منذ سنوات طويلة مضت، لم يحتفل اليمنيون بثورتي سبتمبر وأكتوبر مثلما احتفلوا هذا العام، ربما لشعور يملأه الحنين، صاحب النكبة التي يمرون بها، بأنهم لم يعملوا ما فيه الكفاية لحماية الثورتين من القوى التي أخذت تقاومهما وتتربص بهما لصالح مشاريع التخلف والبؤس وتكريس بنى ما قبل الدولة.
من المظاهر التي يجسدها هذا الواقع هي حقيقة أن الثورتين تسربتا، في مجرى النزاع على السلطة والحروب الداخلية، وخاصة حرب ١٩٩٤ بما تحمله من دلالات أهمها الانقلاب على الوحدة السلمية حيث فتحت بعد ذلك الثغرة الكبرى في عملية التسريب تلك، إلى أيدي قوى لم تستطع أن تتمثل قيمهما وأهدافهما وما حملته من معانٍ لتغيير اليمن وبنائه لينعم بالاستقرار والازدهار.
والسؤال الأهم هو، هل ستبقى الاحتفالات مجرد رد فعل عفوي مؤنب للضمير، وغاضب مما وصل إليه الحال، بعد الانقلاب الفاشي الذي أوصل البلد إلى هذا الدمار، أم أنه سيرتب إعادة بناء عملية إصلاح تاريخية في الوعي السياسي المجتمعي متجاوزاً كل ما أفرزته المراحل الماضية من تفكك وصراعات واستقواء. ما أحوجنا إلى قراءة وبحث ومناقشة هذا الواقع المؤلم:
- لتتجدد معه المعرفة بأن ما أصاب اليمنيين من أوجاع وآلام وتشتت إنما يعود في الأساس إلى أنه كانت كلما برزت "قوة"عملت على إقصاء الآخرين وتجريدهم من حقهم في الشراكة الوطنية، حتى تحوصلت السياسة في مستودعات حماية خاصة، غير قادة على الانفتاح على الوطن بأكمله،
- ويتجدد معه ادراك الحقيقة بأن الخروج من هذا المأزق لن يتم بنفس الأدوات التي أدخلته فيه، وأن تحالفاً أرقى وأوسع وأشمل هو ما يحتاج إليه،
- وتتجدد الثقة بأن اليمنيين قادرون على تجاوز هذه المحنة بالعقل والحكمة والتفاهم وهزيمة المشاريع التي تتعدى على الحق الطبيعي للناس في حياة كريمة، وحقهم في امتلاك السلطة وإدارتها، والعودة الى الناس في تقرير مصائرهم، بعد أن شهدوا هذا الخراب الذي تولد عن نبذ الآخر وإقصائه واستعراض القوة واستخدامها بتهور في أكثر من مناسبة، وإغفال حقوق الشعب والمجتمع على كافة الاصعدة التي يتقرر بها وحدها الاستقرار من عدمه، ومن خلاله تسرب هذا المشروع الطائفي الذي رمى به الفساد والاستبداد في وجه اليمن للانتقام.
-->