خاطرة جمعة (3)-ما بعد رمضان... تدبّر: ما يحبّه الله وما لا يحبّه في السياق القرآني

د. علي العسلي
الخميس ، ١٧ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ١٠:٤٠ مساءً

 

لا شك أن من أحبّ الأعمال إلى الله: التوكل، والتقوى، والصبر، والقسط، والإحسان.

وقد ناقشنا هذه التوليفة في الجمعة الماضية من باب الإحسان، واليوم سنناقشها من باب التقوى، فآية 93 من سورة المائدة تتحفنا بالتكرار والتدرّج المتواصل للتقوى المختوم بالإحسان. قال تعالى:

"لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".

فتدبّر هذه الآية على ضوء ما يحبّه الله، يبيّن أن الإيمان والعمل الصالح قد تكرّرا فيها ليلهمانا مراحل الترقي في هذه الصفات المحبّبة إلى الله.

تكرار كلمة "اتقوا" ثلاث مرات يشير إلى أن الله يحبّ الاستمرارية في التقوى، والتدرّج في مدارج الإيمان.

وخُتمت الآية بقوله: "والله يحبّ المحسنين"، وهو دليل على أن أعلى درجات القرب من الله هي الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه.

إن الله يحبّ الرجوع إليه، فمن عصى ثم تاب واتقى وأقلع عن المعصية، فقد يحبه الله؛ لأن الله يحبّ التوّابين الساعين إلى التقوى.

الدروس والعبر والدلالات:

1. الرحمة الإلهية بعد التشريع:

الله لا يؤاخذ من أكل أو شرب شيئًا قبل تحريمه إذا كان على إيمان وتقوى. في هذا درس بأن الله لا يكلّف نفسًا إلا بما علمت، وتلك رحمة عظيمة.

2. النية والزمان مؤثّران في الحكم:

ما يُؤخذ على العبد لا يكون إلا بعد البيان. فالنية والظرف الزمني يؤثران في وقوع الإثم أو البراءة.

3. الترقي في الإيمان والتقوى طريق إلى المحبة:

"ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا" تدرّجٌ مقصود يبيّن أن الإنسان مطالب بالارتقاء في إيمانه، لا الوقوف عند الحد الأدنى.

4. الإحسان غاية المقصود:

الإحسان هو الذروة في سُلّم القرب من الله، وهو المقام الذي يجلب محبة الله.

5. منهج التربية الربانية تدريجي:

التكرار في "ثم اتقوا..." يدلّ على أن الله يربّي عباده على مراحل، ويحبّ من يسير نحوه بخطى ثابتة، لا من يطلب الكمال من أول وهلة.

دعاء من وحي الخاطرة ومن باب التقوى:

اللهم اجعلنا من المتقين، الذين يحبّهم رب العالمين،

اللهم ارزقنا تقوى تلازم قلوبنا، وتطهّر أعمالنا، وتزكّي نفوسنا،

اللهم اجعلنا ممن إذا أذنبوا تابوا، وإذا ذُكّرت آياتك خشعوا، وإذا دُعوا إلى الخير سارعوا،

اللهم بلغنا منازل المحسنين، ووفّقنا للارتقاء في مدارج الإيمان،

اللهم اجعل التقوى زادنا، والإحسان مقامنا، ورضاك غايتنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

... وجمعتكم مباركة مقدمًا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي