عودة قطرية تدريجية إلى صعدة.. لماذا الآن؟

جمال الحربي
الأحد ، ٠٥ نوفمبر ٢٠١٧ الساعة ٠٦:١٤ مساءً

 


أن تُشرع قطر نوافذها الإعلامية على مصراعيها أمام صبيان كهوف صعدة، وتسخر منصة الجزيرة للترافع عن ميليشيا تحرق بلداً برمته، فهذا يعني أنها قد اتخذت قرار استئناف شهر العسل المؤجل مع ”طاووس الخمينية“ في اليمن.

الاندفاعة القطرية المخزية، باتجاه ميليشيا الحوثي، ليست جديدةً، والمسألة برمتها تبدو عودة اشتياق لشهر عسل سياسي، بدأ في خضم حروب صعدة بجولاتها الست، وانقطع جزئياً تحت ضغط عمليات عاصفة الحزم والإجراءات الوقائية التي رافقتها، من دون إغفال بديهية فتور العلاقة الغرامية غير المشروعة، بين حكام الدوحة وحاكم صعدة، مع الاندفاعة الحوثية المسلحة لاجتياح صنعاء. 

على أن فتور العلاقة -حينها- نتج عن خروج رأس الحركة الحوثية عن العباءة القطرية، في مستهل التوتر المسلح الذي ساد مناطق شمال اليمن وشكلت جماعة الإخوان طرفه الثاني. 

في تلك الأثناء، كان ثمة خلية قطرية تضم دبلوماسيين وضباط مخابرات تنشط على أكثر من مستوى، وتبدد جل وقتها في لقاءات سرية، مع كبار الرؤوس الحوثية، في صنعاء وصعدة معقل الجماعة. 

ولعل جمع أتباع المرشد العام و المرشد الأعلى، في اليمن، على سرير واحد، كانت أكثر فكرة تداعب مخيلة الخلية القطرية -وقتها- إذ إن الدوحة أتخمت جيوب قيادات حزب الإصلاح وقيادات جماعة الحوثي بمكرمات مالية مجزية، على أمل تمرير مساعي وساطتها لصك وثيقة زواج كاثوليكي بين النقيضين. 

وبالفعل عملت الخلية القطرية، على جر جماعة الإخوان باليمن، خلفها كعربة إلى بلاط عبدالملك الحوثي في صعدة، لتوقيع اتفاق شراكة، وقد تكفلت إحدى القيادات الإخوانية في الجيش اليمني آنذاك بتوفير مروحية عسكرية لنقل الوفد الإخواني من صنعاء إلى محافظة صعدة شمال الشمال.

بيد أن تلك الفترة، شهدت خروجاً عن النص، فقد وضع عبدالملك الحوثي، الحالم بابتلاع اليمن -كل اليمن- وثيقة التزاوج التي وقعت برعاية وتمويل كاملين من حكومة قطر، في سلة النفايات، وأطلق العنان لميليشياته لتشق بالسلاح طريقاً لليمن إلى الضياع، وكانت البداية من محافظة عمران، حيث العمق الجغرافي لجماعة الإخوان ومشيخات عائلة آل الأحمر. 

اشتعل حريق عمران، في حين كانت لجنة الوساطة القطرية بين النقيضين المتدينين، على بعد خطوة من إبرام اتفاق صلح ”تاريخي“، يوحّد الخصمين في خندق ويعيد توجيه بوصلة معاركهما السياسية باتجاه المملكة العربية السعودية، وهنا تكمن الشفرة السرية لما تبدو رغبة قطرية جارفة لترميم التشققات التي ضربت جدار علاقتها أولا، وعلاقة جماعة الإخوان ثانيا بالمتمردين الحوثيين. 

ولعل قطر تدرك جيداً أن هذا التكتيك بالغ الأهمية في استراتيجيتها الخبيثة في اليمن، لن يتحقق بالمال فقط كون جهاز التحكم الآلي بجماعة الحوثي بيد سدنة الثورة الخمينية، ومن هنا انسلخت من الجسد الخليجي لترتمي بشراهة في حضن إيران. 

وعند هذه النقطة تحديداً، تكون قطر قد طرقت باب طهران، وطلبت يد ”سيد الخراب“ مجدداً من الوصاة الطائفيين، وزادت على ذلك أن حولت منصة الجزيرة إلى ما يشبه بغلة فتية يتجول على ظهرها وتسوق بضاعته الخردة. 

على الطرف الآخر، لم تجد قيادات ميليشيا الحوثي، مكانا ملائما تخبئ فيه حنينها الفاضح للريال القطري. على الأقل هذا ما تقوله رسائل الغزل، غير العفيف، التي تضعها قيادات ميليشاوية في البريد القطري، تارة عبر تصريحات صحافية، وأخرى عبر تدوينات، في مواقع التواصل، تحمل مواقف مناهضة للإجراءات الخليجية والعربية العقابية ضد الدوحة على خلفية تمويل الإرهاب. 

المثير حقاً في هذا اللعبة المدفوعة بحسابات انتهازية محضة، هي المرونة الفجة التي أبداها إخوان اليمن للركض خلف العربة القطرية إلى كوخ فتى الكهف، رغم كل الفظائع التي ارتكبها بحقهم، ولا يبدو أن ثمة حاجة هنا لتذكيرهم بأنهم مازالوا -حتى اللحظة- هاربين من بطش الحوثية، في فنادق إيواء خارج البلاد .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي