الرئيسية > محليات > بمباركة ورعاية حوثية.. مدينة تتحول من ملاذ للجائعين إلى بؤرة للجرائم والقتل اليومي والمواجهات المسلحة!

بمباركة ورعاية حوثية.. مدينة تتحول من ملاذ للجائعين إلى بؤرة للجرائم والقتل اليومي والمواجهات المسلحة!

" class="main-news-image img

 

يا هارب من الموت ما من الموت ناجي ويا هارب من الجوع إلى سحول بن ناجي " هكذا حضرت منطقة سحول بن ناجي في التراث الشفهي اليمني كرمز للخير والعطاء لخصوبة تربتها وكثافة إنتاجها من الحبوب والخضروات والفواكه.

 

 

المنطقة الزراعية الخصبة التي تقع إلي الشمال من مدينة إب، صار اسمها المتداول "السحول" بدون "بن ناجي" لكن هل تغيرت المنطقة وطبيعتها وسمعتها الذائعة أيضاً؟! نعم حدث ذلك فقد اجتاحت زراعة نبتة "القات" المخدر أجزاء واسعة من تلك المنطقة والأرض التي كانت مصدر الخصب والعطاء صارت ساحة لصراعات يومية بعد أن تصاعدت أسعارها كعقارات وصارت مطمعاً لنافذين وهوامير صنعتهم الحرب، والمزارعون الذين لم يكونوا يعرفون العنف صاروا في دوامة إشكالات وجرائم يومية لا تكاد تتوقف.

فمنذ اندلاع الحرب والسيطرة الحوثية صارت منطقة "السحول" كما هو حال أجزاء واسعة في محافظة إب الخضراء، بؤرة للقتل والانتهاكات المتعددة، لكن وتيرة هذه الجرائم زادت منذ ثلاثة أعوام بشكل غير مسبوق، وفق روايات متعددة لسكان محليين.

عشرات الضحايا سقطوا بين قتيل وجريح وآلاف الانتهاكات والجرائم حدثت فيها خلال السنوات الفائتة، ولم ترصد ذلك المراكز والمنظمات الحقوقية كما لم تتناول وسائل الإعلام المحلية ما يحصل فيها من أحداث متتالية ومتتابعة على الشكل المطلوب لأنها في معظمها تبدو في ظاهرها جنائية أو صراعات أهلية، ويخفى على الراصدين والمتابعين مصدر إشعال وتغذية تلك الصراعات.

ولا يكاد يمر يوم واحد، دون أن تحصل جريمة، وتدور حاليا مواجهات متقطعة بين مسلحين، وتسبب ذلك في هلع وفزع السكان، وتغذي قيادات في ميليشيا الحوثي صراعات مستمرة منذ أشهر، ورغم أن كل المشاركين في إقلاق السكينة العامة معلومون وهم بالعشرات، إلا أنهم طلقاء يسرحون ويمرحون بأسلحتهم من وإلى المدينة، وأصبح السلاح في منطقة "السحول" بمتناول الجميع بمن فيهم الشباب القصر والمراهقين.

ثأر

على خلفية ثأر قبلي، لا تزال مواجهات مسلحة مستمرة بشكل متقطع منذ أكثر من عامين حتى اليوم، بين أسرة "قايد دبوان"، معروفة محليا بـ "آل قايد ناشر"، وأسرة "الهشمي"، كانت شرارتها الأولى عند سيطرة الحوثيين على محافظة إب قبل ثمان سنوات.

لم يتمكن "المصدر أونلاين" من الوصول إلى أحد المصادر الموثوقة لمعرفة السبب الحقيقي الذي أدى إلى إشعال فتيل الثأر بين الأسرتين، لكن مصادر محلية رجحت أن النزاع بين العائلتين نتج عن خلاف على مساحة أرض.

قبل ثلاثة أعوام وتحديداً نهاية شهر رمضان (1442-2021)، أقدم أحد المسلحين يقال إنه من أسرة بيت "ناشر"، على تصفية اثنين من بيت "الهشمي" وهما "محمد سعيد الهشمي" ونجله "عاصم الهشمي"، بتهمة أن الأول والذي قيل إنه خرج من السجن بحكم براءة، قام بتصفية شقيق لهم قبل 8 سنوات. وقتل في الحادثة ذاتها شاب آخر من بيت "الحنش" حيث دفنته أسرته دون أي تحقيقات ومطالبات، هربا من الثارات، حسب مصدر محلي.

وفي رمضان التالي (2022-1443) قتل المدعو "زيد قائد محمد ناشر دبوان"، ووفق المصدر فهو المتهم الأول بتصفية من سبق ذكرهم، وذلك على يد أفراد من بيت "الهشمي"، وقبل حوالي شهر قتل شخص ثالث يدعى "عبدالجبار قائد محمد دبوان" الشقيق الثالث من الأسرة ذاتها على يد المتهمين ذاتهم.

وبين الحين والآخر تشتبك عناصر الأسرتين ويسقط ضحايا من المواطنين جراء ذلك كما تتسبب في هلع السكان وقطع للطرقات، وتمتد هذه المواجهات في الغالب بين قرى ومناطق: "الحيدان، السعدية، الجبوب، بعسنة، المساجيد، جولبة، صبل الكربة" وجميع هذه المناطق تابعة لعزلة "الحوج القبلي" بمديرية ريف إب.

الأسرتان لهما قطع أراضي واسعة في السحول وتملك مبالغ طائلة تجنيها من "نبتة القات"، يغذي هذا الصراع، قيادات ومشرفون في ميليشيا الحوثي، إلى جانب شخصيات أمنية في سلطة الجماعة على مستوى المحافظة والمديريات، وشخصيات أخرى قبلية.

ويفصل منطقة "السحول" عن مركز محافظة إب حوالي (20كم) وخمس نقاط حوثية، ولا يوجد فيها قسم شرطة رغم كثرة الجرائم التي تقع فيها، وارتفعت بشكل كبير منذ استحواذ الحوثيين عليها نهاية 2014.

صراع الورثة

على مقربة من الاشتباكات السابقة وفي العزلة ذاتها، تدور مواجهات أخرى متقطعة بين أولاد "أحمد سعيد المقرعي" (قتل برصاص مجهولة)، وأولاد عمهم "عبدالرحمن سعيد المقرعي" (يعاني من مرض نفسي ويعيش في المنزل)، جميعهم ورثة الشيخ "سعيد المقرعي" (توفي سابقا) ولديه ثروة كبيرة من الأراضي في منطقة السحول، ويغذي ذلك الاشتباك أيضا قيادات حوثية في المحافظة.

كان الصراع خفي بين الطرفين دون استخدام السلاح، وفق أحد السكان، لكن الاشتباكات البينية بدأت منذ مقتل "أحمد سعيد"، برصاص لا يزال مصدرها مجهولاً، عند خلافات على (حفر بئر) في المنطقة (قبل حوالي عامين)، وسط اتهامات بين الطرفين.

سكان قالوا إن أولاد "أحمد سعيد" (سعيد، حسن..) يتهمون المدعو "معاذ عبد الرحمن" بقتل أبيهم، في حين يقول شهود عيان إن المتهم "معاذ" بريء وكان جوار عمه وقت الحادثة ولا يحمل سلاحا، ويشير السكان إلى أن أولاد "أحمد سعيد" ثبتوا في محضر اتهامهم شهادات "كيدية" و"زور" من عناصر محلية لم تكن موجوده لتلفيق التهمة اابن عمهم.

وأضاف السكان نقلاً عن الشهود أن العديد من العناصر المسلحين كانوا متواجدين وقت الحادثة التي وقعت في منطقة "الموبد" نهاية نوفمبر 2021، ونشر "المصدر أونلاين" تفاصيلها في حينه، لكن المصادر التي تحدثت آنذاك وأشارت إلى وقوف أولاد أخيه خلف الحادثة، قالت، خلافاً للرواية السابقة، إن جميع الحاضرين في قفص الاتهام بمن فيهم أولاد القتيل "أحمد سعيد".

يقبع "معاذ عبدالرحمن" في أحد سجون مدينة إب، منذ أشهر على ذمة ذات القضية، بينما تتواصل اشتباكات متقطعة بين أولاد عمه "أحمد سعيد"، من جهة، وشقيقه (يثم) من جهة أخرى، بمشاركة عناصر محلية وأخرى تم استقدامها من قرى ومناطق أخرى.

ورغم مرور أكثر من 20 شهراً على مقتل "أحمد سعيد" (كانت له علاقات واسعة مع سلطة إب)، لم يحدث أي تقدم في القضية، كما لم تبذل سلطة الميليشيا التي تتهم قياداتها بالحصول على مبالغ مالية من أسرة "المقرعي" أي جهود لفض النزاع بين الطرفين، الذي تسبب بعد م استقرار المنطقة.

اشتباكات

وإلى جانب ذلك تحدث اشتباكات متقطعة في منطقة السحول بين أسر وعناصر أخرى، وحالات قتل واغتيالات قيدت غالباً ضد مجهولين، وراح ضحية الانفلات الأمني الحاصل العشرات من القتلى والجرحى، أغلبهم من المارة والعزل المجاورة.

أغلب هذه الاشتباكات المتقطعة تقع في المراكز العامة مثل "الدليل" "مفرق حبيش" و"سوق السبت" و"النقطة"، بالإضافة الى أماكن استحدثتها الميليشيا لفرض جبايات على القات بينها "الأميرة" و"جولة الحمزة"، وأخرى نائية في الطرق الفرعية بالسحول و"شعب يافع" المجاورة لها.

نهب أراضي

وتشهد المنطقة أيضاً أعمال سطو ونهب لأراضي المواطنين نتيجة القيمة الشرائية العالية لتلك الأراضي والتي ارتفعت خلال السنوات الأخيرة بشكل لافت، الأمر الذي ساهم في زيادة المشاكل والمواجهات المسلحة المتعلقة بالصراع على الأراضي.

ودخلت قيادات حوثية على خط مشاكل الأراضي، إما بمحاولات السطو عليها، أو بدعم شخصيات محلية ونافذين ضمن صراع تغذيه بهدف التكسب وزيادة التحكم بقضايا المواطنين، ضمن ممارسات ممنهجة هدفها إذلال الناس وسلبهم أموالهم وممتلكاتهم. 

سرقات وحرائق

كما زادت جرائم سرقة ونهب "الأراضي"، و"مزارع" القات"، و"المركبات" و"المواشي" إلى جانب إشعال الحرائق في المنازل والمركبات، وانتهاك للحقوق، بشكل لافت بالسحول خلال السنوات الماضية، ويعيش المواطنون والمارة حياة رعب يومية لا مثيل لها في مديريات المحافظة.

ويؤكد سكان أن منطقة السحول، شهدت حوادث سرقات متعددة، تتنوع بين سرقة المنازل والمحلات التجارية، غير أن أغلب السرقات مرتبطة بسرقة الدراجات النارية حيث يتم استقدام سائقي تلك الدراجات من مدينة إب إلى مناطق خالية في منطقة السحول، ويكون أفراد العصابة متواجدين في المكان الذي يتم استدراج السائق إليها.

وشكا المئات من سائقي الدراجات النارية من حوادث سرقات طالتهم في مناطق عدة بالسحول، بعد نقلهم واستدراجهم من قبل أشخاص مرتبطين بعصابات مسلحة في السحول، والتي تتخذ من المنطقة وكراً للبقاء والانتشار فيها، في الوقت الذي لم تحرك الجهات الأمنية ساكنا تجاه تلك العصابات التي يرتبط قياداتها بقيادات في المليشيا. ويرفض سائقو المركبات توصيل زبائنهم خلال ساعات المساء بسبب تخوفهم من العصابات المتعددة في المنقطة.

وحسب السكان فقد شهدت بلدات ومناطق عدة بالسحول، حرائق عدة طالت منازل مواطنين أو محلات تجارية وسيارات، من قبل مجهولين يقومون بجرائمهم ليلا ويلوذون بالفرار، ضمن أعمال انتقامية تشهدها المنطقة.

وتقع منطقة "السحول" في ثلاث مديريات هي (حبيش) -شمال غرب-، (المخادر) -شمال شرق-، (ريف إب) -جنوب- شرق. وكانت تعرف بمخلاف السحول، و"المخلاف" هو أحد التقسيمات الإدارية في اليمن القديم. وسُمِّي السَحُول بمصر اليمن لوفرة الذرة فيه. ومنذ استحواذ الحوثيين عليها، تشهد مناطق محافظة إب الواقعة وسط البلاد جرائم يومية، وانفلاتا أمنيا غير مسبوق، زادت معه الانتهاكات بحق المواطنين في مختلف مديريات البلاد.

وخلال ثلاث سنوات فقط (2019-2022)، عينت الميليشيا ثلاثة مدراء أمن للمحافظة تابعين لها هم: (محمد حفظ الله الحمزي) -يوليو2019.. ديسمبر 2019، (عبدالله الطاووس) أواخر 2019-.. يونيو 2022، ("أبو علي" "هادي الكحلاني" 2022 حتى الان، وقبل ذلك كان القيادي في المؤتمر الموالي للجماعة "عبدالحافظ السقاف" هو المدير المفروض على المحافظة منذ الانقلاب، وطيلة هذه السنوات شهدت إب آلاف الجرائم والأحداث التي تقيد في الغالب ضد مجهول أو تترك قضايا مفتوحة في المحاكم لاستنزاف المواطنين.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي