فاغنر روسيا واليمن

د. محمد شداد
الاثنين ، ٢٦ يونيو ٢٠٢٣ الساعة ٠٧:٠٧ مساءً

بناء تشكيلات مسلحة خارج نطاق المؤسسات العسكرية الرسمية قرار خاطئ وخطوة مجنونة وغير محسوبة العواقب، وتُعد أحد أدوات السقوط لصانعيها بل أهمها. و برغم أصالتها بُنيت القبيلة اليمنية تحديداً الهادوية الزيدية كميليشيات وجيش موازٍ للجيش الوطني الوليد بعد الثورة اليمنية وإبانها. وفي عهد الإمامة كانت الجيش كله لأنها عديمة الكُلفة فضمتها الإمامة تحت جناحيها مقابل بعض العطايا والهبات للمشائخ وفتاوى جواز انتهاب أموال المواطنين فكانت السبب في تغلغل الفقر وانتشار الجهل ما جعل منهم أدوات تهب مع كل صيحة وصوت كل ناعق صحّت نواياه أم سأت.. ولا يمكن للتشكيلات الميليشياوية القبلية عرقية جهوية مناطقية مقاومة شعبية رافدة للقوات المسلحة أثناء الحروب أن تهدأ وتذوب في المجتمع مالم يتم ضمها رسمياً تحت مظلة المؤسسة العسكرية للبلد.  ولا يمكن أن تكون رافداً وطنياً للدعم في أزمة ما أو في حال تعرض الوطن والأنظمة للخطر، لأنها تُبنى على المصلحة والارتزاق وسد الحاجات! ولأنها تُشكَّل خارج مبادئ النظام المؤسسي والعقيدة العسكرية الأصيلة والتوجيه المعنوي الوطني.  ولأنها تفتقر عادةً للتغذية الوطنية الهادفة لتعزيز الانتماء الوطني وتقوية عرى الولاء الخالص للوطن والنظام. يختلف كليةً حمل شرف العسكرية شعار وفداء عن هوى الميلشيا إذ أن التضحية الوطنية قناعة وشرف لا يمتلكها إلا ذووها ومن عرفوا معنى الحرية وشربوا حب الوطن وعرفوا قيمته ومعناه.. "فاغنر" القبيلة بقيت على حالها كقوى ميليشياوية موازية للجيش ورافداً للمشيخ وللأسف تبنتها الدولة ذاتها بل ورعتها بكل السبل! وُضِعَ النظام الجمهوري رهن ذلك الفاغنر! تمَسَّك بها النظام  كي تؤمِّنه من خطر الانقلابات العسكرية.  تعثرت القدمان التي كانت إحداها في الجيش والأخرى في القبيلة وانهدم الصرح على ساكنيه، بل كان للمشيخ ولاءات عسكرية مباشرة من تشكيلات لها تشكلت داخل الجيش بعد ثورة 26 من سبتمبر بمسمياتها المدفعية ، العاصفة، الصاعقة، المظلات ووو وانتمت إلى بعض القبائل شكلت عائقاً فوضوياً ضد قيام الدولة المؤسسية، خَبِرتها الميلشيات الحوثية وسَبرَت سلوكها، فبدأت بسحقها وقطع رؤوسها كي تتمكن من بناء نظام خاص بها دون قلق، ألقتها بعيداً عن أعتاب السلطة والتأثير على اتخاذ القرار، حاول الحمدي كسر تلك المنهجية وترتيب تلك الفوضى عجز فكانت إحدى أسباب اغتياله ورحيله..  عوداً إلى فاغنر الحوثية تدحرجت من أعالي الجبال برغبة من قوى الخصومة وطغيان هوى السلطة فُتحت له الأبواب وقُدم لها الدعم ومنحت التسهيلات ليقضى بهم وعن طريقهم غرض الانتقام من خصوم السياسة تمددت لاقت غزلاً جهوياً تعانق هواها مع بعض الخيانات العسكرية والسياسية في قلب السلطة والمؤسسة العسكرية، امتدت أيادي الخارج إليها ومدت هي إليهم يدها فكانت الكارثة التي حلت بالجميع..

كان لفاغنر السودان قصةً أخرى تزَعَم البشير فكرة بناء قوات الدعم السريع بقوام خمسة الف مقاتل بدايةً برئاسة راعي الإبل حميدتي لقمع التمردات القبلية في دارفور  تطورت المسألة حتى تراءى للبشير تقويتها كداعمٍ له ورافداً للجيش في محاربة التمردات الداخلية، تخلَّت عن البشير بعد ثورة السودان الأخيرة وانقلبت ضده إذ ليس للميليشيا من أمان، بنى عليها بعض ضباط الجيش أمل الموالاة احتواها البرهان خوفاً منها وطمعاً في تقوية سلطاته.  غازلتها القوى الخارجية لتنفيذ أهدافٍ لها داخل السودان ولتدمير المؤسسة العسكرة السودانية، وجدت من يتبناها بلغ تعداد المنتميين لها 120 الف عنصر مختلفي المشارب والقبائل والنزعات، تنازع طرفي الميليشيا والجيش اختلفا حتى صارت مهدداً حقيقياً للسودان وجيشه وسيادة أرضه ظهرت على السطح النوايا وانفجر فاجنر حميدتي ليحرق الأخضر واليابس ويزيد الفقراء فقراً والبؤساء بؤس..

‏أما فاغنر الروسية التي اشتغلت في كثير من الدول المفككة بغرض الارتزاق وبيع القوة والعنف تمردت على صانعيها  بوصفها منظمة روسية شبه عسكرية يعود تأسيسها إلى ضابط المخابرات الروسي " ديمتري أوتكين"، وصفها البعض بأنها شركة عسكرية خاصة أو وكالة خاصة للتعاقد العسكري وخوض الحرب بالوكالة، شاركت كميليشيات تعمل خارج القانون بحثاً عن المال وبالمقابل المادي شاركت في دعم النظام السوري، ومع حفتر ضد الثورة الليبية وحكومتها المنتخبة ..

اشتغلت مع النظام الروسي في ظم جزيرة القِرم في العام 2014م باتت ذراعاً عسكريةً لموسكو ظهر  قائدها "يفعيني بريغوجين" في أوكرانيا على الوسائل الإعلامية يشكو إهمال وزارة الدفاع الروسية في دعمها اللوجستي، تعمد تركها عارية تواجه مصيرها، وكأنها أدركت بأن النظام الروسي لا يريد استمرار تقويتها بالأسلحة والعتاد حتى لا ينقلب السحر على الساحر ويتكرر سيناريوا الحوثي وعفاش..

حاولت التمرد على النظام الروسي مؤخراً زحفت متمردةً باتجاه مدينة "فرونزا" الروسية لتسيطر على بعض القواعد والمنشآت الحكومية دون مقاومة، بيد أنها ليست الحوثي والنظام الروسي وجشيه ليس كما هو عليه من باع على أساس المصلحة وخان بدافع البرجماتية والعصبية والهوى..

عادت فاغنر إلى قواعدها دون أن تُريق قطرة دم واحدة وستتلاشى بعد هذا، هذا إذا نجت من عقوبة رجل الاستخبارت وانتقام بوتن دُب الدولة الروسية االفاجع..على خلاف فاغنر الحوثي التي لم تعد إلى أدراجها كمثيلتها الروسية وخانت داعميها الذين بنو عليها الآمال، استغلت ما كان لها من لوبيات داخل السلطة والأمن والجيش دمرت كل شيء وأتت على  ما بنته الأمة في عقود..  .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي