قال لي صاحبي : صاحب متسوّلاً ولا تصاحب مسؤولا!

د. علي العسلي
الخميس ، ١٤ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٧ صباحاً

 

ما جاء بالعنوان نتيجة نقاش طويل مع صاحب لي، التقيته مؤخراً بعد فراق، بعمر الحرب العبثية في يمننا الحبيب.. ولا أدري إن كان طرحه هذا، بحسن نية أم مقصودة.. ودعوني اشارككم القصة لتحكموا انتم على الحوار الذي دار بيننا.. 

 صاحبي عاتبني كثيراً، واعتذرت له عن تقصيري، وقبل اعتذاري،وهو اعتذر ايضاً وقبلت اعتذاره.. 

سألنا بعضنا عن احوالنا، وازلنا ما علق من التباس نتيجة للفراق، وما حشوه في أسماعنا اصحاب الوقيعة والنفاق ..

 

فكان يحفظه الله جازماً أن لي منصباً لدى الشرعية، باعتباري غادرت العاصمة صنعاء بحثاً عن رواتب الزملاء بجامعة صنعاء، من لدن الشرعية، في الوقت الذي كان ذكر الراتب، مجرد ذكره جريمة عند الحوثيين، وما جرى من فصل تعسفي لي من قيادة الجامعة الحوثية، ولعلمه وادراكه والسامعين من أنني من اشد المدافعين عن الشرعية، ولهذا يعتقد أنني نسيته وغيره من التفقد، ويُرجع النسيان، إلى انشغالي بنفسي دون غيري كما يسلك الكثيرون.. 

 

ولمّا نفيت له حصولي على أي منصب، استغرب واندهش! كيف لا أكون في السلطة الشرعية وهم زملائي الدكاترة!؛

ثم شكى لي حياة الناس في اليمن.. فالكل بفعل الانقلاب وتداعياته بحاجة للمساعدة.

واستطرد .. احياناً الناس تمرّ عليها ظروف محرجة ، عند وجود مناسبات كالموت أو الفرح أو المرض، مناسبات تأتي في أوقات كثيرة والجيب فاضي، والدنيا حِراف.. قلت له فكيف تتصرف انت إذاً في هكذا وضع؟ 

 

فأجاب؛ أنت تعلم ان الوضع الاقتصادي سيء، والمعيشة مزرية، والرواتب مقطوعة؛ ومع ذلك لن تصدق لو قلت لك! 

 

كيف نتصرف؟

 

 شخصياً الجأ الى المتسولين!!؛ 

 

قلت له.. المتسولون؟! تريد أن تنكت صح!؛ قال لا، لا،

هذا الذي حصل معي أكثر من مرّة .. أخرج لأي جولة وأهمس سِراً، بظرفي، للطارف من المتسولين.. أقول له بصريح العبارة بأنني لا أملك حق المواصلات، واريد أن أذهب إلى صالة عزاء ،أو عرس، أو أزور مريض ، أو من أجل المشاركة في جنازة.. واطلب منه ان يسلفني حق المواصلات (حق الدباب) ، فيلبي في الحال، واذا باغته ولم يكن قد فتح الله عليه، يذهب لزملائه ويتسلف هو منهم، ثم يأتي ليعطيني إياها وفوقها بالمرّة أستلف حق القات!؛ 

 

هؤلاء هم الاصدقاء، الذين تجدهم في أي وقت ويقضون حاجتك دون مَنّْ، ولا يطلبون أن تعمل لهم استلام، وحتى ما يسألونك عن اسمك.. "ثقات" و"يثقون"!؛ 

 

وانت حدثني عن اصدقائك.. انت صديقي، وقد حدثتني عن نفسك. لا يا صديقي، اقصد اصدقائك المسؤولين.. ورغد العيش والمخمخة أكيد ترفع جوالك وتقضى حاجتك ؟ 

 

مهلا يا صديقي ليتك لم تسأل.. تفتكر ان صحوبتنا قد وصلت لرفع الجوال والاتصال وقضاء الحاجة..لا، انت غلطان، فهي لا تتجاوز الواتس وبعض اللقاءات.. ثم دعني أعلق.. حديثك عن المتسولين أجاب عن كثير من التساؤلات التي كانت تدور في ذهني، الآن عرفت لماذا في اليمن يزداد عدد الشحاتين بمتوالية هندسية؟؛ وان الشحاتة صارت وظيفة مهمة على حساب الوظيفة العامة واساتذة الجامعات، وعائدها يفيض للسلف..سبحان الله..

 

 وبالنسبة لأصدقائي في السلطة الشرعية من المسؤولين، فلا وقت لديهم للاتصال، او تلبية الحاجات الفردية، فهم منهمكين في قضايا الشعب، ولا وقت عندهم حتى للقاء بمن يؤيدهم، وإن وعدوك فقد لا يحصل اللقاء، ولا يعتذرون لرضحك مدة أطول في الانتظار.. هكذا هي الديولة، يا صاحبي..! 

 

انا فعلاً التمس لهم العذر، بسبب البيروقراطية واهتمامهم أكثر بالجوانب البرتوكولية والرسمية، والعتب على موظفيهم ومراسيمهم! 

 

قال، إذاً والله ان اصدقائي خير من اصدقائك.. اجدهم مباشرة بالشارع، ويقضوا لي حاجتي ويخارجونني من أي إحراج ! 

 

" فاصحب متسوّلاً ولا تصحب مسؤولا "

 

لا يا صديقي،الآن عرفت أن نصيحتك كان مقصود منها الاساءة للمسؤولين.

فمن قال لك ان واحد يسلفك كم فلس، بغض النظر عن مهنته، هو الأفضل والأخير في المصاحبة من المسؤول؟!

 

يا صاحبي المسؤول،يحمل هم بلد بحالها، ألا تعلم ان مصاحبتهم قد يستفاد منها في اطلاعهم على احوال الناس من كتاباتنا، وانارتهم بما هو أفضل لليمن واليمنيين، وقد يسمعون ما نكتب وما ننصح، ووصول صوتنا إليهم وسماعه مهم، إذ قد يؤخذ منه ما يفيد اليمن كل اليمن، وليس حالات فردية مؤقتة، كحالك..

اسمح لي ألا أوفقك ما ذهبت إليه يا صاحبي؟! 

 

والخلاصة أن حكاية اليمنيين حكاية لا صامد وصابر مرتاح، ولا نازح مستوعب ومرتاح، الحوثي جعجع الجميع!؛ 

 

 وللآسف وصول الناس الذين كانوا مستورين الحال للتسلف من المتسولين، تحتاج إلى التفاتة من قبل مسؤولينا، فهي جرس انذار مخيف عن احوال اليمنيين وما قد تحملوه من معاناة.. 

فالوضع بئيس.. وقد عرّ الجميع، وأهان من كان مستور الحال، ومن كان مكتفي وعزيز صار يتعرص لمواقف يشيب من هوله الولدان.. 

 وهي رسالة ايضاً، تحفز مسؤولينا بالتواضع واللقاء المباشر مع الناس والسماع منهم ومعالجة مشاكلهم وحاجاتهم قدر المستطاع، فمطلوب دائماً تحسين التعامل مع الناس!

 

وأختم.. وأقول، اننا جميعا في اليمن متعطشين لدولة ونظام وقانون ومسؤول يقدر المخلصين بغض النظر عن الصحوبية ؟! 

 

وشهر مبارك وكل عام والجميع بخير.. 

أللهم لا تسوء بي صديقاً، ولا تشمت بي عدواً، ولا تجعل حاجتنا إلا إليك..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي