بينما تُصنّف الولايات المتحدة والعديد من الدول جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، تواصل الشرعية دعوتها للسلام معهم، في تناقض يثير الدهشة ويبعث على التساؤل: كيف يمكن الجمع بين تصنيف جماعة إرهابية والسعي للتفاوض معها على السلام؟
هذا التناقض في الخطاب والموقف السياسي يُضعف الشرعية ويُطيل أمد الصراع، مما يستدعي موقفًا أكثر وضوحًا وحزمًا لمواجهة هذا التحدي المصيري.
وحدة الموقف والقرار الوطني ليست خيارًا، بل ضرورة استراتيجية. لقد كانت الانقسامات داخل معسكر الشرعية أحد الأسباب الرئيسية لإطالة أمد الحرب، ولا ينبغي أن تكون هذه الانقسامات سببًا إضافيًا في تراجع الدول التي صنّفت الحوثي كجماعة إرهابية عن مواقفها.
التشتت في الرؤى والخطط المستقبلية لمرحلة ما بعد الحوثي خلق حالة من التردد، وهو ما يمنح الجماعة الإرهابية فرصة للبقاء والتمدد.
ما المطلوب إذن؟
المطلوب هو التوافق على خطة وطنية موحدة وقابلة للتطبيق لإنهاء انقلاب الحوثي، خطة تؤكد أن لا وصاية لأحد على الشعب، وأن يُترك الأمر لليمنيين أنفسهم لتقرير مستقبلهم بعد استعادة الدولة.
إن التخاذل والتأخير في حسم هذا الأمر يمنح الحوثيين المزيد من الوقت لإعادة ترتيب أوراقهم وتعزيز سيطرتهم.
استغلال التحوّل الدولي
اليوم، هناك تحوّل واضح في المزاج الإقليمي والدولي ضد الحوثيين، وينبغي استغلال هذا التحوّل على كافة المستويات السياسية والعسكرية.
يجب على الشرعية أن تتوقف عن إضاعة الوقت في أوهام السلام واللغة الدبلوماسية الناعمة مع جماعة لا تؤمن إلا بالقوة، وأن تعمل بجدية لترجمة هذا التحوّل إلى مكاسب سياسية وعسكرية.
يجب أن تتبنى القيادة الشرعية إرادة موحدة لاستعادة الدولة، ووقف حالة التباين في مواقفها، وتقديم خطاب متماسك أمام الداخل والخارج.
تصنيف الحوثي إرهابيًا ليس مجرد خطوة رمزية
إن تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية ليس مجرد خطوة رمزية، بل يجب أن يكون مقدمة لتحركات دبلوماسية جادة تهدف إلى مأسسة هذا التصنيف عبر مجلس الأمن الدولي، بحيث يؤدي إلى فرض عقوبات دولية ملزمة على الجماعة الحوثية وداعمتها إيران وكل من يتعامل معها كأمر واقع، وصولًا إلى إنهاء انقلاب الحوثي.
يجب على الحكومة الشرعية، إلى جانب تحريك الجبهات عسكريًا تحت قيادة وزارة الدفاع، الضغط على مجلس الأمن الدولي لضمان إصدار قرارات أقوى وأكثر تأثيرًا ضد الحوثيين وداعميهم.
استهداف الأذرع المالية للحوثيين
لا بد من تحرك الحكومة الشرعية باتجاه تجفيف منابع تمويل الحوثيين من خلال:
تفعيل قرارات البنك المركزي اليمني التي جُمدت.
استهداف شركات ومصارف وشبكات تهريب السلاح والوقود التي تموّل الحوثيين، سواء داخل اليمن أو خارجه.
إقناع الدول المترددة التي لا تزال تتعامل مع الحوثيين كأمر واقع، بأن استمرار التعامل معهم يُطيل أمد الحرب ويزيد من عدم الاستقرار في الإقليم.
وهنا نشيد بزيارة وزير الخارجية لسلطنة عُمان لتحقيق هذا الغرض.
استغلال التصدعات داخل جماعة الحوثي
على الشرعية استغلال التصدعات داخل جماعة الحوثي نفسها، فقد بدأت الخلافات تظهر بين جناح صعدة التقليدي والجناح القادم من صنعاء والمناطق الوسطى، ويمكن توظيف هذه الانقسامات لإضعاف الجماعة من الداخل، بالتوازي مع تحريك الجبهات العسكرية تحت قيادة موحدة تتبع وزارة الدفاع من أجل تسريع إنهاء سيطرة الحوثيين على كامل التراب اليمني.
أمريكا تدرك خطورة الحوثيين بعد استهداف السفن
بعد استهداف الحوثيين للسفن الأمريكية وتهديدهم للملاحة الدولية، بدأت الإدارة الأمريكية تدرك خطورة استمرارهم كقوة مسلحة خارجة عن القانون.
نحن الآن في فترة مراجعة دورية للمواقف الأمريكية تجاه النزاعات الدولية، وهذه فرصة مهمة يجب على الشرعية استغلالها عبر تعزيز الحشد الدبلوماسي مع واشنطن لضمان موقف أكثر تشددًا تجاه الحوثيين.
التحركات الحوثية لإنهاء التصنيف الإرهابي
ينبغي تنبيه الشرعية إلى ما تسرّب من معلومات حول أحد أقرباء عبد الملك الحوثي، الذي يعمل مديرًا للعلاقات العامة والاتصال بمكتب الأمم المتحدة في صنعاء، حيث يتحرك دون كلل مع فريقه خارجيًا لإنهاء القرار الأمريكي خلال فترة المراجعة.
أهمية الدور البريطاني والأوروبي
يجب أن تشمل التحركات الدبلوماسية ايضّا بريطانيا باعتبارها "حاملة القلم" للملف اليمني في مجلس الأمن، وكذلك الاتحاد الأوروبي لضمان موقف موحد ضد الحوثيين.
كما يجب استغلال هذا التحوّل الدولي بالمطالبة بدعم الاقتصاد الوطني عبر:
تسهيل المنح والقروض لتحسين الوضع المعيشي.
دعم العملة المحلية وتوفير الخدمات الأساسية.
الوفاء بالالتزامات الحتمية، مما يسهم في إضعاف قدرة الحوثيين على استغلال الوضع الاقتصادي لصالحهم.
أين مجلس القيادة الرئاسي؟
بعد التصنيف الإرهابي للحوثيين، لم نعد نرى أو نسمع كثيرًا عن اجتماعات مجلس القيادة الرئاسي...!
اليمن يقف اليوم على مفترق طرق؛ إما أن تستغل الشرعية اللحظة الدولية الراهنة لتوحيد صفوفها واستعادة الدولة، أو أن تترك الفرصة تضيع لصالح الحوثيين الذين يستغلون كل لحظة من التردد السياسي والعسكري.
لا يمكن التعويل على الحراك الدولي وحده؛ فمهما كان الموقف الدولي داعمًا، فإن الحل يكمن في الداخل، ويتطلب إرادة سياسية حقيقية لإنهاء الانقسام وبناء دولة قوية.
الضغط على إيران وتجفيف منابع الدعم
الحوثيون لا يمكنهم الاستمرار دون دعم إيراني، لذا يجب أن يكون الضغط على إيران وتجفيف منابع تمويل الجماعة أحد المحاور الرئيسية في أي تحرك قادم.
لا سلام مع الإرهاب
في النهاية، لا سلام مع الإرهاب، ولا تفاوض مع من لا يؤمن إلا بالقوة.
آن الأوان لاتخاذ قرارات حاسمة تُنهي هذا العبث، وتفتح الباب أمام إعادة بناء دولة حديثة طموحة تسعى لمستقبل يمني خالٍ من الإرهاب والاستبداد.
-->