الدافعيّة في النظرية الهادوية

د. ثابت الأحمدي
الثلاثاء ، ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٠ الساعة ١١:٤٩ صباحاً

 

الدافعية Motivation الدافعيّة عند علماء النفس مصطلح يدل على سلوك الأشخاص في المواقف المختلفة، فهو يدل على العلاقة الديناميكيّة بين الكائن الحي ومحيطه، ويضم العوامل الفطريّة والمكتسبة، الخارجيّة والداخليّة، الشعوريّة واللاشعوريّة، وكل ما يتعلق بالنشاط الذهني والحركي، فهي مجموعة من الحوافز موجودة في سلوك الكائن الحي، سواء كان حيوانًا أو إنسانًا، ويختلف السلوك الإنساني بأنه قائم على اختبارات واعية، ودوافع موجودة في اللاوعي، وعلماء النفس يستخدمون مصطلح الدافع للتعبير عن الحالة الداخليّة النفسيّة التي تدفع الشخص نحو سلوك معين لتحقيق هدف ما، فهو قوة محركة للسلوك، فالطالب يدرس ويجتهد لتحقيق هدف النجاح، والوصول إلى مركز اجتماعي معين، وهذه الدوافع نستنتجها من السُّلوك الصادر عن الشخص، فالسلوك المتوجه للاختلاط بالناس يكون دافعه اجتماعيًا، وإن كان متجهًا إلى الطعام يكون الدافع الجوع، وإن اتجه إلى الشراب يكون الدافع العطش[1].

فما الدافع إذن في النظرية الإمامية الهادوية؟

إنه مزعوم الحق الإلهي الموهوم، وهو مدار النظرية ومحور ارتكازها كاملة. وهو ما صرح به يحيى حسين الرسي بقوله:

أرى حقَّنا مُسْتودعًا عند غيرِنا ولا بدَّ يومًا أن تُرد الودائعُ

كما قال من بعده أيضا السفاح عبدالله بن حمزة: "ونحن طَلبةُ الحَقِ الذي غُلبنا عليه، وورثة العِلم الذي دعونا إليه، ونحن الموتورون، وطَلبة الدم، ولو لم يبق من عمر الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليَوم حتى نملك الأرض بين أقطارها على بني العباس، وعلى غيرهم من الناس، قَال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} الأنبياء:105. ولا يكون ذلك إلا من تلقاء اليَمن، وربك أعلم مَن صاحبه؛ وكل مُستحق يرجو أن يكون صَاحِبَ ذلك، ليُعزَّ دينَ الله، لا ليوسِّع في الدنيا.."[2]

والواقع أن هذا هو منطقُ الرسي، كما هو منطق مَن قبله ومَن بعده من هذا الكيان، وهذا هو سر ديمومة هذه النظرية على اعوجاج منطقها منذ زمن بعيد وحتى اليوم، لأن الإيمان بالقضايا الكبرى سر نجاحها، سواء كانت صحيحة أم باطلة.

نعم.. إنها سيكولوجيا التنشئة على المعتقدات، والتي تعمل عمل السحر، بصرف النظر عن صحة هذه المعتقدات من خطئها، وليس من جماعة إلا وترى نفسها أنها الحق، والحق المطلق؛ بل والحقيقة الوحيدة، وكل نواميس الكون وقوانين الحياة يجب أن ترتبط بتعاليمها. ومن هنا ندرك سر القسوة والحدة المفرطة التي تتبعها الجماعات تجاه الكيانات الأخرى، المغايرة لها.

يُنشِّئُ هذا الكيانُ أفرادَه صغارًا على التماهي أولا والذوبان داخل الجماعة/ العرق منذ طفولتهم على مفاهيم عصبوية تحمل في بذورها نفي الآخر وغمطه وازدرائه، بالقول: أنت "سيد" وأنت "أفضل" من الغير. وأنت من سلالة أرقى، إلى آخر هذه المصطلحات العنصرية التي تكبر داخلَ عقل الطفل، وتتضخم مع مرور الأيام، حتى تصبح عقيدة راسخة في وجدانه. وفي مرحلة اليفاعة فالشباب يغرس المربي في ذهنه مزعوم مظلمة تاريخية، وحق مستلب، منذ قرون غبرت ومضت، فتكبر معتقداتهم بالمطالبة بحقهم مع كبرهم هم، ومن ثم يصبح كل عنصرٍ في هذا الكيان مشروع ثائر؛ بل مشروع قاتل أو مقتول؛ لأنه يعتقد أن له حقًا اكتسبه من السماء، فاغتصبه المجتمع منه؛ ولأنه يعتقد ــ أولا وأخيرا وهو الأهم ــ أنه مشروع إمام أو خليفة أو ملك، بناءً على مزعوم هذا الحق الواهم.

وباستقراء تاريخ العصبويات سيكولوجيًا نجد أنه كلما كان الهدف كبيرا زادت نسبة الالتفاف حوله والتفاني من أجله، خاصة إذا ما ارتبط بهدف مثالي أعلى، بصرف النظر عن صحة هذا المعتقد من عدمه، ويُعتبر الخروج عن عش هذه الجماعة مروقًا من الدين؛ وربما عُدّ مجرد خروجه فقط منها محاربًا وعدوا، ولو لم ينتقل إلى صفوف الخصم، لأنه تنكر للهدف السامي والأكبر، وبين يدينا نموذج آخر من العُصبويات المعاصرة على سبيل المثال العصبوية "الخمينية" التي تأسست في العام 1979م على ذات المثال الواهم، وهي "الإمامة" وخلقت لها أتباعا من القطيع المؤمنين إيمانا أعمى بما يقوله الأحبار والرهبان..! وقبلها كانتا النازية الهتلرية والفاشية الموسولينية اللتين اتسمتا بذات القدر من الحماس الأيديولوجي والتعصب الفكري لولا الظروف الخارجية التي أحاطت بهما وجعلتهما أثرًا بعد عين، وخاصة الأولى.

الإمامة الهادوية بما تحتوي عليه من "استيهامات" دينية بالنسبة للبعض، وأيضا من امتيازات ومكاسب دنيوية لمن ينظر إليها من هذه الناحية هي الهدف الأسمى، والقضية المركزية التي يندفع لها عناصر الكيان الإمامي، ويعملون من أجلها بالسّر والعلن، صغارا وكبارا؛ بل يوظفون كل شيء لصالحها، وكأنها محور الكون وقانون الحياة، تماما كما كان الحال مع الكنيسة في أوروبا في عصورها الوسطى حيث تداخل مفهوم الدفاع عن الكنيسة بامتيازاتها المادية مع مفهوم الدفاع عن العقيدة، عقيدة الخلاص المسيحية.

ــــــــــــ*ـــــــــــــ

[1] ــ موضوع  على الرابط: https://mawdoo3.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85_%D8%A7...

[2] ـ مجموع مكاتبات الإمَام عبدالله بن حمزة، تحقيق: عبدالسلام بن عباس الوجيه، مؤسسة الإمَام زيْد بن علي الثقافية، ط:1، 2008م، 402.

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي