اين عقل ما قبل الطلقة الاولى ؟!

محمد عبد الوهاب الشيباني
السبت ، ٠٦ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٢:٠٠ صباحاً
 
غاب المشروع الوطني الجامع ، فتسيدت المشاريع الصغيرة الراكبة على موجة الحاجة ومعاناة الناس!! هذا ما يمكن به اختصار الحال الذي وصلته البلاد جراء تصارعات مراكز النفوذ (المستدامة وكذا الصاعدة بقوة السلاح) ، التي تتخذ من المجتمع بشرائحه ونخبه وقودها السهل من اجل تمرير مشاريعها الخطيرة في التفتيت والتجزئة!!
 
فمشروع الثورة (الناقص) ، افضى الى تسيد مجموعة من الاحزاب والشخصيات الانتهازية الواجهة السياسية وتقديم نفسها كمنقذ وهي التي لم تكن بعيدة عن النظام الفاسد ، بل وخارجة من رحمه ايضاً . النظام الذي اطيح برأسه إطاحة ناقصة لم تؤذيه (بل قوته تماماً) ، ليعود لممارسة ابتزازه من بوابة المزاودة على الموضوع الوطني ، محملاً غيره الااخطاء الكارثية ، التي اوصلت البلاد الى لحظتها المعتمة ، جراء سياساته الخرقاء في الحكم على مدى ثلث قرن.
 
عوَل المجتمع بشرائحه على احزاب المعارضة ، في قيادة البلاد الى فضاء التحول بعد خروجه الكبير في العام 2011 حاملا مشروع التغيير ، لكنها خذلته في منتصف المسافة ، لتكشف عن الوجه الأسوأ للانتهازية السياسية ، اذ غدت جزء من لعبة الالهاء الكبيرة ، التي لم تكن في ممارساتها للشأن العام تنظر الى ابعد من غنيمة السلطة ، التي اعيد تدويرها بذات اساليب تدوير النفايات القذرة ، لتكتفي هذه الاحزاب بفتات لم يشبع حتى بطون من توزروا باسمها ، او عملوا كمستشارين خلص لمركز الحكم ، تاركة لحلفائها الاقربين قبل الخصوم اكل الثوم بأفواهها ، وبطريقة جعلت من الشارع الكافر بكل شيء ان يستحلب الامل مرة اخرى من قوى اكثر انغلاقاً ، استطاعت العزف على اوتار جوعه واضطهاده الطويل ، و يستحلبه ايضاً من سلطة تعيد انتاج نفسها بأساليب اكثر تفاهة من حضورها في متوالية الالم والويل .
 
واذا حاولنا تقريب الفكرة من بوابة السؤال سنقول:
ما الذي جعل الشارع يندفع باتجاه الخطاب الحوثي بكل هذا العنفوان ؟ وهو يعلم ان قوى مثل هذه لن تكون في يوم من الايام تياراً سياسياً وطنياً ، له عينه المفتوحة ويده الحانية على كل الجغرافيا اليمنية ، وليس فقط على الجغرافية الزيدية (من صعدة الى الرضمة )، تيار منفتح على الجميع ، يؤمن بالتداول السلمي للسلطة ، من خلال ممارسة العمل السياسي على قاعدة تنافس البرامج الانتخابية مثلاً ، وانها لن تتقوى اكثر الا بوصفها مليشيا مسلحة تتغذي من الصراع الاقليمي بدرجة رئيسية و يستخدمها الطرف الايراني ككرت قوي في التنازعات مع الغرب ووكيلها العربية السعودية ، وابدالات العنف في المساحات الجغرافية بين بغداد ودمشق وبيروت؟
 
ما الذي جعله ـ أي الشعب ـ يحن مرة اخرى الى ايام مضطهديه الازليين ، ويعيد تسويق جلاده السابق كزعيم بل ومنقذ ، وهو يعلم تمام العلم انه سبب الاعاقة والتعطيل والفوضى لأنه يرغب في الانتقام من الجميع؟ حتى وان ارتضي القيام بدور (العكفي) تحت امرة (السيد) حسب تعبير الزميل جمال حسن ؟!
 
الاجابة بكل بساطة تتكثف في (النكاية) بمن حكمه باسم الثورة والتغيير، وقدم اسوأ نموذج للإدارة في ثلاثة اعوام ضَعفاً وفساداً . فتجمع الاصلاح عمل خلال فترة المد الاخواني في البلدان العربية (عامي 2012 و2013) على التهام كل ما يمكن ان تطاله يداه في المجال العام والوظيفة ، التي ضخ الى مفاصلها الحيوية الالاف من كوادره (غير المؤهلين وغير الاكفاء ) بأساليب الابتزاز الرخيص لرأس الحكم ونافذيه في المواقع الحيوية ، وفي مراكز صنع القرار ومنها مكتب الرئاسة الذي اداره بتحيز لعامين ـ الا قليل ـ احد كوادر الحزب المخلصين (نصر طه مصطفى ) ، وبواسطته تم تمرير الاف من قرارات التمكين لعناصر الحزب و(شُقاته) الصوتيين في الوظائف المدنية والعسكرية ، وترَكب حزب الاصلاح الغرور والفجاجة ـ مثلما يتركب الان من يريد الحلول مكانه ـ فلم يترك لاحد الدفاع عنه الا (شقاته) المخلصين ، فدفع ثمن ذلك فقدانه الكبير بما فيه فقدانه المعنوي والسياسي في اوساط الناس ، لان التذاكي والاحتيال الذي مارسه على الجميع بما فيه حلفائه في المشترك ، كان مقرفاً قابله من الجهة الاخرى سذاجة الشركاء الذي ظهروا خلال ثلاثة اعوام ـ الا قليل ـ ليس اكثر من لاهثين وراء سلطة سرابية جعلت حزب عريق مثل الاشتراكي يبتعد عن تأريخه السياسي والنضالي واحترام الجميع له بحقيبتين ونصف ـ لم تستوعب حتى ملابس وزرائه ـ وحزب مثل الناصري ارتضى بحقيبة تافهة ارادها مثل سيارة خرده تحمل كل (عفشه ) التنظيمي ، مثله مثل التجمع الوحدوي والامثلة تطول !!
 
اذا نحن امام مفترق طرق وجودي ، اما ان نحافظ على ما تبقى من الامل بخلق قاعدة سياسية من قوى المجتمع الحية (يختزلها الحراكين الاجتماعي والسياسي غير المتورط باللوثة الكبرى التي نعيشها) ، تستطيع ايقاف الهرولة الى الهاوية واما ان نترك لمراكز النفوذ اعادة انتاج صراعها الدموي ببسطاء الناس فنفقد البلاد شمالها والجنوب .
 
فقراء البلاد و(اُمييها) الذين تستقطبهم الساحات والمسيرات ومُصليات الجُمع السياسية ، وحدهم من سيدفع الثمن في حال انفجرت الاوضاع عسكرياً التي لن تبقي ولن تذر ، لأنها بكل بساطة ستستدعي الى اتوانها كل اصحاب الخصومات والثارات الايديولوجية والمذهبية وعصابات اللصوص والقتلة ، الذين سيجدون في الفوضى المعممة غواياتهم الكبرى في القتل والتدمير ونشر الفوضى ، اما النافخون في كير الحرب يخططون منذ الان ليكونوا بعيداً عن السنتها والخروج، من لهبها باقل الاضرار ، باحثين عن استحقاق تال ٍ اقله التحول الى امراء حرب وتجار سلاح وزعماء مليشيات يسترزقون من مداخيل (الكانتونات) المغلقة طائفياً وجهوياً .
 
البلاد في لحظة البحث عن عقل ما قبل الطلقة الاولى فهل يتركها المغامرون تفعل ذلك ؟!
الحجر الصحفي في زمن الحوثي