ليس للتعجيز والبحث عن ثغرات!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الاثنين ، ٢١ أغسطس ٢٠٢٣ الساعة ٠٦:١٤ مساءً

هذا الأسبوع رجع الأطفال في ألمانيا إلى المدارس بعد الاجازات. وفي الإجازة كان هناك اتفاق مع ابنتي كل كتاب تطلع عليه سوف تأخذ عليه نصف يورو والان جاء دور الحساب، وكان حجم ما اطلعت عليه 22 كتاب خلال الإجازة الصيفية. هنا اجد الفرق بين الطالب اليمني والالماني وهو تكامل المدرسة والاسرة والمجتمع، فالمدرسة كان لها دور بارز في بناء قدرات الطفل والأسرة تقوم بدورها ايضا والمجتمع فتح المكتبات وغيره. بمعنى الكل دفع الأطفال للاطلاع والنضج والتمكن. ففي هذا المجتمع هنا هناك دور تكاملي مهم جدا ومحوري بين الأسرة والمدرسة والمجتمع وحلقاته، ومن يعاني اطفاله هنا، سوف نجد أن المشكلة عنده بالدرجة الاولى، اقلها لم تتمكن الأسرة المهاجرة ولم تستوعب العملية التعليمية في الغرب، ولم تقوم الأسرة المهاجرة بدورها كما هو مطلوب، ولذا أقول دائما يجب أن تعرف قواعد ماحولك، وتستثمر وقت مع طفلك، إذا كنت لا تريد تخسره أو صداع أكبر أو سحب طفلك منك كما يحصل في دول الجوار. 

ومن هنا سوف اتعرض للمنهج والمدرسة أولا في هذا المنشور ، فعني اطلعت بالتفصيل على المناهج الالمانية للمدارس الى الثانوية العامة وفهمت سر تفوق الالمان في الجامعة، راقبت بصمت منذ كنت طالب هنا، وباحث ومدرس جامعة، ومشرف وبرفيسور لتخريج مهندسين ودكاترة منهم، ولذا فانا على قناعة ان المهندس او الفني او المهني الالماني هو الافضل بسبب منهجية واحترافية اتقان العمل كما تعلم ذلك في المدرسة. فمن يريد يعرف سر المجتمع يبحث عن محتوى مناهجهم في المدرسة وسوف يجد العجب، فما ننشره من ابحاث ومشاريع بشكل قبل ان يكون حقيقة مطلقة تجد طريقها للمناهج. ولا انكركم انني اشعر بارتياح عندما اجد سرعة مواكبة المنهج لما يصل اليه البحث، والاستخدام، مثل الطاقة المتجددة والخلايا العصبية ومفهوم المعلومة وتنقيح المعلومات في المخ، اي امور طالب الجامعة يحتاج له وقت يفهمها، وقد وصلت لمنهج المدرسة، مما يعني سوف يصل لنا جيل للجامعة بامكانيات افضل.   المانيا قوية بالمدرسة، وسوف تكون افضل، والسبب ليس الجامعات فقط، وانما المدرسة في الدرجة الأساسية. فالمدرسة فهمت وظيفتها بدفع الطفل الى تعلم مهارات يحمي نفسه وينمي قدرته، ويجعله قادر ان يقف لوحده في الحياة دون اسرته متزن ومتلائم فكر وقدرة، يشق طريقه كمكينة مكتملة يعرف اين يتجه. والاسرة عرفت ان مهمتها توصيل ابنها او ابنتها للاستقرار والاستقلال، اي لايدخروا لهم مال، وانما طريق تعليم او تأهيل، لدرج ان الطفل في الصف التاسع يكون مدرك، ماذا يريد؟ حيث يتم بعثهم في بداية الصف العاشر لعمل تطبيق في مختلف الاتجاهات في الجامعات، والمعامل، والمصانع، والعيادات، والرعاية وغيرها، اي كل طفل يعود بعد اسبوعين تطبيق ليعرف، اذا كان هذا طريقه ام يغير. 

 المناهج الالمانية حتى التاريخ والجغرافيا تم صياغتهم بشكل احترافي وعلمي يجعل العقل يفهم ما حوله من ظواهر او سلوك او احداث، يجعل الشخص يحلل ويستنبط ويربط وينتقد، ويتجرد في التحليل بعيد عن رغبته، كيف يريد الشيء ان يراه؟. وعلى سبيل السرد، الجغرافيا هنا في المدرسة تهدف الى تفسير الظواهر البيئية والطبيعية والديمغرافية بشكل علمي والعولمة وتشكيل المدن وتفككها واعادة تخطيطها من منطلقات اقتصادية وديمغرافية وبيئية، بنظريات يفهم الطالب بموجبها الارض من مركزها الى كل شيء في سطحها الى ظواهر الغلاف الجوي وترابط العوامل المناخية و الطبيعية في انظمة بيئية معقدة، اي من دراستي للجغرافيا لقيت العمليات الفزيائية والكيمائية وغيرها في المنهج وكانك تدرس علوم، لدرجة اني تعلمت اشياء لم اكون اعرفها وفهمت اكثر التطور الاقتصادي الصناعي و السكاني والعولمة البيئية والاقتصادية والثقافية، وانواع الانظمة البيئية و الهجرات، واثارها في تشكل الاحياء، والمدن وغيرها، واعتماد الاطلس في استنباط المعلومات البئية، والاقتصادية، والديمغرافية من الخرائط.

اما التاريخ فهو ليس سرد باسلوب قصصي وفقط للجوانب الجميلة وانما تحليل لما حصل في التاريخ الانساني كما حصل ودون زيادة، الذي وصل الحضارة لما نحن فيها. الطالب هو من يستنتج ويحلل ويضيف ويناقش، ومهمة منهج التاريخ زرع افكار مهمة، مثل اهمية الحفاظ على ما نحن عليه من ثوابت ودستور وسلام وتعايش كون ذلك اهم انجاز بشري وصلنا اليه. ولذلك التاريخ مادة اساسية الى نهاية الثانوية مثلها مثل الرياضيات بموجبه يعرف الطالب تطور الثورات الصناعية وتغير اوروبا وعصر التنوير والحركات الثورية كمنهج تغيير، والحروب الكونية، وتشكل الدولة الوطنية، والمرحلة الاستعمارية، والمعاناة البشرية وغير ذلك، ليؤمن ان المستقبل لن يكون افضل من الماضي والحاضر، الا اذا تجنبنا ما اخفقنا به ومنعنا عدم تكرار كوارث الماضي.

اما المجتمع يفهم الطالب فيه تركيب الدولة، ومفاصلها، والعلاقات، والقانون والثوابت، ومنظمات المجتمع المختلفة، وانظمة الانتخابات، والاحزاب و صناعة القرارات، والبرامج الانتخابية، والهياكل المجتمعية، وهناك مواد اختيارية في المدرسة مثل علم النفس او الاقتصاد او الحاسوب او غير ذلك. واما المواد العلمية ففيها ما هو حديث من ما ترسخ في الجامعة والصناعة، وبصراحة لا تقارن من حيث الحداثة، وجودة المعلومة، واشياء درستها انا في الجامعة وكنت استغرب وأنا طالب جامعي، ليش الالمان فاهمين الموضوع وانا جالس اعك وأحفظ وليس افهم؟ وعلى سبيل المثال دوائر التحكم الالي من الانظمة البيولوجية او النظريات الاحتمالية او الزمرة، ومنطقها او الدلات التفاضلية ومعناها أو التوزيعات الطبيعية أو الدوائر الكهربائية أو أنواع الحركة وغيرها. 

اما اللغات الاجنبية فتجد الطفل او الطالب يتعامل مع الانجليزي و لغة او لغتين حسب ميوله. اما الرسم او مادة الفن فهي تفجر مواهب الطفل لتنصقل اكثر في مهنة او احتراف تنفعه، ويكفي ان تعرفوا ان في مادة الرسم في صف ثالث ثانوي يتعلمون فيها المناظير والمجسمات والتقسيمات الهندسية كأنهم معمارين اي عمارة مع تقسيمها حسب مخطط معين وهكذا، ولذا مايحصل من بناء داخل المدن اليمنية فالطفل الالماني سوف يجده خارج نظام التخطيط العصرى والبيئي، وفي صفوف مبكرة يتعلمون صناعة الافلام والاعلانات والرسوم المتحركة. 

واما الرياضة ففي الصف الثاني والثالث ابتدائي يكون سباحة اي مهارة السباحة، ويكفي ان تعرفوا انني تعلمت السباحة هنا وانا في الجامعة، وكانوا الاطفال يضحكون علينا اننا كبار وننزل بمسبح الاطفال والمدربة تشرح لنا. ولا يكتفي الامر هنا على الكتاب، فطلاب المدرسة يعتمدون بشكل مستمر على مشروعات بحث، اي تجميع معلومات وتنسيقها وتحليلها والدفاع عن ذلك كمحاضرة يعملها الطالب تعزز ثقته بنفسه يقف امام غيره وغير ذلك ومختصر الموضوع الرياضة والموسيقة والرسم يخرج لنا هنا جيل صحيح، وذو امكانيات و هوايات مختلفة. والمناهج تختلف من ولاية لاخرى في التفاصل وليس في الاتجاهات والاهداف والثوابت المجتمعية والدولة والمهارات، التي يجب ان يتعلمها الطالب .

 نحن نفهم العملية التعلمية في اليمن بشكل عبثي، نرتكب كارثة دون ان نشعر بحق ابنائنا بمناهج لا تواكب العصر وموضوعات لا تفيد، وسرد ممل ومعلومات قديمة ومثاليات كاذبة وخطابات ذات نكهة مريضة وعدائية تصنع وعى مزيف. نشغل ابنائنا بصراعات وتفكير مليشيات مذهبية ومناطقية وباشياء غير حقيقة لا تنمي مهارة، ولا تفجر طاقة ابداع ولا تجعل الطالب معتمد على ذاته في استنباط الحقيقة ولا تجعله قادر يواجه مجتمع بفكر وليس بلوك ومكارحة، ولا تجعله معتمد على ذاته ويستعد للدخول عالم المهن والجامعات والمنافسة وغير ذلك.

طلابنا في اليمن لا نجهزهم للننافس بهم في صراع العقول كون تنتهي العملية التعليمية بالغش، وتنتهي جامعته بالوساطة، وهذا يكون في يوم ما مقرر تنمية او تخطيط وهو مجرد كارثة متنقلة، عندما يصل لمفصل في الدولة يتصرف بغريزة انانية وبالاصح حيوانية لا تهدف الا الاستحواذ على الوظيفة وامكانيتها له ولاهله حتى لو تدمر المجتمع كون المدرسة لم تجعله متزن وعاقل. البلد تشجع الفشل، فالدولة لم تكلف حالها تقول نجمع عقول اليمن في الخارج والداخل يجهزون طلابنا بالمناهج العصرية وينقلون افضل ما يكون. فعندنا برفيسورات في الخارج يستطيعون عمل الكثير للبلد اقل عمل هو تطوير المناهج التعليمية في اليمن ونقل التجارب التعليمية الناجحة في بناء جيل يمني قادر على فهم العلوم والمعارف والقدرة على الابداع، جيل يعتمد على استخدام المنطق والعقل واستنباط المعلومة وتحليلها بدل التلقين والحفظ وفي النهاية الغش. 

تطوير المناهج عملية مرحلية معقدة تقتضي تطوير المدرس والبيئة والرقابة بجانب المنهج، ولكنها ليست مستحيلة، لو تم تحديد ذلك على مراحل نتكفل بها مع الحكومة بخطط ومهمات موزعة واضحة ومجدولة. لذلك البرفيسورات في مقدمة المشهد العلمي في الخارج عليهم مهمة اصلاح المناهج التعليمية والتركيز على الشباب الصغير، الذين لن يقدروا على الصمود في الاسواق المفتوحة القادمة كعمالة منافسة وبالتعاون مع برفيسورات من الداخل. نخبة اليمن لابد ان تترك اثر في المجتمع والمناهج التعليمية هي البوابة الاولى في بناء جيل للثورة الصناعية القادمة.

الان بيطلع واحد يقول، طيب تحركوا ونحن معكم، وسوف نحاول نقنع فلان وعلان. والاجابة بالمختصر، الدولة موجودة في هذه الصفحة كانت سلطة صنعاء او الشرعية، والتعليم مهمة الدولة، وهي خانة تصب في صميم الامن القومي، اي الموضوع استراتيجيات لابد تنهجها الحكومة ممثلة بوزارات التعليم المختلفة، ولا يمكن نقول لمغترب اترك عملك وقم بواجب الدولة والمسؤول يفتهن ويتفسح. 

هنا لا أريد المقارنة ولكن اكتب لكي يتحسن عملهم ويعرفون كيف مناهج غيرنا وكيف تتكامل الأسرة والمجتمع مع المدرسة في بناء قدرات الأطفال، وليس للتعجيز والبحث عن ثغرات.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي