اليمن والغرب تحديات حضارية وحروب

د. محمد شداد
الجمعة ، ٠٥ يناير ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠٣ مساءً

 

لم تكن اليمن هامشًا بل دونتها سجلات التاريخ وأُشبعت صفحاته بما خلَّده اليمنيون إعماراً  فتوحاتٍ وبناء، غصت الكتب السماوية بذكر اليمن ولم يخلُ كتابٌ سماويٌ من ذكرها، ذكرها المسيح في إنجيل لوقا الآية "31" ذكرها القرآن في سورتي سبأ والأحقاف وأشار  في قصصه إلى أرض الجنين، والأخدود في سورة البروج ونبه الله قريش في سورة الدخان حيث قال "أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم".. أشاد بقوة اليمن وتبابعته وقال لقريش لستم خير الناس كما يدعون.. 

أشاد النبي سليمان بعمق اليمن الحضاري والسياسي وأهميتها بين الأمم والشعوب، كما وصفها كتاب التوراة بأرض الخير والسماحة، امتدحها المصريون القدامى نعتوها بأرض النور ومصدر العطر ولبخور والأرض المقدسـة، كما ذكرها عدد من المستشرقين في مصادرهم بأنها بلد العجائب والغرائب والبلد السعيدة بلا منازع..

 تحدث "برنارد لويس" البريطاني عن الشعوب المهدِدَة لحضارة الغرب بعد أن صنفها إلى ثلاثة أصناف منها الشعوب -الخاملة التي ليس لها تأثير حضاري فاعل، ديني أو جغرافي ماضٍ حاضر أو مستقبل على دول الغرب، - والشعوب النشطة وهي التي ليس لها قوة تأثير حضاري ديني أو جغرافي كدول الشرق المسلمة اندونيسيا، بنجلادش، وماليزيا مثلاً لأنها تتبع الغرب في مشروعه الحضاري والاقتصادي والثقافي ولا تمتلك عوامل التأثير والتهديد، حضورها معها يأتي في إطار التنافس الإقتصادي والنتيجة أن السوق للجميع والأهداف مادية فلا خوف..

 أما شعوب الشرق الأوسط منها اليمن فلديها كل أسباب التأثير، القوة التاريخية الاقتصادية والحضارية، عمرها آلاف السنين مهبط الأديان السماوية منها الدين الاسلامي الذي أصبح أقوى الديانات وأحياها عالمياً، يعتنقه وفقاً  لدراسة أجريت في عام 2023م إثنين مليار شخص ويشكلون حوالي 25% من سكان العالم، تبلغ مفردات اللغة العربية 12 مليون مفردة وتبلغ مفردات اللغة الانجليزية 600 الف والفرنسية 150 ألف مفردة، العربية هي الأقوى.

هناك من الثروات في دول الجزيرة العربية وشمال أفريقيا ما يشبع العالم زراعة ونفط وغاز وثروات بحرية متنوعه، موقع جغرافي يتوسط العالم ويسيطر على ثلاثة مضايق بحرية عالمية هرمز وباب المندب وقناة السويس وتطل على الرابع مضيق قبل طارق سَلَّط عليها كل أنظار العالم ..

 في معتقداتهم لا يجب لهذه الجغرافيا والخريطة السكانية أن تستقر فعملوا بدايةً على زرع إسرائيل في قلب الوطن العربي كي تبقى مصدر قلق واضطراب دائم، بعد أن وزعوها إلى خرائط واخترعوها دويلات ضعيفة بحدود مصطنعة، انسحبوا بفعل المتغيرات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وصعود أمريكا وروسيا كقوى دولية جديدة وعلى إثر حركات التحرر الوطني لغموها بملفات نزاع حدودية عربية بينية مفتوحة، من بينها احتلال وإيران للجزر الاماراتية وإقليم الأهواز،  لواء االأسكندرونه وبين تركيا وسوريا وملفات مشابهة في دول المغرب العربي لا مكان لذكرها..

  تعمدوا ذلك حتى لا تنمو وتستقر بفعل العوامل المختلفة والأدوات سالفة الذكر مقابل المدنية الغربية الهلامية ضعيفة البنية والتكوين وإن بدت في تقدمها الصناعي والتقني العسكري أقوى وأكبر.. 

  وعليه فقد كانت ولا زالت وستظل منطقة الشرق الأوسط حاضرة ومؤثرة ورقماً صعبًا تجاوزها مستحيل رغم كل ما أصابها من وهن فلا تزال أمةً فاعلة بما فيها اليمن أرض قحطان بن هود بن سام عليه السلام أرضٌ يغتلي رغم مآسيها يمنات أخرى يُكتنز  فيها كل غالٍ وثمين، أصالة متجددة تسري الجينات الحضارية  فيها  كما  تسري في بني البشر فتجد لليمني أينما اتجه علامةً فارقة وعقلٌ مبدع وسمعةٌ طيبة مساهمة وبناء في كل مجال.. ولهذا لم ينم الغرب عن المكائد للعرب زرعوا فيها بذرو الصراع والحروب والنعرات العرقية والمذهبية الدينية الطبقية والسلالية، حتى لا تقف على أقدامها وتخطو خطوةً للأمام، شكَّلت النهضة العراقية العلمية والصناعية والاقتصادية للغرب وإسرائيل صداعاً نصفياً فما استكانوا حت حاكوا فتنة غزو الكويت وأتوا على منجزاته العراق بحجة امتلاكه اسلحة الدمار الشامل المكذوبة

فريةٌ ثبت كذبها طُبِعَ حذاء منتظر الرُبيدي على وجه الشيطان بوش الأصغر عند اعتذاره عن خراب العراق، ساعدت بعض العقليات العربية الغرب في مشروعه التدميري للعرب لأنها لا زالت حبيسة ما ضيها ومسكونة بأوهام الحق السلالي المطلق في السيادة والحكم.. 

تعزز الوجود الصهيوني بدعم الغرب الاستعماري، بعد مؤتمر "كامبل بنرمان" وزير الخارجية البريطاني عام 1905م والذي جمع وزاء خارجية بريطانيا، فرنسا، والدنمارك، وهولندا، وأسبانيا، والبرتغال، وخبراء في كثير من التخصصات  واستمر حتى العام 1907م   وخرج بتوصياته منها زرع جسم غريب في الشرق الأوسط كي يكون القاعدة المتقدمة للسيطرة والقمع والإرهاب الاستعماري كونها أي إسرائيل امتدادًا ثقافيًا وإيديولوجيًا واستعماريًا لثقافة الغرب وهيمنته على الدول والشعوب..

وما الحرب اليمنية والتحالف ضد الحوثي الأخيرة إلا أحد تلك السيناريوهات المعدة لتدمير اليمن كجيش مجتمع، ثقافةً، ودين، تكالبت واجتمع عليها الفرس والغرب لتمرير مشروعاتهم المدمرة،  كما اتحدوا لحرب العراق وهزيمته وتدمير مفاعله النووي في 7 يونيو عام 1981م وبتخادم إيران التي ساهمت بامداد اسرائيل بتصوير جوي لموقع المفاعل، وبسند أمريكي وتنفيذ إسرائيلي أتوا عليه دُمِّر كليةً حتى لا يمتلك العرب قوة رادعة إضافةً إلى العوامل سالفة الذكر..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي