هل تعمل لتأكل؟ أم تأكل لتعمل؟

عمار البذيجي
الأحد ، ١٩ مارس ٢٠٢٣ الساعة ٠٣:١٨ مساءً

 

إذا أردت أن تعرف إجابة هذا السؤال فانظر لحياة الأغنياء، وحتى الناس العاديين، تجدهم صنفين، تتشابه نفاقتهم، ويصرفون كثيرا من أموالهم في الأساسيات والكماليات والوسائل والأدوات المعينة على الحياة، وجعلها أفضل وأكثر رفاهية. 

لكننا عند التمعن نجد أن الصنف الأول ينفق ماله وثروته في الخراب وسوء العاقبة، لأنه يعتقد أن ماله له وحده، وثروته هو أحق بزهرتها دون غيره، فهو يعمل ويكد فيها، ويجمعها ليستزيد، ويشبع بها حاجته، ويعوض من خلالها نقصه. 

بينما الصنف الأخر ينفقها في ذات الشيء ويقتني ما يقتنيه الصنف الأول ولكن بفكر القادة العظماء وحملة الرسالة الملهمين الذين يوفرون لأنفسهم ومن حولهم سبل العيش الكريم ورفاهية الحياة، ليس لأجل المتعة وحسب، ولكن لإدراكهم قيمة الوقت، وأهمية تهيئة ظروف النجاح وأسبابه، فقد علمتهم التجارب أن القليل من الاستثمار في جودة الوسائل وكفايتها ضمان للنجاح وخلقا للمزيد من النمو والاستقرار، ولمعرفتهم أن كلفة الوقت المهدر، والشواغل العالقة تفوق كلفة الاستثمار في جودة الوسائل والظروف، وأن توقي المخاطر مكسب عظيم حين يكون اهمالها استنزافا يصعب التنبؤ به والسيطرة عليه.  فالفرق بين الصنفين هو أن القادة العظماء، يؤمنون بأن الثروة وسيلة للحياة لا غايتها، وحق للمجتمع لهم منها نصيب لا يلهي عن الغاية، واستحقاق لا يعفي من المسئولية ولا يصرفهم عن الرسالة، ولا يقعدهم عن وظيفتهم الحياتية مع بلوغ حد الكفاية أوعند تجاوزها إلى الاستغناء وما بعده، لذلك فإنهم يأكلون ويشربون ويعتنون بجودة حياتهم، ولا يفرطون في أوقات راحتهم، ليضمنوا استمرارية العطاء، وتدفق الطاقة، وتركيز الجهد، لأن النفوس جبلت على الراحة والميل للاسترخاء، فعللوها بالقليل، وكافؤوها لتستزيد، وأعطوها لتعطي. 

في المقابل فإن المغرورون بالدنيا، والمنكفئون على ملذاتهم وشهواتهم ومتعهم، والمفتونون بمظاهر الحياة وزخرفها كغايات مطلقة، ومطالب لهوى النفس، فإن أموالهم وثرواتهم تورثهم العجز والخمول والبطالة، لأنهم جعلوا غاية حظهم من الدنيا العيش لذواتهم، ووجهوا المال والثروة والنجاح لأرضاء الأناء وتعظيم مكتسباتها وحسب. 

فإذا تبين لك ذلك، أدركت أن الله إنما ذم الدنيا وحذر من الطمع فيها والحرص عليها، حين تكون غايتها الاستئثار ومحركها الشهوة والطمع والهوى، أما حينما تكون الثروة استخلافا، ويصبح طلب الدنيا والسعي لتحصيلها أداة يبذل الإنسان من خلالها وسعه، ويضع لطلبها وتحصيلها جهده ووقته ويوجه نحوها اهتمامه، متخذا منها وسيلة لبلوغ غاياته العظيمة، ورسالة إنسانية سامية، ووظيفة حياتية عظيمة، تقتفى سنن وقوانين الاستخلاف، ومقاصد الشرع وضوابطه، فنعم المال الصالح للرجل الصالح، وأعظم به من نجاح يفضي للفلاح، وفوز عاجل يورث الفوز العظيم الأجل. 

لذلك يا صديقى، إن أعطاك الله من الدنيا شيئا، أو ألهمك السعي لطبها ووفقك للكسب الحلال، فلا يكن هدفك وفكرك، أن تعمل لتأكل ولكن، كل لتعمل، وابتغِ فيما أتاك الله الدار الأخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وليكن لك في كل نجاح سعيا واستقامة ونية تبلغ الفلاح، وإياك ثم آياك أن تخلد للأرض، وتفني عمرك في الكد لتأكل وتتنعم وحسب، وتركض فيها ركض الوحوش في البرية نصب عينيك الفرصة، وغاية قصدك الاستئثار بها وحدك. 

والسلام عليك يوم تموت ويوم تبعث حيا

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي