إحياء التناقض الظاهري بين الإيمان والعلم!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الأحد ، ٢٧ أغسطس ٢٠٢٣ الساعة ٠٣:٢٦ مساءً

 

قناعتي ترتكز انه يمكنك هدم اي المنزل حتى الأساسات حجرة حجرة، لكنك في النهاية لن تجد المهندس المعماري لذلك المنزل بين ذلك الركام، لان قناعة الشخص المغلفة بقناعة مسبقة اعتمدت على اسلوب هدم وفوضى يصعب تغيرها، وهذا اسلوب منتشر بيننا كعرب مع الاسف، لانه ناخذ الامر كمعارك، وحتى وجود الله او عدم وجوده. فالعقل هنا، لايقول علينا ان ننطلق من هدم المنزل لنبحث عن المهندس بين اكوام الحجار، وانما ننطلق من منهج نقاش تأملي معرفي موجه نحو الهدف.

وهنا يقول العقل التأملي نبدأ في نقاشنا بالتجربة النوعية والطبيعة الخاصة لعالمنا الحسي من خلالها نعرف هل الله موجود او لا وهذا هو الهدف، ثم بعد ذلك نصعد من التفكير خطوة خطوة وفق قوانين السببية إلى السبب الأسمى خارج العالم الذي نعرفه، أو ممكن نتبنى منهج  تجريبي مثل اكتساب المعرفة حول شيء، وهو قيد التحقيق بناء على الخبرة لانه لايوجد غيرها، او نستخلص من التجارب والبيانات والمفاهيم العلمية مثلا خوارزميات لتركيب تصميم ذكي يمكن نفسر به ماذا حدث، مثل علماء الحفريات فهم ينطلقون من قطعة قطعة لبناء تصور شامل، اي بنفس السياق لوجود سبب اسمى او شيء اسمى اسمه الله او لا، وهكذا يناقش منهج الوجود  بكل الطرق. 

لكن الغالب فينا كعرب ننظر للامر، هدرة وصراع ومكارحة وتعصب وتخندق برغم ان المعلومات اليوم امامنا ولا نحتاج معلم أو منظر اليوم وحتى في الامور الدينية، وايضا هناك مفهوم رباني يمكن نستند عليه في كل طرح "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، بمعنى الامر طرق ومسارات واختيار. لكن التشاركية في أي نقاش اهميتها نتعلم،  واقلها يكون معنا اساس لنقاش فكرة، دون اضاعة الوقت دون توسع الافق. 

 ولذا سوف ابدأ من طرح الفكر الفلسفي الغربي، لان البعرة تدل على البعير لايريد احد ان يسمعها او احتمال طفشنا منها منذ المدرسة، برغم أنها من حيث فكرة البرهان لي لاتختلف كثير عن برهان اي منهج فلسفي غربي أيضا في عصر التنوير. فإيمانويل كانط في عمله "نقد العقل الخالص" قسم البراهين عن وجود الله إلى ثلاثة أنواع أساسية منهجية. فنظر اليها انها ادلة وجودية مثلا، وادلة كونية، وادلة الغائية. ومن خلال كانط وضمن مصطلحات الدليل "الوجودي" و"الكوني" و"الفيزيولوجي اللاهوتي" اجده قد وصف بشكل مناسب جميع الأدلة الممكنة على وجود الله للعقل التأملي أو النظري والتي لازال النهج الغربي يستند عليها. وهنا صار امامنا ايضا منهج فيزيائي لاثبات وجود الله او نفيه، ومنهج كوني لاثبات وجود الله او نفيه، ومنهج وجودي فلسفي لاثبات وجود الله. 

ولنبدأ من البرهان الفيزيولوجي بشكل عام حيث يستخلص استنتاجات من الطبيعة الخاصة لعالم الخبرة، ومنه إلى السبب النهائي الذي يفسر هذه الطبيعة، والذي يجب أن يقع خارج مفهوم الكون. لكن هنا يبرز شكلان لهذه الحجج اقلها لي. فمن الناحية اجد الفيلسوف توماس الاكويني في كتاب مجموعة اللاهوت يدور فهمه حول النظرية السببية، حتى وجد خمس طرق كبراهين لوجود الله تحت المفهوم الكوني، والتي لازالت الى يومنا هذا  تدور، اولا حول كل شيء عنده سبب، وانه لايوجد سبب في الكون حصل من حد ذاته، واخيرا اي سلسلة من الاسباب لايمكن ان تكون لا نهائية. ومن هنا يكن من البديهي في الفكر الفلسفي لتوماس انه هناك سبب اول احدث الوجود الذي نحن فيه، وبما ان هناك من تسبب بذلك، فذلك يصل اي شخص منا الى الاستنتاج، ان هناك خالق هو الله لايوجد تفسير اخر، وهذا كلامه هنا بمعنى المنتج الفلسفي له لا ينفي وجود الله هنا. 

وفي كتاب الفيلسوف والعالم جودفيريد ليبنز حول بداية الاشياء، يتحدث عن النظرية الاحتمالية او الطوارئ هنا، والتي تستند على ان كل حقيقة محتملة لديها سبب كاف لوجودها، وإن وجود العالم هو في حد ذاته حقيقة مشروطة، ويصل باستنتاجه هنا حسب نظريته انه هناك سبب، والسبب لا يمكن أن يكون جزء من العالم الذي امامنا، اي الذي حدث فيه كل ذلك الضجيج، ونقول سبب خارج الافق، لتسيهيل الفهم لتصورنا البدائي كبشر، وينتهي بطرحه ان هناك خالق وهو الله. والفرق هنا بين المنهجين ان الاول بناء طرحه على وجود سبب اول، وهو الله، وانطلق الاخر من نظرية الطوارئ ان هناك سبب كافي لوجود شيء خارج الكون. وهذا السبب هو الله. 

ولو نظرنا بعيدا عن النظريات الفلسفية السابقة والمهمة في نقاش الفكر في الغرب وفي هياكل التعليم المدرسي هنا واستنتاجات فلاسفة وعلماء عصر التنوير، فيمكن ان يتوافق الكل ان كل شيء في الكون هادف ومصمم بشكل محكم، اقلها للنظام والجمال والتطبيق العملي. وهنا كلمة مصمم هنا لها وجوه عدة اقلها تفتح ابواب عدة، بمعنى من صمم ذلك وهل هناك مصمم مثلا، هذا يجعلني انظر الى اشياء متداخلة في كل حلقة اطرحها هنا انها تشبه حقول اللغام، سوف اتعرض لها وافكفكها واحدة واحدة كما افهمها اقلها لكن ليس شرط تعجب البعض منكم.

ففي الفيزيائية العلمية الحديثة والتي صدعوا دماغي باغتصابها كمصطلحات لكن لاننظر للمهم فيها، تتم الإشارة في كل الابحاث الى الضبط الدقيق للكون. الضبط الدقيق في كل صغيرة وكبيرة، والذي بموجب ذلك يمكن القول أن كل المتغيرات الأساسية لواقعنا المادي، والتي تحدث وفقا لنظريات الفيزيائية الحالية مستقلة عن بعضها البعض. لكن في نفس الوقت هنا ترابط غريب، وهناك علاقة مع بعضها البعض باسلوب النفعية بطريقة حساسة للغاية في الطرف الاخر، بحيث جعلت الهياكل او الانظمة وأشكال الحياة المعقدة في الكون ممكنة ولايمكن نفسر ذلك انه يعود لمنهج الصدفة، وكأنه اقلها تتبع منهج علمي جديد، كثير من العلماء يطلقون على ذلك منهج التصميم الذكي، والذي يبدأ من الخلية الى الحياة حولنا، الى الكون. وهنا يظهر لي اشكاليتين لايمكن للصدفة ان تصنعهما، وهما الضبط الدقيق للكون، والاستقلالية الكاملة للمتغيرات الأساسية لواقعنا المادي. واعطي هنا امثلة لنفهم القصد من ذلك. 

اذا نحن امام ظواهر امامنا في العلم نسميها "الضبط الدقيق للثوابت الطبيعية مثلا" والتي لو جمعناها مثل علماء الحفريات سوف تظهر ان هناك تصميم ذكي امامنا، وليس صدفة. هذا الضبط الدقيق اقلها بدأ لنا مع الانفجار الكبير نفسه قبل ١٣ مليار و ٨٠٠ مليون سنة، ولا جدال فيها علميا حيث يصفها ستيفن هوكينج من أبرز علماء الفيزياء النظرية وعلم الكون على ان قوانين الطبيعة تحتوي على ارقام اساسية، مثل حجم الشحنة الكهربائية على الالكترون ونسبة كتلة البروتون والالكترون ولا يمكننا استخلاص قيمة هذه الارقام من النظرية. واللافت هو أن قيم هذه الأرقام تبدو مضبوطة بدقة شديدة لتمكين تطور الحياة. فإذا انحرفت الشحنة الكهربائية الموجودة على الالكترون قليلا عن قيمتها الفعلية، فلن تكون النجوم قادرة على حرق الهيدروجين والهيليوم وهذا مثال بسيط. وايضا مثال اخر وجود مستوى طاقة خاص في النواة الذرية للكربون ١٢ ضروريا لمدى ومعدل التخليق النووي للكربون، ومن ثم العناصر الاثقل في النجوم وبالتالي لنشوء حياة قائمة على الكربون في الكون، والابعاد وعددها وكيف تكون الذرات ومدارات الكواكب غير مستقرة. ويمكن توضيح ذلك ايضا باستخدام مثال الجاذبية، التي تحدد الحياة في الكون ايضا، ونسبة الاكسجين، وعوامل الحياة في الارض ويمكن القول كل الحياة، وهناك امثلة لاتعد عن الضبط الدقيق حولنا. 

ويعد الضبط الدقيق للقوانين الفيزيائية والكيميائية التي تمكن الحياة المعقدة مثالا على قيم "معلومات محددة معقدة" للغاية في الطبيعة. فقوانين الكون معقدة لانها غير محتملة الى حد كبير. فمثلا حسب علماء الكونيات ان احتمالات وجود كون صالح للعيش بشكل عشوائي أقل من ١ الى ١٠  مرفوع ١٢٣ بمعنى ١٢٣ صفرا  كما فهمتها.  وهنا تكون قوانين الكون محددة من خلال التوافق مع النطاق الضيق من المعلمات المطلوبة لوجود الحياة. ويشير ارتفاع محددات الضبط الدقيق، اي المعلومات المحددة والمعقدة هنا الى وجود التصميم الذكي.

وهنا طرح العلماء بشكل عام عدة فرضيات مثل هل الضبط الدقيق يحتاج الى تفسير ام يمكن القول بأن الضبط الدقيق للمعاملات الكونية يمكن ان يكون مسألة صدفة، برغم أن كلمة صدفة أيضا مصطلح غير علمي ومضحك. واجد علميا هنا غير لائق للتحدث دائما عن الصدفة كتفسير لاي شيء لانفهمه، لان تلك الكلمة لي لا تفسر شيئا، وبالذات لكمية الصدف الهائلة في مسئلة الضبط الدقيق. ولذا سيكون مضحك وغير مقنع أن نتذرع دائما بالصدفة باسم العلم، لنرفض فكرة وجود الاله هنا مثلا.

 وحتى من يتحدث عن نظرية كل شيء او حتى فرضية البدائل من العلماء، اي الكون المتعدد لتفسير ظاهرة الضبط، بمعنى هناك فرضيات بديلة تعمل تحت اسم فرضية الكون المتعدد، فيجب اقلها علميا ايضا ان نستند ونفكر في الانفجار الكبير بصيغة الجمع هنا ايضا، حيث وقتها لن يكون امامنا كون واحد فقط، بل هناك العديد من الاكوان المتوازية المستقلة وحتى عدد لا نهائي من الاكوان المتوازية كل منها نتيجة لانفجار كبير، ولكل منها خصائص فيزيائية مختلفة لن نستوعب ذلك. 

وهنا سوف يكون امامنا تعقيدات اخرى اقلها سوف نستند على علمنا ان كوننا هو الاستثناء بمفهومنا بين العدد الكبير من الأكوان لانه صرنا نحن فيه وبعلمنا او اقلها الحياة بعوامل الضبط الدقيق فيه كما فهمنها. وبذلك نقف أمام اشكاليات لاتنتهي من التعقيدات، والتي لانستطيع إلا أن ننظر ان التفسير المحتمل لظاهرة الضبط الدقيق للكون هي وجود التصميم الذكي او بعض علماء الفيزياء يتحدثون عن نظرية كل شيء، اقلها أن الحقيقة المادية للضبط الدقيق قد تؤدي إلى دليل على وجود تصميم ذكي مطلق او نظرية كل شيء، والذي في احسن الاحوال، يمكن ان يعطي سببا باعتبار هناك صاحب لهذا التصميم او النظرية، والذي يعني هناك مصمم، وهنا نتحرك في اتجاه فرضية الخلق. 

الباقي يتبع

الحجر الصحفي في زمن الحوثي