك الإرادة والشجاعة والحكمة الكافية في معالجة قضاياها. 
 
على أي حال، هناك بوادر إيجابية كثيرة علينا أن نضعها كموجّهات مهمّة في التعاطي الإيجابي مع أوضاعنا الراهنة، ولعلّ أهمها هي الاتفاق على اسم رئيس الحكومة وإصدار قرار رئاسيّ به، وكذا الاتفاق على الأسماء التي رشّحتها القوى والأطراف السياسية لشغل الحقائب الوزارية، هذه في الواقع أشياء مشجّعة من شأنها أن تفتح أمامنا الطريق نحو انفراجة تنهي الحيرة التي لفّت الحقيقة وغيّبتها لدى قطاع واسع من الناس طوال الأسابيع الماضية، حيثُ ظلّوا على نار وهم يترقّبون اسم رئيس وأعضاء حكومة “اتفاق السّلم والشراكة الوطنية” الذي يعوّلون عليه الكثير من الإنجازات والخطوات وفي مقدّمتها وقف التداعيات والميلان السريع الذي أصاب جدارنا الوطني، إلى جانب الاعتراف بكرامتهم وحقوقهم واعتراضاتهم المشروعة وليس الجاهزة والموجّهة. 
 
نعتقدُ أن غالبية الناس يؤمنون يقيناً أنه ليس هناك أي طرف يمتلك الحقيقة المطلقة، أو الرؤى الأحادية والسحرية التي يمكن أن تكون علاجاً ناجعاً لمشاكلنا، كما أنّه لا يوجد أي فصيل يمكن له أن يختزل الآخر أو يختزل تاريخ هذا البلد الطويل في التعاييش والتسامح، الأمر الذي يفرض علينا أن نُسلّم، وعن قناعة، أنه ليس لنا خيار بديل عن الشراكة الوطنية الحقيقية. 
 
إنّ تجربتنا وأصالتنا وذاكرتنا الوطنية والحضارية صارت تجعلنا، وأكثر من أي وقت مضى، نؤمن بضرورة استمرار التوحُّد والتعايش، مع إدراكنا التام أن أيّ طرف منّا يدّعي الحقيقة ويحتكرها لنفسه؛ إنّما هو يمارس التطرُّف وأن أية دعوة للتفرقة إنما هي دعوة إلى الضعف والهوان، وأن أية دعوة إلى الطائفية إنّما هي دعوة دمار وهلاك، وإن أية محاولة لإحياء الماضي إنّما تعني انكفاء على صدفة الذات ورفضاً لقيم العصر والنهوض. 
إن ماضي الصراعات والتحالفات والعداوات أو حتّى المنهج في طريقة الحكم لا يمكن أن يحل مشاكلنا؛ بل على العكس سيضاعفها، ولن يكون قادراً على ملء فراغ الحاضر الذي نعيشه ونعاني إخفاقاته، ولن يكون - أيضاً - قادراً على فتح أية بوابة أو نافذة للعبور نحو المستقبل أو زيادة الأمل فيه، لهذا لا مناص لدينا من التماهي مع قيم العصر ومع القواسم المشتركة فيما بيننا، وإنبات قيم ومشتركات جديدة في تربة وواحة الشراكة الوطنية بالتّزامن مع تفكيك تعقيدات الماضي والحاضر وتحطيم القوالب الجاهزة لادعاءات تقديس مبدأ الخصوصية التي نُعليها على مبدأ الشراكة، لاسيما أن تغذيتها تتم من مصدر فكري واحد وهو الفردية، الذاتية، الأيديولوجية، العصبية، المناطقية. 
 
وهذا المبدأ والفكر بلا شك، يتعارض مع قيم التعايش والتسامح؛ لأن صاحبه يظل في سعي دؤوب إلى التعبير عن امتلاكه الحقيقة وعن استثنائيته، سواء كان يسارياً أم قومياً، أم يمينياً أم ليبرالياً، أم أيديولوجياً «دينياً»، فالمسكونون بهذ الفكر يظلّون متمسّكين بآرائهم وقناعاتهم؛ لأنهم ينطلقون من رؤاهم الذاتية وروافدهم التي يعتقدون أنها مثالية، وهنا تتناسل المشاكل وتكمن المفارقات والصراعات بسبب هذا الفكر الذي يأتي من مشارب مثالية «روحية - دينية - فلسفية - سياسية» وغيرها من تلك الروافد التي تنتج وعياً منغلقاً على ذاته، يتميّز بالحدّية والرفض المباشر والعدوانية وعدم الإيمان بالتعدُّد أو التحمُّس له، أو القيام بأية خطوات يمكن لها أن تُساعد الذات والآخر في إيجاد مشتركات بين الجميع، يتم البناء عليها والتواصل من خلالها والاتفاق على إيجاد كيانات أو قل كيان وطنيّ أشمل وأوسع يقبل بالجميع ويعيش تحت سمائه الجميع. 
 
نحن في الواقع أمام مرحلة التحديات، التي تواجهنا فيها صعبة جداً، وتتطلّب من كل الأطياف إبراز النقاط المشتركة فيما بينها، وتحديد الأهداف المشتركة فيما بينها، والثقة بقدراتنا وبأنفسنا وحتّى بمذاهبنا الدينية أنها لن تذوب في مذاهب أُخرى، ولا يمكن لأي طرف أن يبتلع الآخر أو ينفيه. 
أختتم حديثي وأقول: علينا أن نساعد الحكومة في النأي بنا مسافة آمنة عن هذه المنحدرات الشديدة الانحدار وكي تتمكن - أيضاً - من إرساء قيم الشراكة والوطنية والمواطنة والفرص المتساوية والعدل والنزاهة. 
 
وعلينا في هذا السياق أن نحافظ على تاريخ تسامحنا وتعايشنا الطويل ونموذج البلد المنفتح على بعضه البعض وليس البلد المجزأ، والمعزول عن أجزائه في كتل متباعدة نفسياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً. 
 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي