مثل هذه الايام في عام 1989 رحلت عنها !!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الاربعاء ، ٠٥ اكتوبر ٢٠٢٢ الساعة ١٠:١٢ مساءً

 

من 1980 إلى 1989 كان حال اليمن الشمالي لا يختلف كثيرا عن الخليج من حيث القوة الشرائية أو القدرة الشرائية أو توفر المال أو الأمان والاستقرار. البنوك مكدسة فيها الأموال، والقروض سهلة وبالذات الزراعية دون أرباح، والسكنية بأرباح بسيطة، وكان هناك تشجيع لمن يريد قرضا دون تعقيد، والقطاع الخاص منتعش، والمغترب اليمني كان يتحرك بحرية في العالم، أي الجواز اليمني الشمالي له قيمة، تأخذ فيزا على بريطانيا خلال يومين أو حتى أمريكا أو فرنسا. بمعنى أي مكان في العالم. سفارات العالم في صنعاء والأجانب أفواج في أسواقها، وقتها لم نسمع عن اختطاف سائح في أي منطقة.

أذكر وأنا صغير أبي كان يزوره أصحابه أمريكيون أو بريطانيون أي شقر في صنعاء، وكنا نلعب مع الهولنديين في منطقتنا كرة قدم، كونهم كانوا يشتغلون في خطوط الكهرباء، وكان الهنود والصينيون والكوريون وغيرهم عمالا حولنا في صنعاء أو بقية الجمهورية، أي يغتربون عندنا. الجواز اليمني كان مفتاحا للجميع ولذلك هرب الكثير من أهلي من عدن على صنعاء عبر الحدود المغلقة، واستخرجنا لهم جوازات وعلى المملكة. وقتها اليمني هو يمني أي لا تصنيف ولا اتهام ولا اضطهاد. الوظائف أيضا كانت متوفرة، ومن هو متعلم كان يجد مكانه والدعم الخليجي للدولة لا يتوقف، وكان الشيخ زايد وكثير من أبناء الخليج يتغنون أنهم من اليمن.

المهم وضع اليمن الشمالي كان أفضل من الأردن وماليزيا، أي من كان يريد منحة كطالب كان يأخذ، ومن يريد قرضا يأخذ، ومن يريد أرضا للزراعة يأخذ، ومن يريد يسافر ويغترب أيضا ليس هناك عائق، فاليمني الشمالي في الخليج معاملته كمواطن. عني أذكر كل تفاصل تلك المرحلة، برغم أني كنت وقتها طالب مدرسة، وكنت في مدرسة التضامن في الصافية ومدرسة سيف شارع القصر ومدرسة بغداد وبعدها ابن ماجد. في كل هذه المدارس كان المدرسون من الدول العربية وحتى كان بينهم من هم من المملكة وأيضا من باكستان.فرق الموسيقى والرسم والرياضة المختلفة حتى الكاراتية كانت في كل مدرسة. المعامل والورش والحمامات في منتهى النظافة. فرق الكشافة وفرق النشاط كان شيء طبيعي. والمعاهد الأجنبية بطاقمهم الأجنبي في صنعاء وتعز وبشهائد دولية والمعهد القومي بصنعاء يقدم دورات اللغة الانجليزية مكثف بلاش وفي المساء، لمن يطمح.

الطلاب اليمنيون بعد الثانوية كانوا بمنح من الخليج ودكاترة جامعة صنعاء مرتباتهم أيضا من الكويت وفي كلية التربية كان هناك مطعم حديث مثل الجامعات الغربية الآن، وبلاش لطلاب الكلية أي معهم كروت، وكان طلاب هذه الكلية يستلمون مرتبات وطلاب المعاهد الفنية والمهنية والتعليمية أمامنا معهم مرتبات، وكانوا يبحثون عن طلاب بيننا لهم ميول فني أو مهني.

ومن رخص البلد فقد كان أنا مصروفي ريالين في الابتدائية وارتفعت 5 ريالات إلى الثانوية وكان هذا بذخا، وفي عسكرة الطلاب كنا نتجعثث 3 أشهر في صنعاء من أجل حفلات عيد 26 سبتمبر والعرض فيها كطلاب أمانة العاصمة، وكانوا يصرفوا لنا 5 ريالات في اليوم، والشباب حماس ومتفائل والميثاق الوطني صار منهجا مدرسيا. وضحكت الدنيا معنا وتبحبحت الدنيا، وظهرت ثقافة رائعة في الشركات الخاصة والحكومية والوزارات، وهي توظيف الطلاب في الإجازات الصيفية وبمرتبات محترمة، اي مثل ألمانيا، أي دفع الطلاب لسوق العمل يتعلمون، كيف العمل.

بالنسبة لي كنت أشتغل في صنعاء في الصيف مع 40 إلى 47 طالبا في اليمنية، يتم توزيعنا على الإدارات في الصيف.

اليمن الشمالي كان معه كل الإمكانيات، فمن هو متعلم كان متعلما فعلا ويحلم اكثر ويجد، ومن يبحث عن فرصة يجد، ومن يريد يستثمر يجد.

وتركت اليمن في 9 سبتمبر 1989 انا و 26 طالبا إلى ألمانيا، وما يقارب 1470 طالبا إلى دول العالم وخرجنا ومنهج الثانوية متين ونستطيع ننافس وكان وقتها الغش في الامتحانات مستحيل. رحلنا وقلوبنا وأرواحنا فيها نحمل هموم سنوات الغربة والبعد عنها، وكنا نحسب الايام لنعود لها ولم يفكر اي شخص منا انه سوف يبقى عقود في الاغتراب.

بدل 5 او 6 سنوات تجاوزت 30 سنة اغتراب، رحلنا ورحل أجمل ما في اليمن معنا، وكأنها كانت برحيلنا تنزف مستقبلها وقدرها ولم نستوعب بعد ان صورة اليمن الشابة التي في مخيلتنا قد صارت في الواقع عليها اثار الزمن والهرم والوهن. والسؤال هل اذنبنا بتركها؟ ولماذا يجب ان نستمر بتدمير بلدنا واجبار ابنائنا وبناتنا على الاغتراب والرحيل عنها والبحث عن وطن بديل؟.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي