التسريبات التركية حول “فبركة”

عبدالباري عطوان
الأحد ، ٣٠ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٣:٣٨ مساءً
 
التسريب الاخير الذي انعقد في وزارة الخارجية التركية حول اجتماع برئاسة السيد احمد داوود اوغلو وزير الخارجية ومشاركة اربعة مسؤولين كبار بينهم رئيس جهاز المخابرات حقان فيدان وبحث افتعال “ذريعة” لتوجيه ضربة عسكرية تركية لسورية لا يقل خطورة في رأينا عن ذريعة اسلحة الدمار الشامل العراقية التي جرى استخدامها لتبرير غزو العراق واحتلاله، وتجعلنا نعيد النظر في معظم تطورات الازمة السورية منذ بدايتها من حيث التعمق في دراسة مواقف الدول المتورطة فيها من منظور مختلف تماما.
 
اربعة مسؤولون اتراك يجتمعون في غرفة داوود اوغلو يناقشون سيناريو “تنفيذ عملية سرية” لتبرير تدخل عسكري في سورية، حيث يقول الجنرال حقان فيدان رئيس جهاز المخابرات وبصوت مسموع انه يمكن ارسال اربعة رجال الى سورية لاطلاق اربعة صواريخ على ارض بور داخل الارضي التركية يتم استخدامها بعد ذلك كمبرر لشن هجوم على سورية.
 
وزارة الخارجية التركية لم تنف حدوث الاجتماع ولا مضمون ما دار فيه، ولكنها قلت “انه تم التلاعب في التسجيل” وشجبت التسريب باعتباره عملا “اجراميا خطيرا”.
 
عندما تحدث النظام السوري عن “مؤامرة” تستهدف سورية متورطة فيها دول عربية واجنبية لم يصدقه الكثيرون، لان سجله على صعيد حقوق الانسان وانتهاكه لها لم يكن ورديا على الاطلاق، ومصداقية اجهزته الاعلامية كانت متدنية وغير مهنية او موضوعية، ولكن كان واضحا ومنذ جرى اخراج الانتفاضة السورية عن سلميتها، وتدفق الاسلحة والمليارات والمقاتلين ان هذه الرواية السورية تنطوي على الكثير من الصحة.
 
***
 
نحن هنا لا نبرئ النظام السوري من المسؤولية، فقد ارتكب اخطاء كارثية، وادارته للازمة كانت ادارة تعتمد بالدرجة الاولى على الحلول الامنية الدموية، والرئيس السوري بشار الاسد اعترف في مقابلات صحافية ان النظام يتحمل جزءا من المسؤولية عن ما حل في سورية من اعمال قتل ودمار، ولكننا لا نبريء المعارضة السورية والدول الداعمة لها، وخاصة المحور التركي القطري، ومن ثم المملكة العربية السعودية التي وضعت وتضع كل ثقلها خلف الاعمال القتالية ومنظماتها في سورية.
 
سلفيو برلسكوني رئيس الوزراء الايطالي الاسبق اكد في حديث لوكالة الانباء الايطالية “اينا” ان “الثورة” في ليبيا مفتعلة، وان خطط تدخل حلف الناتو جرى وضعها قبل اشتعال فتيلها، واتهم نيكولاس ساركوزي بفكرة مظاهرة بنغازي والمبالغة في تضخيم خطر القذافي ونواياه بارتكاب مجزرة فيها.
 
هذا التسريب التركي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول دور تركيا ودول اخرى في اشعال فتيل الازمة في سورية، وفبركة اسبابها، او صب الزيت على نارها، وعسكرة انتفاضة شرعية تطرح مطالب مشروعة بالتغيير الديمقراطي والعدالة الاجتماعية بهدف تدمير سورية، وتفتيت وحدتها الترابية وقتل 150 الف انسان بريئا من شعبها وتشريد اكثر من خمسة ملايين من ابنائه في مخيمات الاذلال داخل البلاد وخارجها.
 
فاذا كانت المخابرات التركية تتحدث عن “فبركة” هجوم بالصواريخ يقوم به بعض عملائها على تركيا من داخل الاراضي  السورية لتبرير هجوم عسكري فلماذا لا نفترض ان المخابرات هذه نفسها، ومعها مخابرات امريكية وبريطانية وعربية “فبركت” الكثير من الذرائع لتفجير الحرب الاهلية والصراع الطائفي في سورية لاسباب لا علاقة لها بمصالح الشعب السوري الذي دفع ويدفع ثمن هذه الفبركات من دمه؟
 
عارضنا النظام السوري منذ 15 عاما، وانتقدنا وما زلنا ننتقد الكثير من سياساته الداخلية والخارجية، ولكننا كنا وسنظل مع الشعب السوري ونقف في خندقه في مواجهة اي مخطط لتدمير بلاده التي هي بلادنا، وقتل ابنائه الذين هم ابناؤنا، عرفانا بالجميل لدماء كل شهيد سقط دفاعا عن القضايا العربية والاسلامية على مر العصور.
 
اننا ننظر بعين الشك لكل ادعاءات المتورطين في المؤامرة على سورية، والعرب منهم خاصة، ومن تعاون معهم، وكل احاديثهم عن حقوق الانسان والديمقراطية، مثلما بتنا متأكدين من دور فضائيات الفتنة في تأجيج الانقسامات الطائفية والعرقية، ودور “شهود عيانها” في تزوير الحقائق.
 
***
 
السلطات التركية الحاكمة التي لعبت رأس الحربة في الازمة السورية وتاجيجها وايصالها الى ما وصلت اليه من تازم ودمار لم تخدم مصالحها، كما لم تخدم مصالح الشعب السوري الذي تدافع عنه، وقد تكون خلقت حالة من عدم الاستقرار التي ستطالها حتما، وما الانقسامات الحالية واعمال العنف والارهاب التي تشهد بعضها تركيا حاليا الا احد الامثلة في هذا الخصوص.
 
حجب “التويتر” و”اليوتيوب” الذي اقدمت عليه هذه السلطات لمنع وصول الحقائق الى الشعب التركي والعالم لن يحقق اغراضه، لان الزمن تغير، ووسائل التواصل الاجتماعي من الصعب السيطرة عليها، وفوق كل هذا وذاك هناك ديمقراطية في تركيا ترى في هذا الحجب مصادرة لابسط قيمها وهي حرية وصول المعلومات للشعب.
 
ان ما نشاهده حاليا من تسريبات لحقائق كانت غائبة عنا هو مجرد قمة جبل الثلج المخفي تحت الماء، وقطعا سنرى ونسمع الكثير في المستقبل عن “الفبركات” والادوار التآمرية على الشعب السوري، ونحن على ثقة ان هذا الشعب، ومعه كل الشعوب العربية والاسلامية لن يتوان عن محاسبة كل المتورطين والمتآمرين سوريين كانوا او غير سوريين، عربا كانوا او غير عرب، قادة او اجهزة اعلامية.
 
الجريمة لم تكن مطلقا في التسريبات واعمالها وانما في المضمون والنوايا التي تضمنتها التسريبات، وهي قد تشكل ضربة قاصمة لتركيا وسلطاتها ومكانتها في معظم الدول العربية والاسلامية.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي