من ضاحية بيروت الجنوبية الى ضاحية صنعاء الشمالية

محمد عبد الوهاب الشيباني
الجمعة ، ٢٩ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٣٣ مساءً
 
اهلاً بالمربعات الطائفية!!
 
في موضوع سابق حمل عنوان (الحوثيون والجيوبوليتيكية الزيدية) قلنا : ( ليست اعوام الحروب العشرة (بين2004 و2014) وحدها من صقلت مراس الحوثيين وصبرهم ليتحولوا من مضطهدين مذهبيين الى قوة مؤثرة في الخارطة السياسية المتشكلة بعد تحولات العام 2011م .
 
العديد من المؤثرات الاقليمية والدولية والداخلية لعبت ادوار غير مغفولة في تعاظم هذه القوة او تحولها الى رقم صعب في التسويات ، التي اجرتها مراكز النفوذ التقليدية في البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية .
 
ابرز الاطراف الاقليمية الداعمة للحضور الحوثي كانت ولم تزل (الجمهورية الاسلامية الايرانية) ، لأسباب سياسية وطائفية واضحة ، فالبلاد النفطية الغنية وجدت نفسها مكبلة ومخنوقة اقتصاديا طيلة فترتين رئاسيتين(شغرهما مرشح الاتجاه المتشدد محمود احمدي نجاد بين (2005و2013) ، وكانت ابرز سياسات التنفيس لديها ايجاد قوى وتكوينات عسكرية ، ومليشيات عصبوية في خواصر امنية وجغرافية ملتهبة، على تماس نشط بالمصالح الاقتصادية والامنية للدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية التي تفرض حصاراً عليها ، فكانت ولم تزل تجد في حزب الله المتحوصل في رئة الدولة اللبنانية فزاعتها في وجه إسرائيل وامنها القومي (الذي هو امن الولايات المتحدة حسب اللازمة التي يستخدمها الساسة الامريكيون) ، ووجدت في الحوثيين الحاضرين في الخاصرة الجنوبية الرخوة للمملكة العربية السعودية كرتها غير المحروق ، لابتزاز الدولة السعودية احد ابرز حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة ،تماماً مثلما سوقت جبهة الوفاق البحرانية بوصفها حاملة مظلومية المواطنين الشيعة ، في قلب الخليج القاعد على احتياطات الطاقة العالمية . وحين تسلم رجل امريكا الاقوى في جيل الابناء بندر بن سلطان قيادة الاستخبارات السعودية في يوليو 2012م بعد خضة (جبل الدخان) بثلاثة اعوام بدأت تتبدل اولويات تحالفات النظام السعودي ،بعد اكتشافه مقدار التوريط الذي اوقعه به نظام علي عبد الله صالح في حرب مكلفة ضد الحوثيين في نوفمبر 2009 ووصول النظام السعودي الى حقيقة انه بالإمكان ان يكون الحوثيون جيراناً نافعين يمكن تبادل المنافع معهم (دون شطط طائفي ولابأس ان رفعت شعارات الصرخة كلازمة للاستهلاك والتسويق ) ، وهو ما تم لاحقاً بتحولهم الى حارس امين للمصالح السعودية في حدودها الجنوبية مقابل تفكيك البؤر السلفية التي استزرعتها الاستخبارات السعودية في المناطق الزيدية( كتاف ودماج)، ورفع الغطاء عن بيت الاحمر في منطقة حاشد، التي دخلها الحوثيون مطلع شهر فبراير الماضي (بمباركة مشايخ حاشديين على علاقة بالسعودية اتهموا بالتواطؤ مع الحوثيين).
 
افكار مثل هذه طرحناها هنا في (في 8 فبراير الماضي) ، اي قبل ان يحكم الحوثيون قبضتهم على مدينة عمران في يوليو واستيلائهم على ترسانة اسلحة اللواء 310(التي تقدرها الماكينة الاعلامية لحزب الاصلاح بمليار دولار) ، وانتشارهم بعد وقت قصير في المناطق المحيطة بالعاصمة وقبل ان يعسكر مسلحيهم في مداخلها الرئيسية منتصف اغسطس وقبل ان يشكلوا ساحة للاعتصام في موقع استراتيجي على طريق المطار (بالقرب من ثلاث وزارات حيوية) وبمحاذة المطار ذاته من اجل (اسقاط الجرعة والحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار)!! التي سيروا لها مظاهرات حاشدة (لاستعراض القوة ) في شوارع العاصمة ، التي تركب سكانها حالة من الفزع من انفجار المواجهات المسلحة في احيائها .
 
الحوثيون لن يغامروا في اسقاط المدينة عسكرياً ـ على الاقل في المدى المنظور ـ لان الكلفة لن تكون سهلة بالمرة كون الطرف الاخر الذي يُجيِش بمسيرات مضادة وبحشود ليست بالقليلة سيكون له قول ايضاً في أي مواجهات من هذا النوع!!
وغير ذلك حجم المصالح التي قد تتضرر من أي مواجهات مسلحة في المدينة المفخخة بالبارود وجزء مهم من هذه المصالح مرتبطة بأطراف تسند الحوثي مثلما تسند خصومه بما فيها بيوتات تجارية وازنة تستند عليها الجماعة في ادارة انشطتها الاقتصادية والمالية ، تماماً كما حدث في العام 2011 حين لم تمس أي من مصالح الاطراف المتحاربة في شمال العاصمة وجنوبها.
 
الحوثيون سيعتمدون بدرجة رئيسية على قضم مساحات جغرافية من العاصمة حيث يتواجد انصارهم فيها بكثافة ليتمددوا تالياً في المناطق الاقرب اليها ، تماماً مثلما هو حاصل الان في الجراف والمناطق القريبة منها او ما سيعرف تالياً بـ (الضاحية الشمالية) للعاصمة على غرار الضاحية الجنوبية لبيروت ،فمنطقة الجراف حيث التواجد الكثيف للمجاميع السكانية الاقرب الى الحوثيين وفيها يوجد المقر المركزي لانصار الله (الذراع السياسي للحركة).
 
اصبحت المنطقة شبه مقفلة عليهم ، وتدار امنياً بواسطة عناصرهم المسلحة ، وما حادث الاستيلاء على طقم يتبع وزارة الداخلية واحتجاز اربعة من جنوده في يونيو الماضي بالقرب من مقرهم الا مؤشراً لذلك ، وبمقارنة سريعة للحالة القائمة بما انتهجه حزب الله في بيروت عموما وفي مناطق الجنوب خصوصاً على مدى عقد نجد ان الحزب اعتمد سياسات التطهير لمعارضيه في المناطق التي يسيطر عليها حتى من ابناء الطائفة ذاتها .
 
وهذا تماما ما فعله "الحوثيون" عندما اقدموا على "تطهير" مناطق انتشارهم الرئيسية في محافظة صعدة من معارضيهم حتى بين الزيديين الشيعة، واخرجوا السنة منها بحجة انهم "تكفيريون" (التسمية ذاتها يطلقها "حزب الله" على المعارضين السوريين لنظام بشار الاسد ورعاته الايرانيين)كما يقول حسان حيدر في مقالته التي حملت عنوان (الحوثيون على خطى حزب الله / جريدة الحياة الاحد 30 مارس 2014)
 
يتقوى حزب الله على حساب اضعاف الدولة والمجتمع الطائفي ويرفض نزع سلاحه بحجة المقاومة ،ولان الحوثيين يفتقدون شرعية المقاومة ،يحاولون استبدالها بمظلومية حروبهم الستة مع النظام ،التي تتداخل في الاصل مع مظلومية الهاشميين المتضررين من النظام الجمهوري ـ كما تذهب الى ذلك ميساء شجاع الدين ـ وهم يتقوون ايضاً من خلال اضعاف الدولة وابتزاز المجتمع برفع شعارات تقترب من معاناته لكن الهدف منها هو تحقيق مكاسب سياسية على حساب احزاب وقوى خذلت المجتمع كله ، الذي بدأ قطاع مهم منه بالانتقام منها بواسطة هذه القوة الصاعدة بكل غرورها وصلفها.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي