والعافية تشتي علف

د. عبدالله صلاح
الاربعاء ، ٣٠ يوليو ٢٠١٤ الساعة ٠٧:٥٤ مساءً
 
 كثيراً ما يمني الإنسان المسكين والفقير نفسه بالصبر والتعلل بالآيات والحكم والأمثال حين يكون عاجزاً عن توفير العيش الكريم لأسرته، فمثلاً في مناسبة العيد يردد الناس الفقراء بشكل مفرط المثل الشعبي (العيد عيد العافية). وذلك عندما تسد أمامهم الأبواب والنوافذ ويصبحون مشلولين أو عاجزين عن زرع الابتسامة في وجوه أبنائهم وذويهم وخاصة الأطفال، فلا يستطيعون توفير الكسوة والجعالة والألعاب التي تمنحهم السعادة ويشاركون سواهم الفرحة والانتشاء بيوم لا يشعر أحد بالسعادة فيه أكثر من  الأطفال.
 
لكن في المقابل نسمع مثلاً آخر يعارض المثل الأول (والعافية تشتي علف) وهذا المثل في معناه وبعده الدلالي ينقض المثل الأول ويفرغه من محتواه وهو أصدق منه، إذ يشير إلى أن العافية وحدها لا تكفي، فحياة الإنسان يجب أن تكون حياة عزة وكرامة. والمقصود بـ (العلف) متطلبات الحياة أو ما يحفظ ماء الوجه من الذل والهوان.
 
صحيح أن المثل الأول (العيد عيد العافية) له رؤيته الصائبة وجماله من حيث أن صحة الإنسان وخلو جسده من العلل والأمراض هي العيد والفرحة الحقيقية. لكن مفردة (العافية) في المثل كذلك لا تقتصر في بعدها الدلالي على سلامة الإنسان من العلل فحسب، فهي دال يحمل إيحاءات نفسيه ودلالية متعددة، فالفاقة والحاجة إلى الآخر وعدم القدرة على تحقيق أبسط مقومات الحياة والشعور بالقلق والذل، كل هذا ينتقص من دلالة العافية التي يتحجج بها الناس الفقراء في زماننا.
 
إن ما يؤسف له أن نسبة كبيرة من أبناء الشعب اليمني اليوم، أسمعهم يتحججون بهذا المثل (العيد عيد العافية)، وأجزم أن ترديد هذا المثل أو تداوله بكثرة لا ينبئ عن قناعة مطلقة بصحته، ولكنه ترديد أو تناول العاجز والمكره والمجبر على النطق به. فلا حيلة له لإقناع أطفاله وعائلته إلا بترديد هذا المثل لعله يخفف عنهم الحزن والمعاناة. على حين أن الأطفال، أحباب الله، والصفحة البيضاء، لا يعرفون شيئاً اسمه مثلاً، ولا يدركون علة ما يقصده رب البيت. فقط هم يدركون أن العيد بالنسبة لهم هو جنة الدنيا والآخرة، فهو موعدهم الذي يمنون أنفسهم بجماله ويحلمون بممارسه طقوسه.
 
ما زلت أذكر كيف كنا ونحن أطفال نعد له من قبل شهر رغم بساطة الظروف حينها، كنا نحطب له من قبل شهر لنشعل النيران ليلة العيد، ونردد أغاني وأهازيج الأطفال البريئة. كان أطفال القرية ينقسمون إلى قسمين، القسم الذي يسكن سفح الجبل المحيط بالقرية، وقسم يسكن بطن الوادي. وكان يردد من على سفح الجبل "يا أهل القرية يا عبرة يا لابسين الشترة). كنوع من الاستهزاء بملابسهم والتفوق عليهم في هذا الشأن. وهم يرددون (يا أهل الكولة سعليكم ما أحنا شي قوم  عليكم)، كإشارة على أنهم أشجع منا وأشرس، وأن ما دونهم الضعفاء والجبناء.
 
وفي صباح العيد يجتمع كل أطفال القرية في الجرين (مكان حصد الثمار) ويأتي كل طفل يزايد بملابسه وجعالته وألعابه، وتبدأ طقوس العيد باللعب لمدة لا تقل عن أسبوع صباحاً وقبل المغيب. ما زلت أذكر من كان يزايد علينا بملابسه، ومن كان يغيب عن اللعب ويحرم الفرحة بسبب عجز أبيه وفقره وعدم تمكنه من إسعاد أبنائه.
 
إنها دعوة لمن منحه الله المال والسعادة أن التفتوا إلى أطفال الفقراء والمساكين،  ولتسعدوهم في هذا اليوم، ولا تصدقوا أن تعلل أباؤهم بالمثل الشعبي (العيد عيد العافية). فالمثل الآخر (والعافية تشتي علف) هو أصدق منه، وأكثر مواءمة للواقع وحقائقه.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي