جغرافيا مفتوحة للصراع والدمار

سامي نعمان
السبت ، ٠٤ يناير ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٣٨ مساءً
 
لا يبدو أن ثمة مؤشرات جدية على نهاية مرتقبة لرحى الحرب المحتدمة في صعدة ومحيطها منذ ثلاثة أشهر تقريباً، على أن جولات أخرى قد أخذت واستغرقت نصيبها من الضحايا والوساطات والهُدن الهشّة التي لا تسعف المتحاربين لدفن أشلاء ضحاياهم ومداواة جرحاهم، إذ الأولوية أكثر لإعادة التموضع وترتيب الصفوف، استعداداً لجولة أخرى أشد ضراوة من سابقتها. 
على العكس، تؤشر الأحداث أن رقعة الصراع في اتساع مطرد، وحظوظ أطراف جديدة للانخراط فيه وفيرة، ليزداد التعقيد آخذاً أبعاداً أكثر خطورة على السلم الاجتماعي، بتداخل المذهبي بالعشائري، واستحضار السياسي كصبغة تحاول بعض أطراف النزاع مزجها فيه للتهوين من خطورته، بيد أن استعارة السياسة لتغطية جاهلية الصراع، تعتبر أكثر خطورة على خيارات المستقبل، إذ تصور كوقود حرب، لا كخيار تنافس حضاري يؤسس للسلام والتنمية والتعايش. 
ومع غياب حساسية الدولة، وأطراف الصراع، والقوى المؤثرة، لخطورته في دماج، تفجرت بؤر جديدة في كتاف وحاشد وحرض، وتوشك أن تخلق أخرى في الجوف وأرحب، وقبلها في بعض مديريات حجة وعمران، وثمة أخرى مؤجلة إلى حين. 
مطلع الأسبوع الماضي، تقدم الحوثيون في جبهة كتاف، و«فتحوا» معاقل السلفيين فيها، وتجلت كارثية المشهد بقيام الطرف المنتصر بنسف مبنىً يضم فرعاً لدار الحديث السلفي ومسجد ملحق به، في اجتثاث لمقومات قد تهيئ يوماً لعودة شبه طبيعية للطرف المتقهقر، إذا ما قدر لجهود الوساطة أن تنجح جدياً، أو لدولة أن تحضر بمسؤولية والتزام. 
كان المشهد الذي تباهى صناعه بتوثيقه ونشره، وأكثر منه الجثث المتناثرة، التي يجهد المذنبون لزيادة أرقامها، شاهداً حياً على شرخ عميق في جدار التعايش، يرى المتسببون في إحداثه أن نسفه أولى وأقرب من محاولة ترميمه. 
على أن السلفيين، ليسوا أكثر إيماناً بفكرة التعايش، فلديها أدواتها المعبرة عن ذلك، من تسليح وتجييش وفتاوى تكفير ترى هؤلاء أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى، وإذا ما وجدت لديهم القوة الكافية فلربما نفذوا في خصومهم حد القتل بالردة والكفر. 
تتناوب ميليشيات النزاع المؤدلجة، التي لا تؤمن بمواطنة وتعايش، تمثيل دور الأقلية والمظلومية، وسلطة الأكثرية والقوة، لتقتل بعضها والآخرين، خصوصاً المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا أنفسهم يسكنون جغرافيا لا يؤمن متسيدوها بالإنسان، ويقتلونه باسم التكفير أو رفض التكفير، وسيان هما. 
طيلة حروب صعدة الست كانت جماعة الحوثي تواجه الدولة بالسلاح كأقلية ذات مظلومية تدافع عن نفسها، لكنها ارتقت لتغدو أكثرية تدير زمام الأمور في صعدة ومناطق شاسعة مجاورة، وتتسيّد مراكز القوى والجماعات المسلحة نفوذاً وتأثيراً، وتواجه السلفيين كأقلية بجناح مسلح احتل موقع الدفاع، كما يزعم، مع فارق أن الحوثيين كانوا يواجهون دولة، وهم يواجهون ميليشيات تحكم كسلطة أمر واقع. 
يحدث ذلك مع غياب كامل ومعيب لدولة سلّمت أرواح مواطنيها للميليشيات، والجماعات الدينية المسلحة، وإن حضرت كطرف محايد، أو عبر وسيط يتسول أمراء الحروب هدنةً وسلاماً مؤقتاً.. ذلك الغياب خلف فراغاً كبيراً غطته تلك الجماعات المسلحة، التي تتنازع وظيفة ودور الدولة، في ظل انعدام مقومات تؤهلها لذلك. 
وبما أنه لا مؤشرات على أن الدولة ستتخلى عن حيادها المعيب تجاه مسؤوليتها في حماية أرواح مواطنيها من الطرفين على المدى القريب وربما المتوسط، يبقى كل جهد مبذول من أي وسيط نزيه ومخلص لوقف نزيف الدم والتمهيد لإنهاء جذور الصراع أمراً مرحباً به، مهما بدا أفقه ضيقاً في هذه المرحلة. 
ما ينبغي أن يدركه أطراف الصراع، إن كانوا يتعظون من حروب السنوات الأخيرة في صعدة، أن الاجتثاث ليس في متناول أي طرف مهما ركن لعظمة قوته، ولن يكون بمقدور أي مشروع متطرف أن يلغي الآخر، وينتصر بقوته، ويطغى بأيديولوجيته وأفكاره، ويحكم بمفرده جموحاً، وفكرة كتلك ليست سوى بذرة للدمار والخراب. 
الدولة يجب أن تحضر بحزم ومسؤولية، للجم هذا الصراع المنفلت، إذ لا ضامن لحياة الناس وحقوقهم ومستقبلهم غيرها، وقيم التعايش والمواطنة ينبغي أن تسود، لأنها وحدها كفيلة بحفظ السلم الاجتماعي، وتحقيق مصالح الجميع. 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي