الملكية الفكرية للمرأة في عالم متربص

عمار البذيجي
الاربعاء ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٣ الساعة ٠٥:٢١ مساءً

  في أول خروج لي من القرية إلى المدينة، استوقفتني لوحة لإحدى العيادات الطبية  بمدينة تعز تحمل اسم طبيب يمني وطبيبة اجنبية يشتركان معا في الجد واللقب كما لو أنها عمته، قبل أن أكتشف بعد سنوات أنها زوجته وأنما حملت لقلب زوجها كتقليد غربي يفرض على المرأة التتخلى عن لقب عائلتها والانتساب لعائلة زوجها. 

بعدها بعشر سنوات، تم انتدابي كمتطوع للتدريس في منطقة نائية بمحافظة لحج، وفي إحدى حصص الفقه، كان الطلاب يضحون بشكل هستيري مستفز كلما بدأت في شرح حديث (ولا يلبس ثوب شهرة) غير أن ما استفزني وأوجعني أكثر ماقاله لي بعضهم بعد انتهاء الدرس حين جاء معتذرا وموضحا بأن سبب ضحكهم لم يكن سخرية مني، وإنما لأن خطيبة أحدهم اسمها "شهرة". 

لم يتغير الأمر كثيرا اليوم عما كان سائدا منذ ربع قرن، ولا أعتقد أن المدنية بأفضل حال من الريف، على الأقل في الكثير من العائلات، وعند معظم الرجال، إذ قبل أشهر قليلة من الآن كنت أتحدث لصانعة محتوى نشطة على #الفيسبوك تحمل شهادة الماجستير وتخطط لشهادة الدكتوراه ناهيك عن كونها رائدة أعمال، غير أن ما كنت اعتقده اسمها ولقبها كانا في الحقيقية مستعارين !!! بسبب ما تمليه وتفرضه عليها العادات والتقاليد التي تزال بعضها ترى أن اسم المرأة عورة، وبالتالي فليس من حقها استخدامه الا للضرورة فضلا عن اشهاره على صفحات التواصل الإجتماعي.

استعيد هذه القصص اليوم بمناسبة #اليوم_العالمي_للملكية_الفكرية 26 إبريل والذي أعلنته #الأمم_المتحدة هذا العام يوما ل #الملكية_الفكرية_النسائية، في عالم مريض ومنافق لايزال يشترك فيه الغرب والشرق معا على مصادرة حق المرأة في امتلاك اسمها وهويتها الخاصة، ناهيك عن مصادرة الكثير من المجتمعات والأسر حول العالم لحق المرأة في الميراث وحقها وحق أبنائها في الرعاية والنفقة والسكن وغيرها من الحقوق المادية والمعنوية، ومنعها من حقها في امتلاك ذمتها المالية المستقلة والتصرف بممتلكاتها، وفي أحسن الأحوال التحايل عليها بقوة العرف والقانون حينا، وبدعوى التحرر والمساواة حينا أخر، يتساوى في ذلك مجتمع البداية والمدينة، وعالمنا الثالث وعالمهم المتقدم، لا فرق بيننا وبينهم إلا في الدعاوى والنظريات التي يكذبها الواقع وتدحضها شواهد الممارسة والتطبيق في الكثير من الحالات.

إن الحديث عن #الملكية_الفكرية_للمرأة جزء لايتجزأ من حقها في امتلاك هويتها كفتاة وامرأة قبل أي شي أخر، لا حق لأحد ولالعرف أو قانون في مصادرة اسمها ولا لإجبارها لحمل لقب بديل، ثم يأتي بعد ذلك الاعتراف العملي والالتزام السلوكي بحقها في امتلاك ذمتها المالية واهلية التصرف الشرعي والقانوني فيها دون وصاية، واستيفاء حقوقها وحقوق أبنائها المادية والمعنوية تجاه الأب الزوج والإبن والأخ في مقابل ما تفرضه القرابة وما تبذله من شراكة أسرية وزوجية وحمل ورضاع وتربية سواء أكانت عاملة أم ربة بيت؟ غنية ذات أملاك وأعمال؟ أم فقيرة معدمة؟

ربما لايدرك هذا العالم المتربص بالمرأة والموغل في التخلف أنه لايزال متأخرا عن النبي محمد وعن مجتمع المدينة الأول بأكثر من 1400 عام، مجتمع المدينة الذي احتفظت معه خديجة بحقها في إدارة مالها وتجارتها وزينب بعائدات عملها والتصرف فيه، واحتفظت معه فاطمة وعائشة واسماء وام سلمة وسكينة حتى اليوم باسمائهن وبملكيتهن الفكرية في العلم والرواية والحديث، فضلا عن أن يصادر هويتهن المستقلة، أو يجبر صفية على التنكر  لاسم ابيها وعائلتها اليهودية، أو يتنمر على مارية القبطية بسبب لقبها المسيحي الذي عرفت به.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي