ثقافة اللايكات .. وهوس السوشال ميديا

عمار البذيجي
الاربعاء ، ٠٥ ابريل ٢٠٢٣ الساعة ٠١:٤٦ صباحاً

 

جذبني شاب بقلمه وأسلوبه وإبداعه ولغته فأثنيت عليه وعلى ما يكتب، لكنه رد علي بلهجة ساخطة محبطة عن انسداد الأفق في وجهه، وضعف تفاعل الناس مع ما يكتب، معتبرا أن ذلك دليلا على ركاكة ما يكتب وسطحية ما يقدمه من محتوى، وهامشية ما يتناوله من قضايا. 

فابتسمت له وأجبته قائلا هون عليك يا صديقي، فأنت كمن يقيم الحوهر بميزان البقال. 

صحيح أن كل شخص أو مؤلف أو مبدع يكتب أو ينشر أو يطبع، يأمل ويتطلع دون شك لأن يقرأه الناس ويسمع ويشاهد ما يقدمه من محتوى، ويستأنس بتفاعل الجمهور معه، ويجد ذاته في ثنائهم، وهذا أمر طبيعي وجزء من فطرة واحتياجات الإنسان للتقدير المجتمعي والشعور بالتميز، أيا كانت نيته وغرضه من الكتابة والنشر.

 لكن من قال لك أن الهدف أو الغاية من الكتابة والنشر والإبداع والتأليف؟ هو التفاعل والانتشار والحضور والشعور بالذات والتقدير المجتمعي وحسب! أو أن تفاعل الجمهور وثناءهم هو المعيار الوحيد والمقياس المطلق لتقييم جودة وأهمية ما يكتب وينشر؟ 

ألا ترى هذا الكم الهائل من الآثار والنقوش والمخطوطات والكتب العظيمة التي خلفها لنا الأولون في شتى مجالات العلوم والمعرفة والفنون، والتي نحتفي بها ونتعامل معها كثروة وكنوز عظيمة، ندرسها في الجامعات، ونعتمدها كمراجع للبحث والنقاش ومحسم بها خلافاتنا الفكرية، ونعيش على خيرها وستقي من معينها العذب اليوم.

 أليست المخطوطة منها هي أغلى وأهم وأكثر فعلا وتأثيرا في حياتنا وعلومنا مما يكتبه المعاصرون؟ أوليس أصحابها ومؤلفوها أعظم شأنا وأجل قدرا في أعيننا من أمثالهم وأقرانهم المعاصرين في مجالاتهم؟ 

لقد كتب وألف أولئك الرواد، ونحتوا ورسموا، ودونوا أفكارهم ومشاعرهم وأراءهم، ووثقوا لما لديهم من علوم ومعارف على الجلود والمعادن والأحجار والورق والألواح في زمن لم يكن فيه مطابع، ولادور نشر، ولا صحف، ولا وأي من وسائل الإتصال والنشر المعرفي الموجودة لدينا اليوم، وفي مجتمعات لا يتجاوز سكانها بضعة آلاف، منهم ٩٩% أميون لا يقرأون ولا يعلمون قيمة وأهمية ما يكتب ويسطر، وإن قرأوه وشاهدوه لا يدركون معناه ولا رسالته.

 فهل ضرهم ذلك شيئا؟ العكس هو الصحيح! فقد حفظ الزمان ما خطوه وسطروه لقرون طويلة ليقرأهم من خلالها الملايين حول العالم، ولتحتفي بهم البشرية، ولو أنهم نظروا للأمر من زاويتك هذه لما كتبوا ولا ألفوا ولا حدث هذا التطور المعرفي المتراكم في حياة البشرية. 

لذلك ياصديقي، ثق بنفسك وبما تكتب وأخلص نيتك لله، وأكتب وألف وأبدع وأنشر لتعبر عن ذاتك أولا، ولتنمي وتطور من قدراتك وامكانياتك، ولتوثق ما تحمله من علم ومعرفة وفكر ورؤى وتصورات، دون إعتبار لموضوع النشر والجمهور، ثم انشر وشارك ما لديك كصاحب رسالة ورائد تنوير، وحامل فكر، لا كبائع تحف وهدايا، ولتبني نفسك وتصحح مسارك وتقوم مسيرتك وتثري فكرك وتطور امكانياتك من خلال الجمهور ونقاشاته وملاحظاته. 

ولا يغرنك ما تراه في وسائل التواصل الإجتماعي من اهتمام متصنع بالتفاعل والإعجاب والثناء، ولا يكن قدوتك ونموذجك في الأمر البعض من مشاهير التواصل الاجتماعي وأصحاب الحسابات النشطة الذين اعتاد بعضهم "وبأسلوب مقزز" التسول المحموم للقراء والمتابعين مع كل محتوى وبوست ومقطع ينشروته، فإنما غايتهم ومنتهى أمالهم هو الكسب والإثراء ورفع العوائد المادية التي يجنونها من تفاعل الجمهور مع صفحاتهم فقط ولا هدف لهم غيره.

نعم لا مانع من أن تطمح وتسعى لامتلاك قاعدة جماهيرية عريضة، ولاضير في أن تحرص على أن يكون لك حضور وانتشار وتأثير واسع تبلغ معه رسالتك وأفكارك أكبر قدر ممكن من الناس، كما أنه ليس من المعيب ولا المحظور أن تصل لمرحلة يمكنك معها جني عوائد مادية، والحصول على امتيازات معنوية، التي تأتي من تلقاء نفسها كعاجل بشرى المؤمن، ولكن متى ما صحت نيتك، وصدقت رسالتك، ولم تكن هي غايتك وهمك وقصدك. 

وأخيرا إياك ثم إياك أن تجعل من ثقافة اللايكات، وأسواق السوشال ميديا ونهج تجار المحتوى مقياسا مطلقا لتقييم قيمتك وقياس أثرك، ولا شاهدا على جودة ما تنشره او رداءته، ولا حكما قضائيا باتا بصحة رسالتك من عدمها.

والسلام عليك حين تكتب، وحين تنشر،  وحين تقرأ.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي