الإعاقة كأداة للاستخلاف الإنساني

عمار البذيجي
الاثنين ، ٢٧ فبراير ٢٠٢٣ الساعة ٠٣:٣٦ مساءً

اعتدنا في مجتمعاتنا أن نسخر وننتقص بقصد أو بدون قصد، أو حتى نتشاءم من ذوي الإحتياجات الخاصة، ومن لديهم شيء من الإعاقة الإدراكية أوالحركية أو التواصلية، بينما نحن معاقون مثلهم تماما. 

نعم، فأنا وأنت وهي وهو معاق على الحقيقة وليس المجاز، لكننا لا نكتشف ذلك إلا بعد فوات الأوان، فعند لحظة الإحتضار يكشف لأحدنا غطاء بصره فيكتشف أنه كان معاق بصريا، وحين يهال عليه التراب وينصرف الناس عنه يرفع غطاء سمعه فيسمع قرع نعالهم ويكتشف حينها أنه كان معاقا سمعيا، أما الاعاقة الحركية فشواهدها أكثر من أن تحصى وهي لازمة ومنظورة لنا في الدنيا منذ الولادة إلى الموت. 

ربما تسأل، ماذا عن كل هذه الحضارات والتطور والبناء والتكنولوجيا والعلم؟ الذي صنعه الإنسان وشاده على ظهر الأرض، ولو كان معاقا عاجزا لما غزا الفضاء، وانتصر على الكثير من قوانين الطبيعة وطوعها في صالحه.  والجواب هو أن الإعاقة رافعة حضارية وليست مانعة عنها، فقصور الإدراك ومحدودية القدرة عن الحركة والتواصل لدى الإنسان بالفطرة، أو بالإعاقة الإضافية، هو التحدي المنشيء للحضارات والحافز على البناء والنجاح والعطاء، بدليل أن الذين لديهم مستويات إعاقة أعلى من الحد الطبيعي للإنسان أو من نصفهم بالإعاقة أو نسميهم ذوي احتياجات الخاصة يتفوقون غالبا على أقرانهم من الأصحاء بمفهومنا، ويحققون إنجازات تشبه المعجزات ليس مقارنة بطبيعة ومستوى إعاقتهم بل مقارنة بالمعدل الطبيعي الذي يمكن أن يحققه الأشخاص العاديون وحتى المتفوقين منهم.  أما كيف يحدث ذلك؟ فلأن الإعاقة الفطرية اللازمة للإنسان هي أداة الإستخلاف الانساني على الأرض، لأنها تضع البشرية على المستوى الجمعي والفردي تحت ضغط الشعور المتزايد بالعجز ومحدودية قدرة الإنسان أمام قوانين الطبيعة، وسنن الكون من جهة، وأمام تهديدات أخيه الإنسان وقوانين التدافع من جهة أخرى، وبالتالي يتولد لدى الإنسان الدافع المستمر، ليصنع ويبدع، ويفكر ويقدر ويدبر، ويبحث ويتأمل، ويخترع ويطور من الأدوات والتقنيات والتكنولوجيا ما يعينه على قهر إعاقته الإدراكية المتصلة بالسمع والبصر والتفكير، والإعاقة الحركية المتصلة بالعمل والسعي والتنقل، والإعاقة التواصلية كالنطق واللغة والبيان والتعبير والإبلاغ. 

من هذا المنطلق يمكن القول أن هذه المعادلة الحياتية التي يقوم عليها الاستخلاف الإنساني في الأرض وما تثيره من تحديات ودوافع نفسية وذهنية لدى الإنسان وتدفعه لقهر إعاقته الفطرية بالفكر والبحث والعلم والآلة والتقنية، تكون أكثر وضوحا وأقوى دافعا لدى من لديهم إعاقة إضافية ناشئة، ويبدأ شعورهم وشعور أهاليهم بها مبكرا، ومن هنا تبدأ رحلة الكفاح ومعركة النجاح لديهم، وتتشكل منذ نعومة أظفارهم قصصهم الملهمة في قهر الإعاقة وتجاوزها بالتدريب والممارسة والبحث عن أدوات وأساليب غير معهودة، كما يتجهون غالبا ويتمرنون كثيرا على تنمية مهاراتهم الذهنية والتخيلية والإبداعية والفنية، ويتسلحون بالعلم والمعرفة والمطالعة والتأليف والإبداع، وبالتالي يقدمون تجارب ملهمة تتجاوز الإنجاز إلى الإعجاز. 

ومع ذلك، وبرغم هذا الكبد والتحدي الذي جعله الله دافعا لعمارة الأرض، لانزال إلا القليل منا نتعامل مع عجزنا واعاقتنا الفطرية، أو الناشئة، بعقلية العاجز، ونحتج بقاعدة "لايكلف الله نفسا إلا وسعها"، دون بذل جهد، أو المبادرة للفعل، أو الإصرار على النجاح، وإنما فقط لنبرر عجزنا وسلبيتنا وانهزاميتنا، ونبحث عن عذر شرعي ينفي عنا المسئولية ويشرعن للاتكالية والتسول، مع أن الله سبحانه وبحمده ما أخذ شيئا من أحد، إلا وأعطاه في مقابلته ما يفوقه، ويمكنه من جبر عجزه وضعفه، واكمال نقصه، وجعل قوة وقدرة الإنسان في قواه العقلية والنفسية والروحية، أكثر من قواه وحواسه البدنية

الحجر الصحفي في زمن الحوثي