ترامب وورقة طرد الفلسطينيين : لعبة السياسة أم هندسة التهجير؟  

عبدالباري علاو
الثلاثاء ، ١١ فبراير ٢٠٢٥ الساعة ٠٩:٤٤ مساءً

 

لم يكن تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول طرد الفلسطينيين من غزة مجرد انفعال لحظي أو زلة لسان غير محسوبة. فمن يعرف نهج ترامب في السياسة الخارجية يدرك أن كلماته ليست عشوائية، بل تحمل بين طياتها أهدافًا تتجاوز اللحظة، وتمتد إلى ما هو أعمق في لعبة المصالح والضغوط الدولية.     

منذ وصوله إلى البيت الأبيض، تبنى ترامب نهجًا غير مسبوق في دعم إسرائيل، متجاوزًا حتى أكثر الإدارات الأمريكية انحيازًا لها. قرارات مثل نقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وشرعنة الاستيطان، لم تكن إلا خطوات في مشروع أوسع، يهدف إلى استمالة اللوبي الصهيوني، وتعزيز موقعه بين اليمين المسيحي المتشدد في الولايات المتحدة. واليوم، يأتي حديثه عن طرد الفلسطينيين من غزة كامتداد لهذه السياسة، في محاولة لاستعادة ذلك الزخم السياسي.

إن الطرح المتكرر لحلول تهدف إلى تهجير الفلسطينيين ليس مجرد مناورة سياسية، بل هو جزء من استراتيجية ممنهجة لإعادة تعريف الصراع، بحيث لا يكون الاحتلال الإسرائيلي هو القضية، بل "أزمة إنسانية" تستدعي البحث عن حلول ديموغرافية. بمعنى آخر، بدلاً من الحديث عن إنهاء الاحتلال، يتم تحويل النقاش نحو كيفية التخلص من السكان، وكأنهم عبء سياسي وليسوا أصحاب حق تاريخي في أرضهم.  

  بنظرة أعمق سوف نرى أنه لا يمكن فصل هذا التصريح عن سياق أوسع يتعلق بملف التطبيع العربي-الإسرائيلي. فخلال ولايته الأولى، دفع ترامب العديد من الدول العربية إلى توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، عبر سياسة العصا والجزرة. واليوم، قد يكون حديثه عن تهجير الفلسطينيين جزءًا من ضغوط خفية على بعض العواصم العربية، لإقناعها بقبول "حلول جذرية" للقضية الفلسطينية، أو حتى المشاركة في مشاريع توطين تحت ذرائع إنسانية.    

لطالما اعتمد ترامب على نهج "الصدمة الإعلامية" كأداة سياسية. تصريحاته غالبًا ما تكون مثيرة للجدل، تهدف إلى إرباك الخصوم، وإعادة توجيه النقاش السياسي وفقًا لأجندته الخاصة. لكن في حالة الفلسطينيين، المسألة تتجاوز مجرد استراتيجيات إعلامية، لتصل إلى إعادة رسم الخريطة السياسية في الشرق الأوسط جذريا.  

قد لا يكون تنفيذ تهجير الفلسطينيين أمرًا سهلًا، لكن مجرد طرحه علنًا من رئيس أمريكي يعكس مستوى الانحياز الذي وصلت إليه السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل. كما أنه يكشف كيف يمكن لترامب أن يستخدم القضية الفلسطينية كورقة ضغط ومساومة، دون أي اعتبار للقوانين الدولية أو المبادئ الإنسانية التي قامت عليها المنظومة العالمية بعد الحربين العالميتين.  

في النهاية، يبقى السؤال: هل كان تصريح ترامب مجرد استعراض سياسي، أم أن خلف الأبواب المغلقة هناك من يخطط لجعل هذا الطرح واقعًا؟ 

الأيام وحدها ستكشف حقيقة ما يجري في كواليس السياسة الدولية.  

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي