عندما نُلقي نظرة على المشهد السياسي قبل ولادة هذا التكتل، نجد أنفسنا أمام لوحة قاتمة كأنها غروب شمس لا ينتهي، حيث الظلال تتطاول والضياء يتلاشى، تاركًا خلفه ظلامًا كثيفًا يثقل الروح. العملية السياسية توقفت كما لو أنها ساعة أُسقطت من برج عالٍ فتحطمت، والأحزاب والمكونات التي كانت تُعبر عن نبض الشارع تحوَّلت إلى أوراق ذابلة في مهب الريح. صوت الشعب المحبط لم يعد همسًا بل صار صرخة مكتومة تُطاردها أصداء المصالح والانقسامات. في هذا المشهد المأساوي، برزت الحاجة إلى تكتل سياسي يُعيد الألوان إلى اللوحة، يُعيد ضبط الإيقاع المفقود، ويضع نصب عينيه هدفًا واحدًا لا لبس فيه: إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة.
أهداف واقعية أم حلم بعيد المنال؟
لقد جاء التكتل بأهداف تبدو كأنها خريطة للخروج من متاهة طويلة بلا أفق. هذه الأهداف ليست شعارات تُرفع في الهواء، بل ضرورة حتمية فرضتها معاناة شعب كاد أن يغرق في بحرٍ من اليأس. التدهور الاقتصادي والخدماتي ليس مجرد عابر سبيل، بل وحش نهش أحلام البسطاء وألقى بهم في ظلال الفقر والحرمان. هذا التدهور هو نتاج اختلاف الفرقاء السياسيين في صف الشرعية، واستخدام القوة أو التلويح بها كسيف مصلت على رقاب الجميع. إذا كان هذا التكتل قادرًا على تحويل هذه الأهداف إلى واقع ملموس، فإنه لا يُعيد بناء الدولة فحسب، بل يُعيد للأمهات أحلامهن في تعليم أطفالهن، وللمزارعين أملهم في ري حقولهم بعرق جبينهم.
توحيد التوجه السياسي: سلاحٌ في زمن التغيير
لا يُخفى على أحد أن الخطاب الدولي قد تغيَّر. العالم الذي كان يتغافل عن التهديد الحوثي أصبح اليوم يُدرك حجمه الحقيقي، ليس فقط كخطر على اليمن، بل كزلزال يهدد السلم الإقليمي والدولي. في هذا التوقيت الحساس، يصبح توحيد التوجه السياسي أشبه ببوصلة تُعيد السفينة التائهة إلى وجهتها الصحيحة. التكتل أمام فرصة تاريخية لالتقاط هذه اللحظة وتحويلها إلى منصة تُعيد ترتيب الأولويات الوطنية، وتفتح نوافذ الأمل في جدران اليأس.
دعم دولي يؤكد أهمية التكتل،،،
حضور سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا افتراضيًا في حفل الإشهار لم يكن مجرد إجراء بروتوكولي، بل شهادة اعتراف بالتكتل ككيان سياسي يحمل على عاتقه طموحات الشعب. هذا الدعم الدولي يعكس إدراك العالم لحجم المعاناة التي يعيشها اليمنيون، ويمنح التكتل دفعة قوية ليكون صوت الشعب وممثله في ساحات القرار الإقليمي والدولي. الأهم الآن هو كيفية استثمار هذا الدعم في تحقيق تغييرات ملموسة تلامس حياة المواطن مباشرة.
صوت الشعب: هل يصل أخيرًا؟
لكن كل هذه الأهداف والخطط تبقى كأنها نهر بلا مجرى إذا لم يُجيد التكتل فن الإصغاء والتواصل مع المواطن البسيط. الهيكلة الداخلية واستكمال الفروع هي خطوات ضرورية، لكنها ليست كافية. التكتل بحاجة إلى أن يكون مرآة تعكس وجوه البسطاء المتعبة، آمالهم المنكسرة، وصرخاتهم الصامتة، إلى صُنَّاع القرار في الدولة والمجتمعين الإقليمي والدولي. عليه أن يكون شجرة تمتد جذورها إلى أعماق الأرض، حيث تسقي أحلام الفلاح، وتُظلُّ العامل تحت حر الشمس، وتُعيد الحياة إلى القرى والمدن التي أرهقها النزاع.
على مفترق الطرق
اليوم، يقف التكتل على مفترق طرق، حيث الفرص والتحديات تتصارع كعاصفة في قلب بحر هائج. إذا استطاع أن يلتزم برؤية واضحة وأهداف واقعية، وأن يُجيد قراءة المعطيات الداخلية والخارجية، فإنه لن يُساهم فقط في إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، بل سيُعيد تعريف معنى السياسة في اليمن: سياسة تُصاغ بأيدي الشعب ولأجل الشعب.
هل سيكون التكتل القارب الذي يُنقذ اليمن من الغرق؟ أم سيبقى حلمًا معلقًا في سماء الانتظار؟ الإجابة ليست في الكلمات، بل في الأفعال التي تبدأ من اليوم وتُكتب في صفحات الغد.
-->