لماذا يسع المؤمن أن يكون بخيلا؟ وأن يكون جبانا او حتى احمقا وجلفا ولكن لايسعه أن يكون كذابا ولاخائنا ولا غدارا؟
الجواب :لأن الحالة الاولى تتصل بالاخلاق والسجايا المندوحة التي يحمد صاحبها ويكرم بها ويتفاضل الناس فيها بينهم، ولكنها ليست ملزمة شرعا ولا عرفا ولاقانونا لعدم اتصالها بالحقوق العامة او الخاصة اتصالا مباشرا، وبالتالي يسع المرء تركها أحيانا وربما حسن له ذلك في بعض المواقف دون أن يعيبه الامر، كما قد يعيبه نقصها والتحلي بضدها ولكن دون أن يحاسب ويعاقب على ذلك طالما ليس فيها انتهاكا لحق خاص أو حق عام.
بينما الحالة الأخرى تمثل اخلالا بالقيم والأخلاق اللازمة الملزمة التي تتصل اتصالا وثيقا بالحقوق والواجبات العامة والخاصة، وبالتالي فإنه لايسع أحد تركها او الانتقاص منها، او التحلى باضدادها او حتى المزج بينهما، فإن فعل شيء من ذلك لحقه الاثم، ولزمه العار والمذمة واستحق التأديب والعقاب، لان في ذلك انتهاكا مباشرا لحقوق الأفراد والمجتمع وضررا حتميا يلحق بهما بأي صورة من الصور..
من ناحية فلسفية يمكن القول أن الفرق بين الصنفين كالفرق بين الآلة والإنسان أو بين اجهزتنا الذكية واجسادنا.
فالسجايا والخلال الحميدة التنافسبة ومنها (الحلم، الصبر، الشجاعة، الكرم، الحكمة، الأناءة، التواضع، السماحة، النبل، المعروف، التعاطف، الإنسانية، الرحمة، الرفق، الصفح، العفو، الشغف، العزم، الحزم، الهمة الطموح المثابرة، وأشباهها). أشبه ما تكون بأجهزتنا الالكترونية و هواتفنا الذكية يجهدها كثرة الشحن المتكرر، بل ربما كان علينا السماح لها بتفريغ طاقتها بين الفئنة والأخرى، حتى تنطفيء تماما، قبل أن نعيد شحنها وتشغيلها مرة أخرى، وذلك لنحافظ على عمرها الافتراضي مدى أطول، ونعزز من القدرة التحملية لمخازن الطاقة فيها.
بينما الأخلاق المبدئية والقيم الثابتة وفي مقدمتها (الصدق، الأمانة، الوفاء، المروءة، العفة، العدل، صلة الرحم، بر الوالدين، حسن الجوار، حفظ اللسان، كف الأذى .. وما يلتحق بها)، فهي كائنات حية أشبه بأجسادنا وطاقتها الحيوية التي تعيش عليها و لاغنى عنها للحظة، لتستمر اعضاؤنا بالعمل، ونبقى على قيد الحياة، حتى في أكثر حالاتنا همودا، ومتى توقفت كليا انتهى كل شيء دون رجعة، وبالتالي كان علينا شحنها وتعهدها طوال الوقت بالهواء والماء والغذاء والحركة والنوم لتبقى في وضع التشغيل المستمر دون توقف أو انقطاع، ولو في حدها الأدنى.
-->