في وداع البروفسور عبدالله الذيفاني الأخ والمسؤول

د. محمد شداد
الثلاثاء ، ٠٢ يناير ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٣٧ مساءً

 

تمر لحظات فارقة وحزينة لم يكن يتخيلها الإنسان في حياته بفعل تزاحم الحياة وسرعة مرور الأيام، لحظات المحطة الأخيرة والوداع الأخير للدكتور الأب والأخ الصديق عبدالله بن يحيى الذيفاني، غمرت العاطفة الأخوية في والوداع الأخير له وبحضور السفير باحميد وفي ضيافة السفارة اليمنية في ماليزيا كل الحضور أحاطتنا روح الحزن من كل جانب، لحظات توقف عندها الزمن واستحضرنا ذكريات ما يقارب الست سنوات من شغله وتفانيه، شابتها محطات ثقافية تربوية وعلمية وحراك سياسي تساوى فيها ما مضى من العمر مع ما تبقى لماذا؟

لأنه أشعل الجانب المظلم من الملحقية الثقافية التي كانت عند من سبقوه عبارة عن مصرف مالي لمستحقات الطلاب ورسومهم الدراسية، طريقًا واحدًا كان يربط الملحقية بالجامعة، أحيا الجانب الثقافي الميت، أسس معنا وبتعاون من السفارة والكثير من المثقفين والوطنيين المجالس الثقافية والمنتديات الأدبية والفكرية عاش كل الهموم وضحى بأغلى مايمكلك بالولد الروح والمال والدم في سبيل الوطن أعطى كل مالدية ولم يبخل أنكسرت الانضار أمام تضحياته تلك..

عاش الرجل ثورياً جمهورياً قومياً خالصاً سكن الوطن فسكن كل فؤاده وكل جوارحه، فبات ديدنه همه وقوت يومه، لم تجد لقاءً وديًا أو فعاليةً ثقافية أو اجتماع وظيفي إلا وجدت الوطن يعلو ملامحه وينساب عذوبةً من خواطره ولسانه، ابن القبيلة الذي عاش اليمن كلها باتجاهاته الأربعة وجغرافيته المتنوعة السهلية الجبلية والساحلية الواسعة وفنه وألوانه الشعبية، تجاوز العصبية القبلية والجهوية المذهبية والإيديولوجيا الحزبية، تجاوز كل العقد التي سكنت غيره فأحبطت كل المشاريع الوطنية وجمدت حياة اليمنيين وأعادتهم سنين إلى الوراء.

فَرَدَ أجنحته الوطنية في سماء تعز الأبية وحلَ فيها فنهل من عذبها الثقافي وعانى من عذاباتها النضالية كباقي أبنائها، تخنقه العبارة إذا كانت عن تعز وما تعانية من ظلم وحصار، لأنه عَبَرَ فصار منها وصارت جزءً من كيانه الثقافي والشعوري والعلمي والاجتماعي. أذاب بفعلها كل العقد وكل الظواهر الاجتماعية السلبية..

عاش ظروف اليمنيين في ماليزيا جميعهم دون استثناء ولم يميز بينهم على أي أساس، عاشها كأخ سهل المعشر، وأب حنون الصدر وأكاديمي غزير العلم ومؤرخ عميق الفكرة ومثقف واسع المعرفة، قدوة ومثال استحق التقدير وكل الثناء، عاش ويعيش في غير زمانه أرهقته أمواج الوظيفة العامة عاشها كربان وجد نفسه محاط بأموج عاصفة، لأنه ينحاز دوماً للوطن للمصلحة العامة والعِلم كل العِلم ولم ينحنِ للضغوط.

عاش أكاديمي أستاذ نظيف الفكرة نزيه الروح امتهن العمل كعضو في البعثة الدبلوماسية فكان الدبلوماسية كلها كان إداري الأداء صافي السلوك.

لم أتخيل حياة الغربة بدون البروف عبدالله الذيفاني كان وداعه أصعب وداع عرفته في حياتي، لأني اعتبرته جزءاً لا يتجزء من حياتنا، كان ولا زال وسيظل النور الذي ينير دروبنا الثقافية والمعرفية والمثل الأعلى والمنهل العذب، مثَّلَ المعنى الحقيقي للصداقة والصديق الصدوق، حفر مكانة في الذاكرة وبنى له في كل قلب عرش، من الآن سأشعر بالغربة ومراراتها سأشعر بالوحدة والغربة الثقافية بكل معانيها.. ولو كان أحد يستحق المواساة جراء مغادرة البرفسور أبا مالك لماليزيا، فهو أنا، نسأل الله له التوفيق في حياته والسلامة في الحل والترحال..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي