كان الكلام في المجتمع العربي ولايزال صناعة وحياة وتجارة وتقنية عسكرية وأداة سلطوية، وكان #الشعر هو سيد الكلام وسلعته الأثمن الذي تقام له الأسواق، وتنعقد لمبارياته وسجالاته، بل وكانوا يختارون أحسنه فيعلقونه في جوف الكعبة، وكان الفخر و الهجاء و المديح هي أكثر الفنون ذيوعا وأثمنها قيمة وأشدها أثرا للحد الذي يرفع فيه بيت من الشعر قبيلة بعد ذلها كقول #الحطيئة في #بني_أنف_الناقة:
قومٌ همُ الأنفُ والأذنابُ غيرهمُ
ومن يسوّي بأنفِ النَّاقة الذنبا
وقد يحط بيت من الشعر قبيلة ويذلها كقول #جرير في #بني_نمير يهجو شاعرهم
فغضَّ الطَّرفَ إنّكَ من نميرٍ
فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا
في هذا السياق الثقافي للمجتمع العربي، نشأت وتشكلت المقولة الشائعة والمثل السائر #ذل_قوم_لاسفيه_لهم، وفي هذا السياق أيضا يفهم معنى السفيه بشكل إيجابي كحارس وحامٍ وذائد عن الحمى وصانع رأي عام صائن لسمعة الجهة التي ينتمي إليها، بل كان سفيه القوم يعد #سلاح_ردع_شامل فكلما امتلكت القبيلة شاعرا مفوها ومجيدا في الهجاء ومقذعا وقادرا على الاستهداف العميق كانت أكثر مهابة من القبائل الأخرى وشعرائها لأنهم يدركون أن بيتا شعريا ووصفا مقذعا يضرب عمقها المجتمعي وتصبح سبة في جبينها أبد الدهر.
مع ظهور #الصحافة وبدء انتشارها خلال القرن العشرين وتطورها وبزوغ نجم #الإعلام وزيادة دوره وتأثيره في المجتمعات حل الاعلام والصحافه محل الشعر كأداه لسفيه القوم الذي احتفظ بوظيفته التقليدية وفق نمط جديد يتجاوز القبيلة إلى الدولة والحزب والشركة والمؤسسة، كما تزايدت اهمية وظيفته وتطورت مفاهيمها وتوسعت مجالاتها وتعددت ادواتها وتطورت تقنياتها من #بيت_شعر إلى #قصة_خبرية و #تقرير_تلفزيوني و #تحقيق_ميداني و #مقال_رأي و #حوار_مباشر و #برنامج_إذاعي و #بيان_صحفي و #تصريح_رسمي...
مع مطلع الألفية الثالثة وشيوع #تكنولوجيا_المعلومات و #الاتصالات وظهور #الإعلام_الرقمي و #الإعلام_الاجتماعي وتطور تقنياته وإتاحته للجميع، باتت الحاجة ل #وظيفة_سفيه_القوم أكثر إلحاحا للدول والشركات على حد سواء كضرورة وجودية، ووظيفة واسعة النطاق باتساع وتعدد جبهات الصراع السياسي والعسكري والاقتصادي إقليميا ودوليا، واشتداد المنافسة التجارية بين الشركات حول العالم.
#الخلاصة تحتاج #الدول اليوم لتحافظ على سيادتها واستقلالها واستقرارها وتحتاج #الشركات و #المؤسسات لتنافح عن سمعتها وتصمد في وجه السفه الطاغي وتحافظ على استمراريتها ونموها إلى جيش من السفهاء المحترفين لمواجهة جيوش جرارة من الكائنات الهلامية والفطريات اللزجة والذباب الالكتروني والدبابير الرقمية وحتى الريبوتات الآلية التي تعمل بتقنية السفه الاصطناعي.
-->