حظر الدرّاجات ليس نهايةً للجريمة

سامي نعمان
الأحد ، ٠١ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٣٥ صباحاً

 

إذا حدث أن تكررت حوادث إجرامية كالاغتيالات باستخدام السيارات، كوسيلة مواصلات، وفرار بعد تنفيذ الجريمة، فهل سيكون الإجراء المنطقي المتّبع في مثل هذه الحالة هو حظر استخدام السيارات بشكل مطلق؟! 

قطعاً لا.. فإجراء كهذا ليس منطقياً البتة، ذلك أن السيارة ليست هي الأداة المباشرة لتنفيذ الجريمة، فضلاً عن أن مئات الآلاف من المواطنين يستخدمونها لأغراض متفاوتة ذات مصلحة. 

يبدو الأمر مختلفاً في حالة الدرّاجات النارية التي ازدهر استخدامها خلال العامين الأخيرين كوسيلة تضمن فراراً آمناً، بعد تنفيذ عشرات الاغتيالات التي طالت مسؤولين أمنيين وعسكريين وحكوميين وأجانب، ومواطنين، وكان آخرها اغتيال النائب عبدالكريم جدبان، وخبير أجنبي، وإصابة آخر الأسبوع الماضي في صنعاء. 

وتراكماً للمزاج العام، الشعبي والرسمي المستاء من الدراجات لاقترانها بالاغتيالات، كان جلياً أنه غدا مركّزاً بشدة نحو الهامش، وتجاهل الأصل. 

والأصل يتمثّل في السلاح كأداة مباشرة للجريمة، تحضر بعده الدراجة النارية كهامش، كوسيلة مُثلى وعامل مساعد يضمن الفرار الآمن، على أن الاغتيال يبقى متاحاً بدونها، ومن وجدت لديه نزعة القتل فلن يعدم وسيلة ينفّذ بها جريمته في ظل توفر أداته المباشرة. 

بالنسبة للسلطات الأمنية التي تعاني عجزاً بائناً ويصرّح كبار مسؤوليها أن بعض الجماعات المسلحة تمتلك من السلاح أكثر مما تمتلكه التشكيلات الأمنية، والتي تصطدم كثيراً بمراكز القوى والمشايخ الذين لا تنفذ الإجراءات عليهم، فإن الإجراء الأكثر قابلية للتطبيق سيطال الدرّاجات النارية، التي يمتهن قيادتها الكادحون غالباً.. ذلك مقدور عليه، عكس السلاح كأداة جريمة، النافذون أكثر من يمتلكها، والأكثر صدّاً لمحاولات تنظيمه. 

الإجراء الأصوب هو حظر السلاح، والاتجار به، والحد من انتشاره والتنقل به، وتنظيم حيازته وامتلاكه بشكل رسمي صارم متخفّف من وزر الاستثناءات المعطلة، باعتباره أداة تنفيذ الجريمة، قبل الوسيلة المستخدمة للتنقل والفرار بعدها. 

هذا ليس هجوماً استباقياً لأية إجراءات رسمية من شأنها تنظيم عمل وحركة الدراجات النارية، بشكل صارم في المدن والخطوط الطويلة بينها، لكن بما يوائم بين حق الناس في استخدامها كوسيلة لكسب الرزق وإعالة آلاف الأسر، ويقلّل انفلاتها المروري بما يترتّب عليه من حوادث مأساوية، ويحد أيضاً من استخدامها كأداة مساعدة تسهل تنفيذ جريمة جنائية كالقتل أو السرقة. 

بالإمكان دراسة مقترحات ممكنة بأقل قدر من الضرر، من قبيل تنظيم عملها في مناطق محددة، ومنع دخولها الشوارع الرئيسية، والأولى قبل ذلك ضبط عملية استيرادها، إذ ليس معقولاً أن تُعرض وتُباع في الشوارع في وضح النهار، دون أن يتحرك ساكن للسلطات المستأسدة على مستخدميها من الكادحين، مع أنه معلوم بالضرورة أن أغلبها دخلت البلاد بطريقة غير شرعية. 

الوضع الأمني المهترئ بحاجة إلى إعادة ترتيب كلياً، في إطار استراتيجية منهجية عميقة، تبدأ بالأساس، وهو السلاح، لا أن يتم الهرب إلى استهداف الدراجات باعتبارها الحلقة الأضعف في المنظومة المختلة - رغم أنها جزءٌ من الفوضى اليومية في حياتنا - في الوقت الذي يتجوّل المسلّحون راجلين في الأسواق، وعلى سيارات دون أرقام بشكل مستفز، مع تعظيم سلام من قبل رجال الأمن والجيش المشغولين بملاحقة الدراجات. 

العمل على الدرّاجات النارية ليس مرغوباً لدى كثير من ممتهنيه تحت حرارة الشمس والبرد القارس، لكن شحة فرص العمل، وعدم وجود بدائل تضمن دخلاً موازياً، دفع الكثيرين، وفيهم خريجو جامعات، لتحمل ذلك العناء اضطراراً. 

ما ينبغي أن يدركه العقلاء والمعنيون هو أن اتخاذ إجراء غير مدروس بحق الدراجات، في ظل غياب البدائل، أو معالجة الجزئيات الرئيسية في المشكلة - كالسلاح - لن يحلّها، إذ ستبقى أدوات الجريمة متوفرة بكثرة، ووسائلها المساعدة متاحة باسترخاء، وستكون المحصلة استمرار الجريمة، وكارثة أخرى تحل على البلاد ربما تكون تبعاتها أكبر بكثير من سابقتها القائمة بعد ترحيل عشرات الآلاف من العمال من السعودية. 

وإجمالاً فإن أيّ إجراء يعتمد في نجاحه، على ديمومته، والصرامة في تنفيذه دون استثناءات لا أن يكون ردة فعل مؤقتة على حدث أثار الرأي العام أو الاهتمام الخارجي، لينتهي بزوال الضجة المثارة حوله. 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي