مفتاح النصر.. توسيع "الاصطفاف الوطني" وتوقيع "ميثاق شرف"!(2)

د. علي العسلي
الأحد ، ٢٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٤ مساءً

ينبغي ألا يحاكم الناس وقد أصبحوا في قبورهم، ويُستحسن ذكر محاسنهم..

صحيح أنه من حق أي إنسان التعبير عن ارائه، ولكن ينبغي آدباً وأخلاقاً وقانوناً عدم الإضرار بحق الأخرين أكانوا ميتين أم أحياء.

ومثلما هناك حق على الأحياء لمن رحلوا عن دنيانا.. فهناك حق مماثل و أولى أيضاً للأحياء وأمواتهم من الأحياء؛ فلا تجرح وتستفز مشاعرهم في مُصابهم..

وبهذا المقام ألفت نظر الجميع بأن هناك من يتألم ويذرف دموعاً ويعيش كمداً، منذ ما يقارب الستة والأربعين سنة، على من فقدوهم، والذين كانوا مشعلاً ومنارة مضيئة على طريق الحرية والاشتراكية والوحدة، كانوا رجال التغيير، إنهم كوكبة نيرة من ابناء اليمن على رأسهم القائد المفكر المناضل الشهيد عيسى محمد سيف والشهيد سالم السقاف والشهيد عبد السلام مقبل.

أولئك الكوكبة، أسرهم تعتصر ألماً وحزناً، منذ ذلك الحين، منذ أن جرى محاكمتهم صورياً وصدرت أحكام إعدام، بحقهم، وعددهم(21 ) شهيداً"عسكرياً ومدنياً" ، ولا ننسى اخرون كثر، مخفيّون ولا يعلم عنهم أهاليهم شيئا..

ومنذ 2011، أقيمت وقفات احتجاجية كثيرة من قبل أسر الشهداء والمخفيين قسراً، والمتضامنين معهم، ورسمت صورهم على جدران الساحات والشوارع.. أفلا تعلمون أنه لحد اللحظة لم يتم الإفصاح عن أماكن جثامينهم؟! وأين تمّ دفنهم..؟!؛ أليست هذه جريمة مركبة؟؛ جريمة في القتل وجريمة في الإخفاء. وحان الوقت للإفصاح، أليس كذلك؟!

كان قادة حركة 15 أكتوبر، 1978، هم قادة الصف الأول للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، وخسر التنظيم والوطن هؤلاء الرجال الرجال.. ورغم الخسارة الكبيرة، فقد استمر التنظيم، وكان أول تنظيم يخرج للعلن قبل إعادة الوحدة المباركة بعام، واستمر يناضل ويكافح رغم الملاحقة والإقصاء عقب انتفاضته المبكّرة..

ولقد أسهم التنظيم في تثبيت الديمقراطية، وأسهم كذلك بشكل فعّال كجزء من المعارضة في تشكيل التكتل الوطني للمعارضة، ثم اللقاء المشترك، ثمّ التحالف الوطني الداعم والمساند للشرعية.. هذه هي السياسة، وهذا هو فن الممكن، وهذا هو العمل السياسي، فمن كانوا اعداء بالأمس أصبحوا حلفاء اليوم.. وفيهم ولو من باب العلم من يعرف أماكن دفن شهداء التنظيم، فالشراكة والتحالفات تقتضي الإفصاح عن ذلك..

فالعمل السياسي بالضرورة يفضي إلى المشاركة لا إلى الانعزال، إلى المرونة لا إلى التصلب، خصوصا وأن من ناضل وضحى لم ولن تذهب تضحياتهم سُدى، فقد تبعهم ثائرون ولو بعد حين، وحاولوا، كما حاولوا هم، بشكل مدني سلمي، وصار الذي صار..

أكرر طلبي لمن هم في إطار الشرعية وعلى علم بأماكن دفن شهداء حركة 15 أكتوبر 1978 م، الإفصاح عن ذلك..!؛ فالعلاقة التحالفية القائمة ، المفروض أن يتصاحب معها المكاشفة والإفصاح..

وكلي رغبة ويحدوني الأمل ومعي أسر الشهداء وقيادة وكوادره التنظيم وانصاره في الإجابة على سؤال: " أين دفنت تلكم الكوكبة من الشهداء؟"؛ أطلب تعجيزي هذا؟؛ هذا أقل شيء.. وهذا حق شرعي وقانوني وإنساني.. أليس كذلك؟!؛

أثرت هذا الموضوع في معرض الحديث عن توسيع التحالفات وتوقيع ميثاق شرف بين الأحزاب والمكونات المشكّلة للتحالف، وادرك حساسية الموضوع، ولكني أجد انه من المهم إثارته، ليس لاستدعاء واستحضار الماضي للمزيد من الصراع، وإنما للبرهنة على مصداقية التحالفات الحالية المبنية على الصراحة والمكاشفة لما أخفي من الماضي، ولجبر الضرر لمن تأذى، وبالتالي التوجه نحو المستقبل بعقول صافية، وقلوب لا تحمل ضغاين، ولإنني وجدت في كتابات من يكتب احتقان ينبغي تنفيسه، وسبر غوره، حتى لا ينفصم الواقع عن المتفق عليه بين الأحزاب!

كما أنني أطالب هيئة التشاور والمصالحة، بالاهتمام بمعالجة ملف جثامين حركة 15 أكتوبر 1978، فهو من ملفات الصراع، واطالب أعضاء التنظيم فيها، بتحريك ملف الجثامين والمخفيين قسراً، إذ في الهيئة أربعة قيادين، أحدهم في موقع نائب رئيس الهيئة، وثلاثة قيادين أخرىن من بينهم الأمين العام للتنظيم، وكون هيئة التشاور والمصالحة من اسمها معنية بذلك، ومهمتها جمع مختلف المكونات، والعمل على توحيد جميع القوى الوطنية، وتهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتال والصراعات؛ والمفروض انها تقوم بإنهاء استحضار الماضي لمعالجة جذوره، وبإغلاق ملفاته بالإفصاح عمّا خفي في أحداثه..

وقد يعاتبني كثير من الأصدقاء عما اكتب، فأنا اكتب بصفتي الشخصية وليس بموقعي التنظيمي هذا اولاً، وطالما وانا كذلك فأنا متحرر من كل قيود، هذا ثانيا؛ أما ثالثاً فأنا (بشر) ومن (الأغيار) ولست جامداً، فأتحرك واكتب في كل اتجاه و في كل الأوقات وبمقتضي الأحداث والمعطيات وبما يقتضي الحال، والخلاصة هي وجهة نظر لا تلزم أحداً..

شخصياً انا أتفزز ممن يذكر من مات بسوء، وقد ذهب إلى ربه وهو الذي سيحاسبه، سيثقل ميزانه أو سيخففه، كما أنني أشعر بإحباط شديد، أن ثورة 2011 فبراير وما تلاها من تحالفات ولحد الآن، لم يفصح عن أماكن شهداء 15اكتوبر وبقي مجهولاً.. وإحباطي هذا ناتج عن أن المدة الماضية وقد تبدلت وتغيرت السلطات، واستولى فيها المنقلبون على ارشيف الدولة؛ ومن كان في صف (الضد)، صار (مع)، ومصدر الاحباط أن الأطراف وكأنها قد اتفقت على عدم كشف أماكن جثامين شهداء 15 أكتوبر.. فلماذا يبقى ملف قادة الحركة والمخفيين قسراً مُهملاً ولا يُبذل من أجله الجهد الذي يستحق؟؛ وهو ملف ديني وأخلاقي وانساني وقانوني!؛

لقد تبدل كل شيء، وظهر كل شي إلا أماكن جثامين شهداء 15 أكتوبر،، 1978.. محبط حقاً!؛ واعتقد أن جريمة الإخفاء وعدم الكشف، أشد وقعاً وتأثيراً على النفوس!

لقد صار الجميع على نفس المركب، فالمصارحة والمكاشفة والإفصاح مطلوب عن هذا الملف وساير الملفات.. فبها تُضيّق الفجوات بين الأحزاب أفقياً وبين قيادة الأحزاب وقواعدها عمودياً..

فعلي الجميع تطهير القلوب والمكاشفة بما في الصدور، والصدق في المواقف، والاخلاص في العمل.. وعلى الجميع وفي المقدمة النشطاء، أن يكونوا معاول بناء وتوحيد، وألا يساهموا في توسيع الفجوة، فتزيد الخصومات، فيرتاح الحوثي منها ويغذيها..فالقول غير الحسن وغير الحصيف يضر بكل المكتسبات!

وأشدّ على التحالف الوطني الذي تأسس لدعم الشرعية اليمنية في 2019.. والمكوّن من ( 16) مكوناً وحزباً سياسياً..وأطالبهم بتوسيع التحالف واستمرار اللقاءات وتعزيز الثقة والسعي في اقرب الآجال للتوقيع على ميثاق شرف، يفضي إلى تنفيذ المتفق، وترحيل المختلف إلى ما بعد إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة ومؤسساتها.. فاستمرار المناكفات والمماحكات بين قواعد الأحزاب، يُعمّر الحوثة، وهو سرّ استعصاء الخروج من النفق المظلم الذي وضع الحوثي اليمن فيه حتى الآن..

فيا أيها الأحزاب والمناصرين للسلطة الشرعية.. اصدقوا واخلصوا في القول والعمل، وأوفوا بكل تعهداتكم واتفاقاتكم تقلحوا.. وللحديث بقية.. يتبع.. (3)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي