من المعضلة...النصف الآخر من الثورة الخالدة

د. محمد شداد
الثلاثاء ، ٢٥ يونيو ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٥٢ مساءً

أغرق الناس كُتَّاباً أكاديميين وصحفيين في الكتابة حول ما يجري في اليمن بصوره المختلفة حرب شتات اقتيات، واستغلال، تبعية وانتقام، جهوية، عرقية، وطنية ونضال،  كلها نتائج لمعضلات معقدة ظلت تحرث في المجتمع زرعاً وحصاد، عانى الشعب اليمني ولا زال  يعاني منها منذو قرون، أدار الناس ظهورهم  للمعضلة التي كمنت لنا قرونًا تحت الرماد.

 مسلسل طويل من المعضلات أحدثها أسباب تنكُب ثورة 26 من سبتمبر وعدم تحقق أهدافها، وسيرها في فضاء خارج طموحات الشعب الذي ضحى بالنفس والمال والروح ولم يبخل في سبيل نصرتها بشئ،  كي ينعم بنتائج الثورة وإسدال الستار على حقبة زمنية كان الجحيم والبؤس والجهل أهم مكونات الحياة فيها حقبةٌ عبر عنها البردوني الثائر رحمه الله بقوله

فولى زمان كعرض البغي*** وأقبل عهدٌ كقلب النبي

وكمحاكاة حقيقية لحال كل ثورات الشعوب عبر التاريخ التي حققت أهدافها وأقفلت طرق العودة إلى ماضيها أياً  كان حالها جورًا أو عدل، نورٌ به تنعم أو ظلام فيه تتخبط..لم يعد الملك السنوسي إلى ليبيا ولم يعد الملك فاروق إلى مصر ولم يعد أحد من طاقم المملكة لحكم العراق ولم يعد الاستعمار الفرنسي إلى تونس والجزائر أو سوريا أو أشكال الحكم الماضية في السودان، على خلاف ما جرى في اليمن..لماذا؟ لأن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر قامت على يد نخبةٍ شابة لم يتلوث خيالها بفكرة الإمامة وحقها المكذوب في التسلط ولم يعيشوا لحظة رخاء أو تقلُب تحت أقدام العطايا ولم تُغرهم أو تستهويهم مكارم الكهنة إن كان لديهم مكارم.. خططوا ثم بحثوا عن الدواعم وانطلقوا حماسةً  كقذائف من فواهات المدافع قُتِل أهم محركاتها الثورية الشهيد علي عبد المغني في أول أسبوع من أسابيعها غير أنها لم تتوقف، توافدت الحشود لرفدها كما أفاد المناضل علي عبدالله السلال من مناطق الرعية والمقهورين والمستضعفين إب تعز الحديدة البيظاء وبعض مناطق الجنوب والتحقت في الحرس الوطني ولولا تلك الهبة الثورية لسقطت الثورة في أول أسبوعٍ من انطلاقتها..

 قد لا يعلم القارئ  لتاريخ الثورة اليمنية تحديدًا شمالها أن الحرب الأهلية التي انشطر فيها المجتمع اليمني إلى نصفين، بينما اتجه النصف الاول الذي آمن بالثورة كتغير جذري وشامل لكل ما سبقها وتطبيق نظام حكم  جمهوري عادل يساواي بين كل طبقات المجتمع تحقيقًا لأهدافه السته، يسودها نظام إداري واقتصادي اجتماعي الحكم فيها للأصلح والأقدر والأنزه من عامة الشعب دون تمييز على أي أساس جهوي مناطقي، عرقي أو مذهبي.. 

اتجه النصف الآخر من المجتمع حماة الإمامة التاريخيين إلى استجرار منهجية ماضي حكم الإمامة في الوراثة والتوارث واستبطان منهجية الحكم السلالي  من أسوأه مفهوم أحقيتها في إرث تركة حكم الإمامة دولةً وأموال على اعتبارات مذهبية وجهوية، كارثة انتقلت من هيمنة السلالة إلى تسلط العسكرة وعرف المشيخ، فانسحب المفهوم من السلالية الإمامية إلى العصبية القبلية استنساخ عُمِلَ به، إذ برز صوت " اصنعوا الثورة ثبتوها ثم سلموها لنا لنحكم ما لم لسنا معكم بل ضدكم حتى النهاية  كما جاء في تعبير أشهر زامل إمامي سياسي عميق في تاريخ اليمن..لأحد عكفتها غادر خولان حينها.. حيد الطيال أعلن ونادى كل شــــــامخ في اليمن  ما بانجمهــــر قط لو نفنى من الدنيـــــــــــا خلاص  لو يرجع أمس اليوم والا الشمس تشرق من عدن  والأرض تشعل نار وأمزان السمــــــاء تمطر رصاص

تطبيقاً لمفهوم النصف الآخر تطواف علي صالح الذي لم تجمهر قبيلته إلا بعد أن عجزت عن هزيمة الجمهورية، إبان ترشحه للرئاسة بمقابل فيصل بن شملان وعقب التحولات السياسية والثورية الأخيرة طافَ بين قبائل النصف الآخر وأحيا  المفاهيم البالية ونادى أن قفوا معي واسندوا حكمي وتساندوا حتى لا يخرج الحكم من أيديكم فإن خرج فلن يعود لكم أبدا يقصد من يد النصف الثوري الآخر، حتى بعد أن غادر السلطة ظل ينفخ في جراب ذلك النصف وياليتها نصرته بل إنها خذلته، برغم عطاياه لماذا؟ لأنه المجتمع الذي لم تنضجه المطابخ الثورية ولم يؤمن الثورة والجمهورية وظل مشدودًا نحو الإمامة التي جرَّفت عند اتفاشتها كل أطراف الحكم من كل اتجاه وأول ما بدأت به هو هدم منازل وقباب وزوايا أصحاب ذلك النصف والمعتقد معتقد إنها حقي أو الطوفان من بعدي..

وبرغم كل ما جرى اليوم عبر التسع العجاف وبرغم كل الأخاديد العميقة التي قطَّعت أوصال اليمن لازال البعض في غيه ينام على أنغام تلك الفاهيم ويصحوا عليها، كفراً بواحًا بحق الآخر في تولي الوظيفة العامة والمشاركة في الحكم وفقاً لمعايير الوظيفة العامة المعروفة، على اعتبار أن الوظيفة العامة هي عقد اجتماعي بين الشعب كل الشعب والموظف لخدمته وتلبية رغباته وتحقيق مبادئ النظام العام بفروعه الأربعة.. 

لم يجن مجتمع النصف الآخر الذي جُرَ إلى المعمعة عنوة من حرب اليوم برمتها إلا القتل والنياحة والهدم والجهل والفوضى وغياب معنى الحرية والدولة وسحق الحقوق العامة للكل دون استثناء، لم يعد يجدي العض على الاصابع وجلد الذات والتحسر على ما مضى، بل يجب على الشعب اليمني أنصافه وأرباعه وأخماسه جباله سواحله وسهوله التوحد كليةً لهزيمة المشروع الإمامي الفارسي المستحدث حتى يعود الحق لأهله وينعم الجميع بمخرجات الحوار الوطني وبنظام حكم الأقاليم حتى تستقر اليمن وتنعم بخيراته ووفير ثرواته..  

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي