الأدلة على وجود الله- لذا راهن دون تردد أنه موجود!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الجمعة ، ٢٥ أغسطس ٢٠٢٣ الساعة ٠٣:٢١ مساءً

 

كان دائما ولازال اهتمام البشر ليس فقط الإيمان بالله، بل البحث عن دليل على وجوده وهذا امر طبيعي لرحلة البشر الى داخل النفس البشرية والى معرفة من هم في هذا الكون. بالإضافة إلى اختبارات الله التي مر بها البشر والمدونة في الكتب والديانات المختلفة، توحي بما لايوجد مجال للشك انه كانت ولازالت هناك محاولات لاتنتهي لاثبات وجود الله منذ البداية وتفسير من نحن هنا وماذا وراء الافق. وفي هذا السياق سوف اتحدث عن وجود الاله كما انظر انا اليه بحكم انني اعيش في ظل ثقافات متعددة منذ اكثر من ثلاثة عقود، وليس من كم سنة او شهر  ولا اقول انني متخصص بذلك . 

هنا سوف اعتمد المنهج الغربي، وكيف يطرح الامر بثقافتهم في الطرح، لان الكل يعرف منهج الشرق، ولا اريد اعيد ذلك هنا، كون احدهم يقول لانريد منهج البعرة تدل على البعير وايضا كون لدينا عقدة الاشقر بمعنى مايأتي من اي اشقر فهو مقنع للبعض. ولذا سوف اركز على الطرح على المنهج الغربي في النقاش كما فهمته في الثلاثة عقود الاخيرة ولاسباب عديدة اقلها ان نقاش البعض في الفيس بوك او تويتر، حول وجود الله،  يغلب عليه اسلوب الهدرة والمكارحة. قد يكن ذلك عائد الى اننا ننظر للامر كمعارك يجب ان ننتصر بها باسلوب المنهج الشرقي اي ثقافة الدواوين ولا ننظر ان الحقيقة للبشر نسبية وليست مطلقة لها اوجه مختلفة، وقد يكون ايضا لافتقار المعرفة الكافية فلا بينهم كورت جوديل، ولا توماس الاكويني، ولا امونيل كانط  ولا هانز كونغ  ولا أنسيلم كانتربري ولا شيشرون ولا متخصصين لنستفيد من النقاش والطرح حتى نؤمن او نكفر على قولة احدهم وقد يكون ايضا الفراغ القاتل حيث نشعر اننا نعيش دون مشروع او هدف. 

فاجد انه يتم استخدام مصطلحات بشكل اغتصاب لها، مثل علميا وفيزيائيا وغيره، دون ان يكون هناك فهم للمعنى او الكلمات او المغزى اوترتيب للمنهج او الطرح، بمعنى نقاش ليس فكري ولايثري الفكر ويضيع وقت من يسمع. الفضول قتلني، قلت امس اسمع نقاش من ذلك برغم انه كان الاجدر ان كل شخص يبحث عن المعرفة بذاته لانها امامه ولايحتاج ليسمع احد او يناقش احد. ولذا سوف افرد هنا كم حلقة، حول وجود الله والاديان وغيرها، وبحذر لاني لا اؤمن بالمعرفة او التاريخ الا بشكل نسبي فقط، وكوني اعيش بين ثقافات متعددة وكان نقاش الاديان جزء من حياتنا اليومية  منذ السنة الاولى فانا اتحدث عن ذاتي هنا وكما افهم بشكل بسيط ماحولي ولا الزم احد بما افكر . 

هنا سوف ابدأ من فكر اجماع الامم على وجود الله، والذي ساهم في توصيفه الفيلسوف شيشرون قبل مايقارب من ٢٠٠٠ عام بقوله، أنه لا يوجد اشخاص غير متدينين، وان تجربة وجود الله بين الامم وتوصيف الديانات لذلك تشير إلى الوجود الحقيقي للاله. لكن هناك كثيرون بيننا يفكرون في أشياء منحرفة عن وجود الآلهة، لكن هذا يميل إلى أن ذلك الطرح يأتي من أسلوب حياة سيئ وقد يكون من فرغ قاتل، ومع ذلك فان الكثير يؤمنون بوجود قوة وطبيعة الهية باشكال مختلفة، لكن هذا لا يجب ان يؤدي إلى ان ننتظر اجماع كل البشر حول ذلك، ولا يجب ان يتم فرض القبول به بالعنف، لكن نقول اقلها اتفاق جميع الامم في الأمر برمته يجب ان يؤخذ كقانون طبيعي ومسلم انه هناك اله، ويجب ان يحترم ذلك المعتقد كان عند المسلمين او في الهند او الصين. 

ومن  منهج إجماع الامم نستنتج ان الله موجود، وحتى وفقا الى الحجة الانثروبولوجية، فالفيلسوف أوغسطينوس نظر ان الصلاحية الثابتة للحقيقة والمعايير لا يمكن ان يكون اساسها الا في حقيقة ومعيار موجود حقا وصالح في النهاية. وهذا من وجهة نظره ايضا الحق الأبدي والمعيار المطلق لما هو خير وما هو شر. فالله هو  الذي لا يمكن تصور شيء أعلى أو أكمل منه.

هذا الكائن الأسمى عند الفلاسفة كما يوصف في الغرب والأكثر كما لا يجب أن يكون موجودا، وإلا فإنه سيفتقر إلى صفة "الوجود" بحسب منهج كثير منهم، حيث يستنتج أنسيلم كانتربري من فكرة الكائن الأسمى-كما يوصف في ثقافة الغرب- وجوده الفعلي. وهذا النهج الذي أطلق عليه إيمانويل كانط فيما بعد اسم الدليل الوجودي على الله، حيث كان كانط ينطلق بطرحه من تمثيل الدليل الاخلاقي عن الله حيث يرى ان الله لا يمكن إثباته نظريا، ولكن فقط من خلال ضميرنا واخلاقنا وشعورنا بالمسؤولية، اي كل ما يجعلنا "بشرا". فلذا نشعر بالسوء عندما نفعل اشياء سيئة ونستطيع التمييز بين الخير والشر. ولكن السؤال من اين يأتي ذلك؟ 

فالعقل البشري والاخلاق مثلا لا يأتيان من فراغ وكذلك السلوكيات في كثير من الحيوانات والمخلوقات التي لاترتبط بصلة بجيل قبلها مثل البعوض، وعلى سبيل المثال، هذا التفكير حول ما هو خير وما هو شر وماهو منظم في حياة المخلوقات يمكن إرجاعه إلى الله. لكن كانط مثلا في كثير من طرحه لا يريد بالضرورة أن يقنعنا بوجود الله، لكنه بفلسفته يريد ان يبين دائما ان هناك قوة عليا تدفعنا إلى امتلاك مثل هذه المشاعر الإنسانية. وكونه يتحدث عن قوى عليا نضع تحتها خط، لان وجود هذه الأشياء حقيقة على الإطلاق، فهي لي يجب أن تكون دليلا كافيا ان هناك اله نطلق عليه الله. واقلها لو لم يكن هناك إله، لافتقر الانسان الى معيار "الخير" او "الشر" وافتقرت الحيوانات والحشرات لسلوكها المنظم والنفعية بينهم. ولذلك ليس من المنطقي حتى ان تكون هناك معايير اخلاقية دون ذلك لاسيما وهذه المعايير في العقل البشري، ما هو خير وما هو شر، كان لا بد من تحديدها، وبالتالي يمكن ارجاعها الى الله. وهكذا يكون كانط افترض وجود الله بشكل غير مباشر.

ومع كل الحذر فيما يتعلق بأدلة الله، يبقى ان نلاحظ انه بقدر ما يمكن اثبات وجود الله بشكل ايجابي، فإن القليل يمكن اثبات عدم وجوده ، فكل المحاولات الالحادية تظل في نهاية المطاف مسلمات، أي ادعاءات بعدم وجود الله لا يمكن أن تدعي أنها دليل. والسؤال هنا ايضا شغل العلماء كم هي نسبة وجود الله فكان الفيزيائي البريطاني ستيفن أونوين نشر ان هناك فرصة بنسبة ٦٧% لوجود الله وهذا كان قبل عشرين عام وانا على ثقة ان النسبة تغيرت في حسابته مع تقدم العلم حوله والعمر به.

 ومع ذلك، فإن التفكير الفلسفي في مسألة الله يفتح المجال امام امكانية الدخول في حوار حقيقي. فالتبرير المعقول للإيمان والتصور عن الله يمكن ان يؤدي الى ثقة أعمق في تجربة الإيمان واهتمام المؤمن الوجودي. واما عن الفيلسوف وعالم الرياضيات بليز باسكال، فهو انطلق من توصيف وجود الاله بشكل احتمالي علمي اخر نطلق عليه الرهان، والذي استخدم حججا من تحليل التكلفة والعائد بطرحه وفلسفته، لكن من باب العدل في الطرح ليس دليلا مطلق على وجود الله بالمعنى الدقيق للكلمة، باسكال اعتمد بالأحرى حجة حول سبب منطقية الإيمان بالله، حتى في ظل غياب الدليل، بقوله إنه من الافضل ان تؤمن بالله دون قيد او شرط، لانك لن تخسر شيئا اذا لم يكن موجودا، لكنك ستكون آمنا اذا كان هناك إله، لذا راهن دون تردد أنه موجود. وعن قناعتي كل البشر تريد تراهن على ذلك لانه يصعب عليها النظر ماذا بعد الافق.

وحتى لو نظرنا الى البراغماتية التي تفترض أن الحقيقة والمنفعة هما نفس الشيء فسوف نجد الفيلسوف وليم جيمس يقول، ان الإيمان بالله يؤدي إلى التفاؤل، كما الإيمان بالمستقبل ونحو ذلك، بينما الإلحاد يؤدي إلى التشاؤم واليأس ونحو ذلك. ومن هذا يستنتج وليم جيمس ان الإيمان بالله حق والالحاد باطل. وعني اجد كلمة باسكال بقوله، لذا "راهن دون تردد أنه موجود" لها اثر عند كثير في الغرب.  وهذه نقطة المقدمة.

يتبع

الحجر الصحفي في زمن الحوثي