تدمير البيوت والقرى وتفجيرها.. دين وعقيدة إمامية يتوارثها الخلف عن السلف (الحلة الأولى)
تفاجأ العالم واستغرب، وصدمت الإنسانية من قيام المليشيا الحوثية الإرهابية بتفجير بعض منازل سكان الحفرة من مدينة رداع على رؤوس ساكنيها، كجريمة ضد الإنسانية، بينما من يعرف تاريخهم لا يستغرب ذلك أبداً عنهم؛ فقد اتخذوا من سياسة البطش والإرهاب وتدمير البيوت على ساكنيها أداة حديدية لإرهاب الشعب وخصومهم ومنافسيهم السياسيين منذ أن ظهرت هذه المليشيا على المسرح السياسي اليمني.
لا يرف لتلك المليشيا الإرهابية جفن وهي تقوم بهذه الجرائم، وأيضاً تفخيخ جثث الأطفال بالمتفجرات؛ لأنها تعتبر عندهم عقيدة وديناً شرعياً شرعه لهم أسلافهم ابتداءً من إبراهيم الجزار وأصل له تأصيلاً عقائدياً كبيرهم الذي علمهم الإرهاب ومؤسس الإرهاب الإمامي في اليمن يحيى بن الحسين الرسي.
في هذه الدراسة نعيد أصول هذه التشريعات والأفعال من عهد إبراهيم بن موسى بن طباطبا الذي لقب بالجزار لكثرة ارتكابه المجازر بحق الشعب اليمني منذ وصوله اليمن في بدايات القرن الثالث الهجري.
فقد شهر عن الجزار هذا أنه كان أول من عمد إلى تدمير اليمن ومصالحها وبيوتها وآثارها الحميرية وسدودها، "فخرب مدينة صعدة، وهدم سد الخانق العظيم برحبان صعدة الذي أبقته معاول الهدامين الأولين، وكان عليه حظائر وبساتين تجل عن الحصر" ( قرة العيون في أخبار اليمن الميمون: صـ129).
وعلى إثر الجزار مضى الإمام الرسي عن عمد إلى تدمير البيوت والقرى والمدن اليمنية وآثارها من نجران إلى صنعاء، وبينهما مارب والجوف، فقد ذكر الهمداني في كتابه الإكليل أن قصور ومباني مارب كانت لا تزال قائمة على أصولها في عهده، مما يدل على تدمير الإمامة لها عبر توليهم حكم اليمن فترات من الزمن.
ففي قرية عفارة من بلاد وسحة من ساقين بصعدة دخلها أبو محمد عبدالله بن الحسين أخو الهادي فأحرقها (سيرة الإمام الهادي: صـ87) عن بكرة أبيها لأن رجلاً منها اسمه ابن أبي الدغيش لم يصل إلى عبدالله بن الحسين بالطاعة.
وفي قرية شوكان من نجران حط بها الإمام الهادي وهاجم أرضاً ومزارع لرجل اسمه حنيش، "فأمر الهادي إلى الحق بقطع نخله وأعنابه، فقطع له أربعمائة نخلة تنقص نخلات وكرمين، وهدم له منزلاً"( سيرة الهادي: صـ90).
وقد كانت من أعظم صور مجازر الهادي وصور بطشه وإجرامه أنه أحدث مجزرة بحق بني الحارث في بعض قرى نجران "فأمر بالقتلى فجمعت، ثم أمر بتعليقها في الشجر، فعلقت منكسة في كل شجرة جماعة مؤزرين بالخرق والشِّمال(الشِّمال: جمع شملة وهي اللباس الخشن على الجسد)، وأقام بالقرية ثلاثة أيام أو أربعة، ثم إن القرية أنتنت نتنا شديداً حتى لم يقدر أحد على أن يأكل لحماً، فأتت بنو الحارث إلى الهادي إلى الحق فقبلوا رأسه ورجليه ويديه وسألوه أن يهب لهم جيف إخوانهم، فيدفنوها في البئار والحفر، فأبى ذلك عليهم، فلم يزالوا به حتى أجابهم وذكرهم بما كان قال لهم، فطرحت الجيف في بئار خراب وحفر كانت خارجاً من القرية"( سيرة الإمام الهادي: صـ173).
وتوالت مجازر الهادي وتدمير ونهب القرى ومنازل القبائل التي لم تخضع لحكمه، حتى أتى بعسكره قرية أملح للوادعيين من صعدة "ونهبوا ما وجدوا فيها، وأقاموا أياماً يخربون المنازل والآبار، ويقطعون النخيل والأعناب، والقوم في ذلك يطلبون الأمان وهو كاره لذلك بما يعلم من شرارتهم وقلة وفائهم، وهو ينتقل في قراها ويخربها قرية قرية حتى طرحوا عليه بأنفسهم، فآمنهم ورجع إلى صعدة بعد مكابدة شديدة لهم"( المصدر السابق: صصـ251).
وهكذا مضى الهادي يدمر القرى ويخربها ويحرقها قرية قرية ويقطع زروعها وثمارها كما فعل بميناس وسوحان من نجران(المصدر نفسه: صـ291) وحصن ثلا(نفسه: صـ172) وقرية الهجر بنجران للياميين من بني عمرو(سيرة الهادي: ص130).
وفي واقعة من الوقائع أن رجلاً من نجران رفض الدخول في حكم الهادي وعارضه "فركب الهادي إلى القرية التي كان يسكنها وهي تسمى "رِجْلاء"، فطلبه وأرسل إليه، وكره فلم يجبه فهدم منزله وخرج إلى خارج البلد يطلب زرعه، فدلوه على أرض له ولأخيه وشركاء له، وفيها زرع ذرة، فأمر الهادي قوماً يقسمون الذرة فدخلوا فقسموها فلما قسموا أمر الهادي بقلع ما صار له من الزرع، فقلعه الناس، ثم سأل الهادي: هل له نخل؟ فأخبروه أن له ولشركائه نخلاً، فأمر أيضاً بقسمه فقسم، فلما عرف الهادي نصيبه أمر بقطعه فقطع، ثم قال: قد فعل رسول الله مثل ذلك حيث قطع نخل بني النضير فأنزل عليه: (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين)، وقطع نصيبه وهو نيف وعشرون نخلة، ثم انصرف فدخل القرية"( سيرة الهادي: ص130).
ويعزز هذا الأمر الإمام عبدالله بن حمزة الذي يستشهد بأفعال الإمام الهادي، في كتابه "المهذب"( المهذب في فتاوى المنصور- صـ443/ج1)، بالقول: "والهادي إلى الحق - عليه السلام - قد فعل ذلك [النهب والسلب والخراب] في نجران وعلاف، فإنه هدم المنازل، وقطع النخيل والأعناب، (وأباح الأملاك للعشائر)، وأخذ أموال المهاذر وقسمها أخماساً، وأخذ من حصن النميص أثاثاً عظيماً، وسلاحاً، ومتاعاً، وكذلك ولده الناصر، هدم مدينة بارى وهي مدينة كبيرة، ومدينة الكلائج وقطابه، وأخذ أموال قُدمْ جملة، ولم يميز مال اليتامى والأرامل، وكذلك فعل عبد الله بن الحسين - عليه السلام - مع بني الحارث، أخذ أموالهم وقسمها بين الغانمين، وخرب إبراهيم بن موسى بن جعفر - عليهم السلام - سد الخانق بصعدة وكان عليه بساتين عظيمة فخربت إلى وقتنا هذا" (يقصد أيامه هو في القرن السادس الهجري).
-->