ولاية علي بن أبي طالب بين تزوير الإمامة والحقيقة التاريخية (الحلقة 20)

توفيق السامعي
الجمعة ، ٢٦ أغسطس ٢٠٢٢ الساعة ١٢:٣٧ مساءً

 

الولاية والإمامة في اليمن

ما يهمنا هنا نحن كيمنيين هو مشروع الولاية والإمامة التي بدأت كفرقة منظمة لها إمام وجيش وأتباع وفكر، دون التشيع والاعتقاد الفردي الذي لم يكن له تأثير على الناس لا في معتقداتهم ولا أمنهم ولا سياستهم.

فبحسب تتبعنا للمصادر التاريخية فقد كانت بداية هذا المشروع السياسي العقائدي العسكري مع ابن إبراهيم بن طباطبا الملقب بالجزار، وذلك لكثرة ارتكابه المجازر بحق اليمنيين المخالفين لمعتقده المعارضين لمنهجه وسياسته، كما كان أخوه القاسم يلقب بالأفطس.

بدأت بذرة الزيدية والفكر العلوي في اليمن على أيدي إبراهيم بن موسى الجزار العلوي، الذي أرسله محمد بن محمد بن إبراهيم (طباطبا) لنشر دعوته في اليمن، حيث كان (طباطبا) من الخارجين على دولة المأمون العباسي، وتغلب على الكوفة وبعض مدن العراق، وأعلن دولته عام 199هـ، ولما توفي قام بالإمامة بعده شاب حدث اسمه محمد بن محمد بن زيد، فأرسل الجزار إلى اليمن، فبدأ الجزار نشر دعوة ابن أخيه في صعدة التي كانت من أعمال همدان، وأخذ يقتل كل مخالفيه والرافضين دعوته، وأسرف بالقتل حتى سمي بالجزار، وذلك لشدة ما قام به من القتل والهدم والتخريب؛ فقد هدم سد الخانق الحميري المشهور برحبان من صعدة، وقام بهدم صعدة كلية ولم يترك سداً ولا أثراً إلا نسفه وهدمه، واستمر كذلك حتى وفاة أخيه محمد بن إبراهيم، وتضعضعت الدولة العلوية الوليدة، وتضعضع معهم حلم الإمامة حتى أحياها بعد ذلك الإمام يحيى بن الحسين الرسي (الهادي).

وكان فعل هذا الجزار أسوة وتشريعاً اتخذه من بعده الإمام يحيى بن الحسين الرسي، ذو الصلة مع الجزار كون طباطبا أخا جد الهادي القاسم، والذي اتخذ كذلك فيما بعد منهج الرسي في الدمار والقتل تشريعاً لمن جاء بعده من الإمام الناصر بن الحسين والإمام المنصور عبدالله بن حمزة وغيرهم، ونجدهم يستشهدون بفعله المدمر في فتاويهم وتشريعاتهم، وهو ما يقلده فيهم اليوم الحوثيون في كل البلاد التي استولوا عليها من صعدة وعمران وحجة وصنعاء همدان وبقية المحافظات اليمنية بعد الانقلاب على الدولة والشرعية كإب وتعز والبيضاء وعدن وذمار وغيرها. جاء هذا الرسي مشبعاً بالحقد الإمامي المتشدد، وهو معتزلي العقيدة، ثم جارودي المعتقد، يكفر المسلمين الذين لا يقولون بإمامة علي على من قبله، وهو الذي قعّد للإمامة في اليمن كنظرية وفقه وتنظيم مسلح وغيره. وقال عنه أحد أحفاده المتأخرين، وهو يحيى بن الحسين، أنه كان معتزلياً، "وكان شيخه أبو القاسم البلخي، ومذهب الهادي في الأصول هو مذهب أبي القاسم المعتزلي"( ). وعند انتقاله إلى اليمن سنجد أن كل الفرق الزيدية الست (الصالحية، والسليمانية، والبترية، والجارودية، والهادوية) ستنتهي وستذوب كلها في الهادوية التي سينشئها الهادي الرسي في صعدة، وهو في الأصل معتزلي يؤمن بالمنزلة بين المنزلتين، كما جاء في مجموع رسائله. 

"والجارودية - أتباع أبي الجارود زياد بن المنذر- قالوا بأن النص في علي جليٍّ موافقة للإمامية من الرافضة، ولكنه قال بإمامة زيد بن علي، والإمامية قالوا: ليس هو من الاثنى عشر المعينين عندهم، ووافقهم في رفض الصحابة"( ).  فالجارودية، "هي فرقة منقرضة مِنْ فِرَقِ المذهب الشيعي الزيدي، ظهرت في زمن إمامة الإمام جعفر الصادق، واستمرّت بعد ذلك عدّة عقود متتالية، أسسّها أحد أصحاب الإمامين الباقر والصادق بعد انحرافه عن خط الشيعة الإمامية، وهو زياد بن المنذر (أبو الجارود)، الذي كان يقول بإمامة الإمام جعفر الصادق بعد أبيه الباقر، وعند خروج زيد الشهيد عمّ الإمام الصادق على حكم بني أميّة، خرج معه ونَصَرَهُ وقال بإمامته"( )، وهي من أوائل فرق الشيعة ظهوراً، اعتنق فكرها الرسي وغيره لقولها بنصية إمامة علي، وهو ما عكسه في معتقده وفكره وسلوكه في حربه مع اليمنيين وأثناء تأسيس مذهبه الخاص في صعدة جمع فيه كل الفكر المعتزلي والجارودي وبقية فرق الزيدية، لذلك فمذهبه خليط جامع لكل أفكار الفرق السابقة.

فقد كفر هذا الإمام الرسي حتى الصحابة أنفسهم وأهل السنة عموماً وليس عامة المسلمين فقط، حيث يقول في مقدمة كتابه (الأحكام): "إن ولاية أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب -عليه السلام- واجبة على جميع المسلمين؛ فرض من الله رب العالمين، ولا ينجو أحد من عذاب الرحمن، ولا يتم له اسم الإيمان حتى يعتقد بذلك يأيقن الإيقان، فمن أنكر أن يكون علي أولى الناس بمقام رسول الله -صلى الله وسلم- فلا بد أن يكون من كذب بهذين المعنيين في دين الله فاجراً وعند جميع المسلمين كافراً"( ).  وعلى هذه الفتوى الرسية والأحكام عنده سار بعده كل الإماميين الذين جاؤوا بعده إلى اليوم، ومثل هذه التكفيرات والشعارات تنضح بها المعتقدات الإمامية في كل عصر وكذلك الحوثية اليوم. أسس الرسي فكره ومذهبه الهادوي الذي يتواجد اليوم في اليمن ويخلط الناس فيه على أنه المذهب الزيدي، وهو في الأساس المذهب الهادوي؛ إذ لا يوجد في الأساس مذهب زيدي، وهو ما يعترف به كبار علماء هذا المذهب وأئمتهم المحسوبين أئمة دينيين وسياسيين مبايعين سراً أو جهراً، كما يقول مجد الدين المؤيدي، في تقديمه علي كتاب "الزيدية نظرية وتطبيق"، يقول: فأمّا المذهب الفقهي المعروف المتداول بين أهل الفقه في اليمن فليس المراد به المذهب الزيدي، كما يتوهم ولا مذهب جملة أهل البيت، بل المراد به في الاَصل كما نص عليه الاَعلام المحقّقون قواعد وأُصول أخذوها من أقوال الاِمام القاسم بن إبراهيم وأولاده وحفيده الهادي إلي الحقّ وولديه المرتضي والناصر عليهم السلام نصاً أو تخريجاً، ثم توسعوا في ذلك فصاروا يذهِّبون علي ما ترجح عندهم علي مقتضي تلك القواعد وإن خالف نصّ الاِمام الهادي إلى الحقّ (عليه السلام)، الذي هو إمام المذهب على التحقيق فضلاً عن غيره"( ).

وقد اعتبر الرسي أنه من لم يحارب مع علي فهو ضال هالك في دينه( )، بل إن معتزل حرب علي، وعطفاً عليها حروب الأئمة الهادوية الشيعية، عندهم في ضلالة ويحارَب كما يحارَب الذين هم ضد الإمامة، وبهذه الفتوى والأحكام سن الرسي تشريعاً لمن جاء بعده بحرب الناس كافة، ولذلك فهمنا كيف يستعدون الناس جميعاً ويعتبرونهم هدفاً لحربهم تأسست عليها فتوى التكفير بالإلزام عند بقية الأئمة في القرون الوسطى إبان عهد عبدالله بن حمزة والقرون المتأخرة إبان إمامة المتوكل إسماعيل. قال الرسي: "فمن أنكر أن يكون علي أمير المؤمنين أولى الناس بمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد كتاب الله ذي الجلال والإكرام والطول، وأبطل قول رب العالمين، وخالف في ذلك ما نطق به الكتاب المبين"( ). وقال: "حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن إمامة علي بن أبي طالب (عليه السلام) أفرض هي من الله؟ فقال: كذلك نقول، وكذلك يقول العلماء من آل الرسول"( ). فهذا محض كذب وتزوير في التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن عدنا إلى مهات كتب الحديث والسير ما لقينا مثل هذه الأقوال المفتراة على الرسول، ولم تظهر مثل هذه الأقوال لا عند علي نفسه ولا عند بنيه وأحفاده، فالأئمة يتجرؤون على الله الكذب والتضليل والتزوير في سبيل إمضاء أجندتهم وأهدافهم والانتصار لها بكل السبل؛ فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، وهو نفس المنطق المكيافيلي الذي جاء بعدهم، بل إن هذا السلوك في تبرير أفعالهم مأخوذ من الثقافة اليهودية والسلوك اليهودي. بعد غزو الرسي صعدة عام 284هـ أسس النظرية الإمامية الخاصة بالهادوية والشيعة بشكل عام، التي هي نظرية البطنين. يقول في مقدمة كتابه الأحكام: "فمن كان كذلك من ذرية السبطين – الحسن والحسين- فهو الإمام المفترضة طاعته، الواجبة على الأمة نصرته. فتجب طاعته على الأمة والمهاجرة إليه، والمصابرة معه ولديه، فمن فعل ذلك من الأمة معه من بعد أن قد أبان لهم صاحبهم نفسه، وقصد ربه وشهر سيفه، وكشف بالمباينة للظالمين رأسه، فقد أدى إلى الله فرضه.

ومن قصر عن ذلك ولم ينصب نفسه لله، ويشهر سيفه له، ويباين الظالمين ويباينوه، ويبين أمره، ويرفع رايته، ليكمل الحجة لربه على جميع بريته، بما يظهر لهم من حسن سيرته، وظاهر ما لم يبدو لهم من سريرته، ومن قصر في ذلك، كانت الحجة لله عليه قائمة ساطعة، منيرة بينة قاطعة {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}( ).  وهذه كانت خلاصة النظرية الإمامية الرسية في ولاية البطنين. فقد كان الرسي قبل أن يحتل صعدة يحمل عقيدتي وفكري المعتزلة والجارودية الزيدية، ثم إنه لما استقر بصعدة أسس مذهبه الهادوي، وصار الناس يخلطون بينه وبين المذهب الزيدي، فيقال الزيدية عموماً، ولم يكن إلا الهادوية فقط، فزيد لم يكن له مذهب بعينه، كما أوضحنا سابقاً. 

وهذا المذهب الهادوي هو المؤسس والمنظر للعنصرية والسلالية وللتكفير بالإلزام، وللمجازر المختلفة، وجبي العشور عن المواطنين، والمؤسس لكل الجرائم الإنسانية بحق اليمنيين. وقد كرس الرسي لها الدعائم المختلفة، وحشد لها النصوص المزورة المتعددة، فقال مما تقول به عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى".

وتقوّل عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما أحبنا أهل البيت أحد فزلت به قدمٌ إلا ثبتته قدمٌ، حتى ينجيه الله يوم القيامة". وتقوَّل عن الرسول: "النجوم أمكان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم من السماء أتى أهل السماء بما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض؛ فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون"( ).

وهو الذي أوّل النصوص القرآنية لإثبات إمامة علي، فقال الرسي: "ثم يجب عليه أن يُعلم أن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، ووصي رسول رب العالمين، ووزيره وقاضي دينه، وأحق الناس بمقام رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم، وأفضل الخلق بعده، وأعلمهم بما جاء به محمد، وأقومهم بأمر الله في خلقه، وفيه ما يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ}( )، فكان مؤتي الزكاة وهو راكع علي بن أبي طالب دون جميع المسلمين. [هذه الصفة صفة كل المؤمنين ولم تكن خاصة بعلي ولا خصصته وحده ولا أنزلت فيه]، وفيه يقول الله سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}( )، فكان السابق إلى ربه غير مسبوق، وفيه يقول الله - عز وجل: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}( )، فكان الهادي إلى الحق غير مهدي، والداعي إلى الصراط السوي، والسالك طريق الرسول الزكي، ومن سبق إلى الله، وكان الهادي إلى غامض أحكام كتاب الله؛ فهو أحق بالإمامة؛ لأن أسبقهم أهداهم، وأهداهم أتقاهم، وأتقاهم خيرهم، وخيرهم بكل خير أولادهم، وما جاء له من الذكر الجميل في واضح التنزيل؛ فكثير غير قليل. وفيه أنزل الله على رسوله بغدير خم: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ( )"( ).

فالمعلوم عند كل المسلمين والصحابة والعلماء أنه لم تنزل آية أخرى بعد قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}( ) فكانت آخر ما نزل من القرآن في يوم عرفة في حجة الوداع، وهذا يكشف جهل الرسي بهذا الأمر، وأنه يزور باطلاً! لم يكتف الرسي بتأسيس نظريته على باطل بل إنه حكم على كل الناس بوجوب طاعته وطاعة أي داعٍ للإمامة أو ما يسميه "القائم لله"، ولم يعذر أي متخلف عن نصرته ووجوب اتباعه وتقديم نفسه في سبيله، فقال: "فإذا كان كذلك، ودعاهم إلى نفسه، والقيام لله بحقه، وجبت على الأمة طاعته، وحرمت عليهم معصيته، ووجبت عليهم الهجرة إليه، والمجاهدة بأموالهم معه وبين يديه، وكانت طاعته والهجرة إليه، والتجريد في أمره، وبذل الأموال والأنفس، والمبادرة إلى صحابته، والكينونة تحت كنفه، فرضاً من الله على الخلق، لا يسعهم التخلف عنه ساعة، ولا التفريط في أمره فينة، إلا بعذر قاطع مبين عند الله سبحانه، من مرض أو عرج أو عمى، أو فقر مدقع عن اللحوق به مانع...إلخ"( ). 

وعند هذا الإمام لا يجوز التخلف عنهم أبداً إذا وصلتهم الرسائل، أو العلم بخروج إمام منهم، ولا يجد عذراً للحياد والتخلف أبداً لمن أراد اعتزال أمرهم، واعتبر المتخلفين فجرة غادرين وجب قتلهم واستحلال دمائهم وأموالهم وتهجيرهم وتشريدهم، ويقول: 

"ثم من سلم من ذلك (يقصد الأعذار البينة التي ذكرها آنفاَ)، ولم يكن في شيء من أحواله كذلك، ثم تخلف عنه من بعد أن تبلغه دعوته، وتنتهي إليه رسالته، أو يقع إليه خبره، فهو غادر في دين الله فاجر، ولرسوله معاند، وعن الصراط المستقيم عائد، مشاق لله محارب، إلى النار عادل، وعن الجنة مجانب، فقد باء من الله باللعنة، وجاهره بالمعصية، ووجب على الإمام إن حاربه حربه وإهلاكه وقتله، وإن لم يحاربه وتخلف عن نصرته وجب عليه إبعاده وإقصاؤه، وإبطال شهادته، وإزاحة عدالته، وطرح اسمه من مقسم الفيء، ووجب على المسلمين منابذته في العداوة والاستخفاف به، والاستهانة بكل أمره، لا يسعهم غيره، ولا يجوز لهم فيه سواه"( ). وبهذا الأمر يكون الإمام قد وضع نفسه وأنزلها منزل النبي المرسل من السماء، يحق له كل ما كان للنبي!

ومن هنا صار التشريع الإمامي عبر التاريخ لكل جرائمهم بحق اليمنيين وترتبت عليه قضية التكفير بالإلزام؛ فتم قتلهم واستحلال دمائهم، وكذلك تشريدهم ونهب أموالهم، وعلى هذا المنوال يمضي الحوثيون اليوم، ومن لم ير وصولهم إلى هذه الدرجة التي وصفها الرسي فلأن الحوثيين لم يبسطوا سيطرتهم الكاملة بعد على اليمن ليطبقوا ما قاله الرسي حرفياً.   وبهذا التشريع مضى بعده أبناؤه وأحفاده والأئمة المتوردون إلى اليمن على هذا النهج، وبين فترة زمنية وأخرى يفترون أحاديث من تلقاء أنفسهم، ثم ينسبونها للرسول صلى الله عليه وسلم ليثبتوا لأنفسهم حق الإمامة والولاية على اليمنيين وليؤسسوا دولهم على أساس من هذه الأحاديث والنصوص المفتراة، فيقول عبدالله بن حمزة، وكذلك يحيي حميد الدين: ومن ذلك مثلاً قوله: "وقال -صلى الله عليه وسلم: "من سمع داعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبه الله على منخريه في قعر جهنم"! وقال: "من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله في أرضه وخليفة كتابه وخليفة رسوله"!( ). 

وعلى هذا الأساس كرس الرسي منهجه ونظريته في اليمن، وحمل الناس عليها بالقوة، وهو القائل: "والله لئن لم يستوِ لي في اليمن أمر لا رجعت إلى أهلي، أو أضرب الشرق والغرب حتى أقيم لله حجته"( ). وقال أيضاً: "والله لئن أطعتموني لا تفقدون من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شخصه"( ).

الحجر الصحفي في زمن الحوثي