مسيرة الهدم والدمار الإمامية من الجزار وحتى الحوثي (الحلقة الخامسة)

توفيق السامعي
الاربعاء ، ١٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٤ صباحاً

 

المطهر بن شرف الدين

 

وأما المطهر فقد كان متمثلاً قبح كل من سبقه من الأئمة من خلال الإرهاب والبطش، وفاقهم بطشاً وإرهاباً وتنكيلاً، فهو أشد إرهاباً من عبدالله بن حمزة؛ لا يعرف غير لغة القتل والإرهاب والبطش والتدمير. ففي سنة 934هـ "قامت بعض الاضطرابات في خولان ضد حكم الإمام شرف الدين، فقام المطهر بالتمثيل برهائنهم وقطع أيديهم وأرجلهم. وأدى هذا العنف إلى ازدياد ثورة "خولان"، ولكن المطهر تمكن من إخماد هذه الثورة بعد أن استعمل كل ألوان القسوة في حروبه مع هذه القبائل، فقد تعمد أن يخرب قراهم وحقولهم، كما أمر بأن تقطع أيديهم وأرجل أسراهم، وكانوا حوالي ثلاثمائة أسير"( ).

عمد المطهر إلى قتل الرهائن في سجونه من أبناء خولان، وساء الخولانيين ما فعله المطهر بالرهائن فانتفضوا لقتاله، ولكنه هزمهم، "فأخذ بلادهم وفتح أغوارهم وأنجادهم، ودمر ديارهم، وقطع أعنابهم وأشجارهم، وتركها خاوية على عروشها، كاسفة بقطع غروسها، ولما استأصل بالمغروس والمعمور، تركها خاوية بما ظلموا (هل نجازي إلا الكفور)(عيسى بن لطف الله – حفيد المطهر).

كما كان من بطش المطهر سياسة التدمير للقرى، كما حال الأئمة في كل وقت وعصر، فإذا كان إبراهيم تاج الدين الشريف أخرب مدينة ذمار فقد أخرب المطهر مدينة عمران عند خروجه من صنعاء فاراً من الأتراك، ولم يترك فيها لا مغناً ولا ربعاً( )، فأمر ببنائها مجدداً الوالي العثماني الكخيا سنان.

قام المطهر أيضاً بهدم المدارس المنصورية في عدن، وهي المدارس الإسلامية للدولة الرسولية التي أسسها السلطان المنصور عمر بن علي رسول، والتي نسبت إليه منصورة عدن.

وقد ذكر المؤرخ إسماعيل الأكوع أن "المطهر بن شرف الدين كان سعى في خراب مدرسة العامرية فسلبها محاسنها.

لقد كانت مسيرة المطهر قتلاً ودكاراً فقط، ووصل الأمر به في موضوع العمارة إلى أنه ندم ندماً شديداً على تجديده قلعة طيبة الحميرية في وادي ضهر واعتبرها هفوة من هفواته التي لا تغتفر، وياللعجب!!

 

القاسم بن محمد

أما القاسم بن محمد فقد ذكر المؤرخون أنه كان قد أخرب بيوت وقرى آل عرجاش في حجور من بلاد حجة، كونهم عارضوا دعوته ولم يجيبوا طلبه.

 

المتوكل إسماعيل

عمل الإمام المتوكل إسماعيل على نشر مذهبه وفكره بقوة الحديد والنار، وكان له نصيب وتأسٍ من أسلافه في خراب قرى مناوئيه وهدمها، ومن ذلك مثلاً في سنة 1059هـ أن "جهز ابن أخيه شرف الإسلام الحسين بن الإمام المؤيد بالله إلى قبة خيار، وأمره بخراب بيوتها وإزالة ما فيها لأجل ما وقع بينهم من الحرب والفتنة والعصبية القبلية، فأخرب منها بيوتاً وعروشاً وتركها خاوية وعاد إلى شهارة"( ).

كانت بعض القبائل تدفع الزكاة لبعض فقهائها لتوزيعها بنظرها على سبيل المصالحة بينهم ولم تدفعها للإمام المتوكل إسماعيل ولا ولاته، كبعض قبائل خولان صنعاء، فأرسل المتوكل إسماعيل في سنة 1055 ابن أخيه أحمد بن الحسن "إلى بلاد ملاحا من أطراف بلاد خولان صنعاء فأخرب فيها بعضها وقطع شيئاً من عنبها"( ).

وفي منطقة بوصان من صعدة أرسل عاملها أحمد بن الهادي بن هارون عسكراً على أهلها بتهمة اغتيال نفر فقتل العسكر منهم أنفاراً، وهدموا دورهم وقطعوا أعنابهم...ثم قبض رهائنهم..( ). 

يسجل لنا الرحالة كارستن نيبور جانباً مما شاهد لبعض المدن الصغيرة التي دمرها الأئمة، وقد كانت عامرة بالناس والحياة، فقد "كانت مدينة عماقي [تقع في شمال تعز قبل مدينة القاعدة] فيما مضى مدينة صغيرة، لكنها تعرضت منذ سنوات للدمار، فلم يبقى فيها سوى بضعة منازل، ويقام فيها سوق أسبوعياً"( ).

 

المهدي أحمد بن الحسن:

لم يكن الإمام المهدي أحمد بن الحسن إلا رجلاً من قومه كأسلافه الذين سبقوه انتهج نهجهم في الخراب والدمار والتنكيل بالرعية. في سنة 1089هـ "طلع أحمد بن الحسن الأهنوم وتسور تلك البلاد بجيوشه، فرمى عليهم من بعض قراه وبيوته فأمر أحمد بن الحسن بإخراب تلك البيوت التي وقع منها الرمي بعد الحملة عليهم والقهر فخربها وحرق بعضها"( ). 

ثم "لما تقدم أحمد بن الحسن من سوق الثلوث طالعاً إلى الأهنوم عاطفاً رموا عليه من القرى فوق الطريق، فأمر بخرابها وانتهابها، وخربت قرى في سيران ونحوها وحرقوها بالنار، وأنها حصلت معرة عظيمة في الأهنوم ومن النساء من هرب حاجاً خارجاً ومنهن من راح في الحيود، وانتهب مع ذلك ما في تلك البيوت وكذلك سلاح المحاربين الحاضرين"( ).

وحينما كان قائداً لجيش عمه المتوكل إسماعيل نكل بخولان صنعاء "فأخرب فيها بعضها وقطع شيئاً من عنبها، وذلك بسبب تسليم الزكاة إلى الإمام ورفعها إلى ولاته، وكان من قبل ذلك يسلمونها إلى فقهاء جهتهم على سبيل المصالحة"( ).

وأمر أحمد بن الحسين "بخراب الأهنوم وانتهابها، وخربت قرى في سيران ونحوها وحرقوها بالنار، وحصلت معرَّة عظيمة في الأهنوم ومن النساء من هرب حاجاً خارجاً ومنهن من راح في الحيود، وانتهب مع ذلك ما في تلك البيوت وكذلك سلاح المحاربين الحاضرين"( ).

 

ابنه المهدي محمد بن أحمد (صاحب المواهب)

وكان للمهدي أحد القادة اسمه "صالح بن هادي حبيش [أبو علي الحاكم لذاك الزمن] يرسله لخراب البلاد وقتل العباد فينطلق في سبيل ذلك دون وازع من دين أو ضمير، أمره بتخريب حوث فخربها، وكان يعطيه العدد الكثير من الحوالات لا تدخل تحت مقدور على الضعفاء والمساكين ببلاد المغرب يحملها الرجل ويتقاضاها من الشعب أضعافاً مضاعفة، ومع ذلك لما أحس أن الرجل قد كبر حتى أصبح يخشى منه على الملك أوعز إلى ابن أخيه القاسم فما زال يداوره ويداهنه حتى سلط عليه عبيده فاغتالوه ووضعوا سلاسل الحديد في رقاب أعوانه"( ).

كما عمل المهدي الثاني على خراب المدرسة العامرية، فقد ذكر المؤرخ إسماعيل الأكوع أن "أول من سعى في خرابها الإمام المهدي محمد بن أحمد بن الحسن (صاحب المواهب) المتوفى سنة 1130هـ. فقد أراد هدمها لأنها في زعمه واعتقاده من آثار كفار التأويل، وهم لا قربة لهم، فتصدى له القاضي علي بن أحمد السماوي المتوفى برداع سنة 1117 هـ، وحذره من عاقبة عمله إن هو أصر على خرابها، وتلا عليه قول الله تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها). فتوقف المهدي عن خرابها مكتفياً بهدم معظم شرفاتها تحلة ليمينه: فقد كان أقسم- كما يقال - بأنه سيهدمها"( ).

 

الإمامان أحمد بن المؤيد ومحمد (الناصر) بن المهدي:

عمل الإمام أحمد بن المؤيد وابن عمه الإمام محمد بن المهدي بمن معه من قبائل سنحان ومن انضاف معهم في جمادى الآخرة من سنة 1094هـ على تخريب بعض قبائل وبلاد الحجرية ونهب ممتلكاتهم بالتعاون مع بعض قبائل الحجرية الأخرى كآل مغلس في قدس، "حيث تقدم أصحاب أحمد بن المؤيد إلى بلاد الأحمدي [سامع اليوم] أخربوا بيوت الشيخ وأصحابه وأحرقوها بالنار، وطمعوا ما وجدوا من الغنم والبقر والإبل والأثاث، ثم رجعوا إلى قدس"( ).

..... يتبع

الحجر الصحفي في زمن الحوثي