خواطر رمضانية"7" .. الروح في القرآن

د. علي العسلي
الاثنين ، ١٩ ابريل ٢٠٢١ الساعة ٠١:٣٤ مساءً

الحديث اليوم عن ((الروح))، والتي لا يعرف كنهها إلا خالقها، ينبغي الإقرار بذلك ابتداءً 

فلا يوجد للروح تعريف موحد، وهذا طبيعي جدا لأن علم كل المخلوقات محدو وهو أدنى ولا يرتقي لا إلى علم الله ولا إلى قدرته سبحانه جلا وعلا.. وهذا العجز والاقرار فيه يجعلنا نمعن التفكير ونزيد ايماننا من متابعة وعرض هكذا ((عناوين)) كبيرة..

.. ومعاجم اللغة العربية.. تخبرنا عن مادة (روح) بأنها أصل كبير مطّرّد، يدل على سعة وفسحة وزيادة. وأصله الريح. وأصل (الياء) في الريح هو (الواو)؛ وإنما قُلبت ياء لكسرة ما قبلها.. 

و(الرُّوح): هو ما به حياة الأنفس، يؤنث ويذكر، ويُجمع على (أرواح)..؛ ويعرّف الناس ((الموت)) على أنه مفارقة الروح للجسد؟!، ويرى آخرون بأنَّ الروح تُغادر الجسد في حالتين هما أثناء النوم وعند الموت؛ فعند النوم تقبض الروح مع بقاء الجسد حيّاً، أما في حالة الموت فتقبض الروح وتنتهي الحياة في الجسد.. هنا جاء المفهوم في الآية الكريمة (42) ن سورة الزمر ((اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ...))، على أن خروج الروح من الجسد هو وفاة للأنفس كما اشارت الآية ؛ ففسرها بعض المفسرين أن الله يقبض الروح عند فناء أجلها, وانقضاء مدة حياتها, ويتوفى أيضا التي لم تمت في منامها, كما تلك ( فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ) ،أي أن  أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام, فإذا أراد من التقي الرجوع بأرواحهم إلى أجسادها أمسك الله أرواح الأموات عنده وحبسها, وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها إلى أجل مسمى..

.. وللتذكير والتفكير فقد ووردت كلمة الروح في القرآن على عدة أوجه عن نزول الملائكة والروح في ليلة القدر، (في ظني هنا أن ((الروح)) هو جبريل طاووس الملائكة، أو ان في هذه الليلة يجرى تشييك للأرواح وتطبيبها ومد أجالها لمن يشاء، حيث إذا اقتضت مشيئة الله ذلك)؛ وجاءت الروح على وجه ((الروح القدس)) الذي أُنزلت على الأنبياء، وتشير الروح أيضا إلى : "القرآن، الوحي، النصر، رحمة الله، الراحة من الدنيا، والقدرة الإلهية على الخلق"..؛ 

اختم بقول العقاد عند حديثه عن" الروح والجسد"؛ حيث قال: أن الروح والجسد ملاك الذات الإنسانية، تتم بهما الحياة، ولا تنكر أحدهما في سبيل الآخر، فلا يجوز للمؤمن بالقرآن أن يبخس للجسد حقٍّا ليوفي حقوق الروح، ولا يجوز له أن يبخس للروح حقّا ليوافي حقوق الجسد، ولا يُحمد منه الاسراف في مراضاة هذا ولا مرضاة ذاك.  ويقول أيضا: " فمن ضلال التفكير قديما، أنه ساق كبار العقول إلى ذلك الفاصل المتعسف بين عالم النور والفلك الأعلى، وعالم التراب والأرض السفلى". وعلى مثل هذا فـــــــ «التفاضل» المسلّم به بين النور والتراب، وبين الجوهر والعرض قد دار قديما ويدار حديثا — في الدين والعلم — من عزل أصيل بين الصفاء والكدرة، وبين العقل والمادة، وبين الروح والجسد، وبين النقيضين من النور والظلام. إن هذا الاعتساف في التفريق بين هذين الوجودين المتقابلين قد عطل العقل زمنا طويلا َّ عن فهم حقائق الحس، كما عطله — ولا يزال يعطله — عن فهم حقائق التكليف وحقائق الأديان. إن العقل ليعلم اليوم أن ذرات التراب وذرات الضياء من معدن واحد، وأن الحجر اليابس يتفتت فإذا هو شعاع، وأن الشعاع المنطلق ينعقد ويتقابل فإذا هو حجر، وأن الفيصل بين ضياء الفلك وضياء العقل قائم لا شك فيه، ولكن لا شك كذلك في خفاء هذا الأمر على العلم كخفائه على الإيمان. فماذا يقول العاملون بالذرة من «المؤمنين» بالمادة دون الروح؟

ماذا يقولون عن عقل «الدماغ»؛ كيف يرى ما لا تراه العين بشعاع الضياء؟ سيقولون علما ما قال به قارئ الكتاب إيمانًا حني قيل له عن الروح فسمع وصدق وقلبه مطمئن بالإيمان: (قل الروح من أمر ربي وما اوتيتم من العلم إلا قليلا)..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي