بينما يقوم رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي بلقاءات تلفزيونية مكثفة في الفترة الأخيرة، مع قنوات عربية مختلفة، شارحاً للرأي الرسمي والعام القضية اليمنية وما تقوم به عصابات الحوثي الإرهابية من إجرام بحق الوطن والمواطن على السواء، فإنه لم يخل من انتقادات متعددة من قبل الكثيرين كُتّاباً ومتابعين وناشطين، تقبلها الرئيس العليمي بصدر رحب، مرحباً بالنقد البناء الذي يُقَوِّم المسار السياسي للمجلس ورئيسه.
لقاءات الرئيس الإعلامية المكثفة حقيقة هي موضع تقدير وإشادة، ينبغي العمل على انتشارها وعمل المزيد منها؛ كون بلادنا تمر بهذه الأزمة التي خلقتها مليشيا الإرهاب الحوثية منذ عقدين من الزمن، وهي تقوم بتدمير الوطن بما فيه لتعمل على عودة الإمامة وعصرها الظلامي البائد.
يقوم الرئيس العليمي بتوعية إعلامية كبيرة، يعري المليشيا الحوثية بشكل دقيق كخبير بها منذ نشأتها وما قبل ظهورها على السطح في اليمن، وهو ما أشار إليه في معرض حديثه لقناة "تي إي إن" المصرية متتبعاً نشأتها منذ عام 1983 من القرن الماضي، لم يسبق إليه رئيس من قبل، فقد كنا كإعلاميين وناشطين وكتاباً ضد الإرهاب الحوثي، نتمنى خطاباً من الرئيس هادي من قبل يتحدث للعالم عن الحوثية وما تقوم به، ويتساءل الناس عن عدم خروجه بخطابات في محطات ومنعطفات غاية في الخطورة والأهمية، إلا أنه لم يفعل.
اليوم نرى المقابلات الإعلامية المختلفة من الرئيس العليمي في كل المحافل الدولية والإقليمية للتعريف بالقضية اليمنية، وكأنها قضيته وحده، وهو ما يجب أن يكون حالة من الاستنفار من كل عضو انتسب للشرعية كل في موقعه ومن مكانه، وعلى رأسهم أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيس الحكومة والوزراء والسفراء كخلايا نحل لا تتوقف إعلامياً وسياسياً ضد هذا الداء العضال، لكن لم يتم من ذلك شيء سوى ما يقوم به الرئيس من هذه المقابلات الصحفية، أو من تغريدات يتيمة لهذا العضو أو ذاك في حساباتهم على منصة إكس.
في مثل الحالة اليمنية من الأزمات، في بلدان أخرى، نرى كل قياداتها مستنفرة دبلوماسياً وسياسياً وإعلامياً وحقوقياً، لتوحيد الصفوف خلفها والتعريف بقضيتها والتصدي لها ودحض الشائعات عنها، وخلق جبهة صمود قوية ضد مفتعلي أزماتها للقضاء عليها وفرض هيبة الدولة أو استعادتها إن تم الانقلاب عليها.
نتذكر أن القيادة التركية حينما تمت محاولة الانقلاب عليها عام 2016 كان الرئيس التركي ووزراؤه وسفراؤه في لقاء دائم بوسائل الإعلام لشرح مخاطر هذا الانقلاب، ومواجهة الدولة والشعب له، وكذلك فعل الرئيس الأوكراني الذي لا يترك منبراً دولياً وإعلامياً إلا واستغله للحديث عن قضية شعبه في مواجهة الحرب الروسية على بلاده.
يدرك الرئيس العليمي جيداً مخاطر الهاشمية السياسية الانقلابية، وفي أحاديثه ولقاءاته الخاصة تكون مناقشاته عميقة من رجل خبير بكواليسها يعلم كل المداخل والإشكاليات الحوثية والهاشمية السياسية بشكل عام؛ فهو في الأول والأخير كان أستاذاً جامعياً في جانب علم الاجتماع الذي يدرك خفايا وكواليس كل مكونات البلاد السياسية والاجتماعية، وكل من قابله يدرك هذه الأمور، وما حديثه عن حب ما يسمى بـ(آل البيت) جاء في سياق الرسائل السياسية لجمهور عريض داخل مصر، ولم يكن يعني بها الداخل اليمني، ووصف ذلك بالحب المتجرد، بعيداً عن المصالح السياسية والتجيير الديني لهذا المكون؛ كون الشارع المصري، وكذلك بعض النخب المصرية، متعاطفة لما يسمى بـ(الآل)، وفيها الأنشطة الصوفية الكبيرة الباعثة على حب ما يسمى (آل البيت)، وعندهم مراقد ومزارات كثيرة يجلونها ويعظمونها، مهما كانت نظرتنا نحن لها من صحتها أو عدم صحتها وعدم تعاطفنا معها أو الاكتراث لها، لاكتوائنا في اليمن بها، لكنه يفصل بين الولاء السياسي التي تتخذ من محبتهم سلماً للحكم والانقلاب، والمحبة المجردة التي لا يترتب عليها أية ولاءات سياسية ومصالح انقلابية، بحسب خطابه، وإن كان الاستشهاد بها في هذه اللحظة عليها مآخذ في نظرنا كيمنيين مكتوين بنيران هذه التبعية، والتي لا نؤمن بها مطلقاً كونها دمرت اليمن، وهي نار تتمدد لتحرق بقية المنطقة حتى وإن خبت إلى حين.
حتى لو كان هذا المأخذ على الرئيس فإنه واحد في المائة من بين تسعة وتسعين من الرسائل الإيجابية والهامة التي ركز عليها حديثه في كل المقابلات الإعلامية الماضية والتي نتحدث عنها، ولا يمكن أن يغمط هذا الحق، ويغطي الواحد في المائة على البقية.
ليس الدكتور رشاد العليمي وحده مطالباً بعدم التماهي مع فرية (آل البيت) التي صارت احتلالاً للدول الإسلامية والعربية وكابوساً عليها يتم تجييرها شيعياً؛ بل إن الواجب في المقدمة على علماء الأمة تبيين هذا المصطلح، كيف أطلق، ولماذا، ومن المقصود به، وإعادة تنقيح التراث الإسلامي وخاصة السني، وتصحيح هذه القضية من جذورها فهي ليست ديناً كما تم التلبيس بها على الناس، وليست ديناً بل تعصباً سلالياً لأهداف سياسية في الحكم والسيطرة والاستعباد، وقد تفجرت ألغاماً اليوم بكل الشعوب العربية والإسلامية؛ تم استعباد المسلمين وتدمير بلدانهم بها من قبل متسلقين عليها وصارت على رأس التمييز العنصري والعرقي التي تفتك بالشعوب وتستعبدها، وإذا لم يتم الالتفات إليها وتصحيحها فإنها قنبلة دمار شامل على الأمة، وصارت تنخر الدين. ومن بعد علماء الأمة يجب الالتزام بها من قبل السياسيين وكافة النخب في العالم الإسلامي.
يتحرك الرئيس رشاد العليمي في حقول من الألغام، وموارد العواصف العاتية، وبالتالي عليه أن يكون حذراً في هذا الكم الهائل من العواصف والألغام؛ خاصة وهو يسير بحسب برنامج المجلس الذي أنشئ من أجله وهو العمل من أجل إحلال السلام في البلاد.
من يراجع سير كثير من السياسيين والقادة اليوم، وكذلك سيرة الرئيس العليمي، فإن الدكتور رشاد العليمي من القلائل بين كل المسؤولين صفحته بيضاء نقية من ناحية التعامل مع الحوثية منذ زمن بعيد لم يهادن ولم يقدم تنازلات لها ولم يجاريها كما فعل البعض، وموقفه كان واضحاً وصريحاً منها منذ البداية، حتى والجميع يوقع على اتفاق السلم والشراكة المشؤوم في صنعاء كان الرئيس العليمي بعيداً عنه ولم تتلوث يده بمصافحة الحوثي.
حينما كان الرئيس العليمي وزيراً للداخلية عام 2002، كان يقدم دراسة مفصلة للقيادة السياسية حينها وتقريراً مفصلاً عن نشأة وتمدد مليشيا الحوثي وخطرها على اليمن والجمهورية؛ أي قبل بداية الحرب الأولى بعامين، عارفاً بخفايا هذه المليشيا نشأة وتطوراً وأهدافاً وغايات وارتباطاً بإيران، فكان ممن واجهها بشكل مبكر، موَعّياً بخطورتها على اليمن والنظام الجمهوري.
في لقاء خاص بالدكتور العليمي، قبل أن يتولى رئاسة المجلس، أخبرني عن تلقيه ذات مرة، بعد الحرب الأولى في صعدة عام 2004، دعوة رسمية من طهران لزيارتها، وأنه رفض حينها زيارة طهران حتى لا تتلوث يده بيد الإرهاب الإيراني الذي يقتل اليمنيين ويدعم الإرهاب الحوثي ويدعم الإرهاب بالمنطقة.
الدكتور رشاد العليمي هو رئيس لكل اليمنيين، وليس لفئة بعينها، وخطابه لابد يكون جامعاً للجميع خاصة في هذا التوقيت، مع أنه لم يقصر في تعرية المليشيا الحوثية ويسمي كل أفعالها بمسمياتها دون مراوغة، فهو إلى جانب عمله السياسي والقيادي في البلاد أيضاً فإنه جبهة إعلامية بحد ذاته؛ كونه مسموع الخطاب ومتابَعاً من شرائح واسعة في العالم العربي رسمياً ونخبوياً وشعبياً.
هناك كثر انتقدوا مقابلات الرئيس في وسائل إعلامية عربية دون إجراء تلك المقابلات مع قنوات محلية وخاصة الرسمية التي تدعمها الشرعية وقنوات الدولة، وهذا حقيقة، لكن يبدو أن حديثه للقنوات العربية بسبب انتشارها الواسع ومخاطبتها أكثر فئات العالم العربي، وجماهير قنواتنا محدودة، ولكنها تغطي كل تحركاته وتحركات أعضاء المجلس والحكومة وتكون رسائل الجميع قد سمعت ووصلت محلياً.
-->