- تعد الجنبية التى يضعها اليمنى على جنبه لتصبح جزءا منه يرافقه طوال حياته ، زينة الرجال بحق ، فهى بعض الزى التقليدي اليمنى منذ القديم ، ورمز براعة أهل اليمن تاريخيا فى صناعة الحديد والصلب ، خاصة الأسلحة والسيوف .
- وتكمن قيمة الجنبية فى الرأس ، أى المقبض الذى يتنوع عادة بين الفضة والخشب والعاج وحوافر الجمال وقرون الوعول والزراف ، إلى أن يصل اغلاه ، وهو المقبض المصنوع من العقيق أو قرن وحيد القرن " الكركدن أو الخرتيت " والذى يصفو باستمرار دعكه بالزيت ليصبح مع تقدم الزمن صافيا مثل البللور ، فيستحق عند ذلك لقب " الصيفانى " الذى يبلغ ثمنه أحيانا ملايين الريالات .
- ومعظم الجنابى أو الخناجر اليمنية ، يوجد على مقبضها دائرتان معدنيتان من الحديد ، وأحيانا تكونان من الذهب أو الفضة ، وهما الزهرتان ، ويفصل المبسم ، وهو شريط زخرفى فضى ، بين المقبض والنصل ، وعلى كل من وجهى النصل الحديد المصقول حفر خط مجوف يسمح بتسلل الهواء داخل الجرح لضمان تسممه .
- أما الغمد أو العسيب فعادة مايصنع من الخشب الخفيف ، مثل : خشب البرقوق أو العنبرود ، أو من خشب الصنوبر والطنب ، وهو مغلف بالجلد الملتف بحبال رفيعة وأنيقة ، ويثبت الغمد على حزام من الجلد الخالص ، وهو أنواع مثل : المتوكلى والكبسى والطيرى والمرهى والمركزى ، يزين بتركيبات فضية أو مطلية بالذهب على شكل هلال أو محفظة أو أشكال أخرى . والتطريز الفاخر للأحزمة ، ككل الأعمال الدقيقة التى تشغل بأنامل رشيقة ، يتم عادة يدويا من قبل النساء . فضلا عن ذلك ، فإن الجنبية عدة أنواع وفقا لشكلها ، فهناك القديمى ، والقصبى ، والحسينى ، والقبلى .
- وللجنبية قيمة اجتماعية ، فهى زينة الرجال ، لا يخلعونها حتى فى الصلاة ، يضعون خلفها عادة ، أو داخل العمامة ، مسواك وسكينا صغيرا وملقطا ، وارتداؤها محكوم بأعراف قبلية ، تضبط استخدامها ليس من اليسير تجاوزها ، والحفاظ عليها مرتبط بالكرامة والرجولة . وقد ارتداها السبئيون أيام الدولة الحميرية ، وفقا لما وجد فى القبور ، كما أن تمثال معديكرب الموجود فى المتحف الوطنى بصنعاء ، يظهره وهو يتمنطق بجنبيته ، وقد زينت مقابض الخناجر اليمنية القديمة بالنقود الحميرية .
- والجنبية الجيدة يتم توارثها ، ولا يبيعها اليمنيون حتى لو بلغت بهم الحاجة والجوع مبلغا ، إذ يتفاخرون بها ، فتنسب صنعا وملكا ، يقال جنبية صنعها فلان وملكها فلان . وهناك عائلات معدودة متخصصة فى صنع الجنابى الجيدة ، خاصة فى حضرموت ، اعتادت أن تصنع جنبية واحدة أو إثنتين فى السنة حرصا على دقة العمل وحفاظا على سمعة الجنبية . ولبعض الجنبيات القديمة المشهورة قيمتها التاريخية مثل : جنبية الإمام شرف الدين ، أحد أئمة اليمن فى القرن السادس الهجرى ، والموجودة حاليا بحوزة عائلة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ، رحمة الله تغشاه .
- وإذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه ، كما يقال ، فإن الخبراء يمكنهم معرفة الكثير عن اليمنى من تفاصيل جنبيته التى تتناسب عادة مع مكانة الرجل وثرائه ، حيث يشير نقش حزام الجنبية مثلا ، واتجاه وضعها على الخصر إلى طبقة حاملها الاجتماعية ، ففى حين يضعها القبيلى متعامدة مع الخصر بإتجاه الأعلى ، يضعها القضاة والسادة مائلة لليمين أو اليسار .
- والطريف أن بعض اليمنيين يربطون بين المرأة الجميلة والجنبية فى الشعر والنثر ، فيشبهون أنفها ودقة خصرها وإقبالها فى مشيتها بتفاصيل الجنبية ، بل وحتى افترار مبسمها عن أسنانها يذكرهم ببريق النصلة . فقط العشق اليمنى يمكنه أن يجمع هاتين الإثنتين ، منذ القديم ، منذ أن قال عنترة بن شداد :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
منى وبيض الهند تقطر من دمى
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
- وترتبط الجنبية فى ذهن الكثيرين ، خاصة من غير اليمنيين ، بالتماعها فى أيدى راقصى " رقصة البرع " الصنعانية المشهورة ، فن الفرح الشعبى ، يؤديها الرجال ، خاصة فى الأعراس ، بإيقاع سريع على وقع الطبول " الطاسات " الذى يتغير من منطقة لأخرى ، وبديع مشهد الراقصين بزيهم التقليدي يلوحون بالجنبية مع الإيقاع القوى ، وقد تواكبها البنادق على الأكتاف .
- ولأن الجنبية ، بالنسبة لليمنى ، الذى اعتاد ان يتقلدها على حزام فوق خصره ، تعد لباسا تقليديا أكثر منه سلاح ، وتحكمه الأعراف . لذلك قلما تسمع عن حوادث استخدمت فيها الجنبية ، إلا فى المناطق التى يقولون فيها : " إن الجنبية اذا خرجت من غمدها لا يجوز أن تعود دون دم " .
* المرجع : مصادر متعددة .
-->