الاسلام قادرعلى استيعاب متغيرات العصر!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
السبت ، ٢٣ نوفمبر ٢٠١٩ الساعة ٠٩:٥١ صباحاً

 

اليوم سوف تسمعون الخطيب يقول لكم ان حال الاسلام في خطر, و الصح ليس ما قاله او سوف يقوله الامام في طرحه فهو لا يدرك ان حال المسلمين هي مزرية و  في خطر و ليس الاسلام. فالاسلام اليوم يعتبر في افضل حاله مقارنة بالأديان الأخرى من حيث اشغال الفراغات او الحضور اليومي و التأثير النفسي و الاجتماعي في حياة اتباعه رغم الكوارث، التي ارتكبها الفصائل الجهادية و الدينية المختلفة بحقه, و التي نعيش بعض اثارها المؤلمة. اعرف انك تستغرب ان اقول ان الاسلام لازال في افضل حاله مقارنة بالأديان الأخرى. 

الان اترك خلفيتك الفكرية و هل انت ضد الدين او معه و خذ قلم و ورقة لتفهم ما اقصد. فاينما نظرت سوف تجد مظاهر الاسلام امامك و بشكل كبير, كنت ملتزم او ملحد او متذمر و لكن الفارق هو إدراكك و تصورك انت, اي الاسلام هو الشيء الثابت و انت و ادراكك هو المتغير. فان كنت عربي "مثلا مرتد كما تقول عن ذاتك" سوف تجد حولك من هو مثلك و يسرد لك ما تريد ان تسمعه منه, كونه يتوافق معك فكرا, لكن لا يعني ان العالم صار مرتد او متذمر او معجب بما تطرح, و انما الفراغ القاتل هو ما يجعل الكل يعك معك. و ان كنت جهادي سلفي فسوف تجد حولك من يقول لك ان الخلافة الاسلامية لم يبقى لاعلانها الا القليل, لكن لا يعني ان الخلافة صارت امر قابل ان تكون  واقع وانما الاحباط و الاخفاق القاتل الذي يجعله يحلم معك. و ان كنت جني سوف تجد جن حولك و كل ذلك لا يعكس الصورة الحقيقة, لما تريده و خاصة مناقشة امور الاعتقاد. فامور الاعتقاد صراع فكري معقد تبسيطها عبارة عن قناعات اختيارية, كون اقلها الشخص يشعر بسعادة نفسية بذلك.  لذا في الامور الاختيارية يطرح ما يريد حسب منهج عقلاني و يترك للناس الحرية في التعاطي او الرفض مع وجوب احترام معتقدات الاخر مهما كانت لا تتوافق مع فكرك, حتى لا يتحول الامر الى عك و معارك افتراضية لا تنشر فكر و لا تصحح طريق و لا تترك منهج و لا نتيجة. يتحول الامر مع الايام إلى تهريج و تعليقات مزاحية لا يؤثر على أحد.  و ارجع الى الأرقام لكي نشاهد الاثر و هل النقر في جدار الاسلام بهذا الشكل يحدث أثر ام لا؟ 

عني لي 3 عقود في الغرب, لذا فسوف اوصف التغيير الحاصل هنا او في اليمن او المنطقة من زاويتي و بشكل نسبي يمكن ان كاملتها بزوايا اخرى تكتمل الصورة اكثر لفهم الواقع. اقارن ذلك مع ما كان قبل عقود, لكي احدد لي كشخص, هل النقر في جدار الاسلام بهذا الشكل يحدث أثر ام لا؟ انطلق من مختصرات في حياتي لادرك التغيير الحاصل, ففي تركيا كنت مثلا في جامعة اسطنبول و قبلها في جامعة أنقرة قبل اكثر من عقد و نصف من الان و منعت اصلي فيها و لم يسمح لفتاه محجبة تدخل الجامعة و اليوم تغيرت الامور بشكل جذري بعد ان ظن ان الاسلام قد تم ترحيله من حياة العامة. ايضا الاتراك المبتعثون من المؤسسة العسكرية قبل عقدين للدراسات العليا في جامعتي كانوا اصدقاء لي وجدتهم اكثر التزام ديني منا العرب و هذا كان لي غريب و ايضا طلاب اندونيسيا و ماليزيا و غيرهم. فاول ما دخلت مدينتي هنا في المانيا قبل 3 عقود كان لا يوجد الا شخص واحد يصلي, اي حتى تحديد الكعبة لم يكن معروف برغم وجود كمية عرب هنا كطلاب وقتها, غلب على اكثرهم نهج الماركسية. أيضا لم يوجد اي امرأة محجبة في شارع وقتها و ظل ذلك الحال سنوات, اي إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي و اذكر ان اول بنت محجبة كانت فلسطينية تدرس طب و كانت تعاني, كون الكل كان ينظر اليها باستغراب و تعجب. و حديث الشباب و الرجال كانت تدور حول أفكار سياسية او تنظرية او النساء, و حتى تجمعات الشباب العرب في الغرب و الشرق كان بهدف المراقص و الحفلات في غالبها و هكذا .

اليوم الأحوال تغيرت بشكل كامل، ف فقط حولي هنا صار العربي او الهندي المسلم او التركي و الكردي و حتى الشيشاني و الالباني لا يبحث عن مرقص كان شاب أو كبير ولا يهتم بحفلة, و صار هنا اكثر من 3000 مسلم و مسلمة في المدينة يغلب عليهم المحافظة الدينية و هنأ صار جامع ملك أي مبنى كبير يتسع ل 800 شخص و اطفال عرب اتراك واكراد وحتى المان و غيرهم قاسمهم المشترك الاسلام في مختلف المدارس لا يمكن عدهم و نساء و بنات صغيرات بحجابات في كل شوارع مركز المدينة و مطاعم حلال, و صار هنا ايضا مقبرة اسلامية و نحن في مدينة ليست كبير و لا منطقة مهمة مقارنة ببرلين. عندما اوسع نظري في المدن الصغيرة اكثر حولي اجد في "شونا بك" على سبيل المثال اي مدينة ب 32 الف نسمة جامع و 100 اسرة مسلمة كما كتبت الصحيفة و في مدينة "بورج" اصغر منها ايضا جامع و محلات و في مدينة "اشتندال"  ايضا جامع و محلات و هكذا, و عندما تسافر في داخل المانيا او فرنسا او اسبانيا او بريطانيا لن يكون عندك شعور انك مسلم وحيد و المضحك ايضا في محطة مونتي برناس في باريس سوف تجد شحاتين عرب او يتكلمون عربي, و لك ان توسع نظرك اينما تريد.

لذا المظاهر و الارقام تقول ان عدد المسلمين في اوروبا ارتفع بشكل هندسي و سيزداد حتى لو اغلق الاتحاد الأوروبي لحدوده. ففي نظري للسنوات السابقة فقد ارتفعت نسبة المسلمين في السكان الأوروبيين الى اكثر من 4.9 في المائة و صار هناك شخصيات مسلمة منفتحة في البرلمانات و صار صوت المسلم الانتخابي أيضا يحسب بشكل مهم و اذا استمر هذا الاتجاه فقد يرتفع النسبة إلى 14 في المائة بحلول عام 2050 اي بالأرقام المطلقة سيكون في اوروبا ليس أقل من 75 مليون مسلم و هذا يعني أن فرنسا مثلا قد تكون اول دولة يطغي عليها البصمة الإسلامية بشكل عددي و في قارة عجوزة يغلف عليها الشخوخة يعني تغير ديمغرافي كبير لاسيما و في المانيا عدد المسلمين كان يتراوح بين 5.4% إلى 5.7% في عام 2015 و لو استمر الحال كما هو عليه النسبة في ظل هذه الظروف سيكون هناك حوالي 20% في عام 2050 مسلمون او من اصول مسلمة. الحصة في فرنسا و بريطانيا العظمى ستكون اصغر قليلاً. في السويد سيكون أكثر من 30 في المئة. و هناك شيء واحد مؤكد ان عدد المسلمين في اوروبا وايضًا في المانيا سينمو في المستقبل المنظور اي هذا ما يدركه الغرب. و هذا له سببان من ناحية ينتج او يخلف أتباع الديانة الإسلامية في الوقت الحالي اطفالًا في المتوسط ​​اكثر من غيرهم كمتوسط 4 بينما الالمان اقل من المطلوب و هو 1.3 طفل كنسبة و هذا شيء مهم للغرب كون الأطفال ثروة لا تقدر بمال للمجتمعات. ومن ناحية أخرى من المتوقع أن يكون بين المهاجرين و من يطلبون الحماية, الذين يأتون إلى أوروبا نسبة كبيرة من المسلمين كانوا من افريقيا او عرب او من اسيآ بسبب اوطانهم المدمرة و المريضة و الفقيرة في المستقبل. كل ذلك ينعكس على تمدد الاسلام بشكل مباشر او غير مباشر, و الذي نلاحظه ايضا في ارتفاع اعداد الجوامع بشكل غير متوقع و حتى ان هناك جامعات المانية فتحت تخصصات لتأهيل الائمة بشكل افضل بعيد عن ثقافة العنف, التي تنتشر في المنطقة العربية مثلا مما يعني أن الاسلام سوف يصير جزء من الثقافة الغربية مهما تم رفض ذلك و هذا ما صرح به الرئيس الألماني السابق فولف و المستشارة من قبل أن المسلمون جزء من المانيا في وقت قبل ثلاثة عقود الفكرة لم تكون موجودة اصلا .

و نعود للارقام فمن ناحية المساجد يوجد اكثر من 2000 مسجد في المانيا مسجل. و في بريطانيا بسبب تزايد عدد المسلمين تم بناء اكثر من 1500 مسجد - معظمهم من السنة -. و يوجد حاليا حوالي 7 إلى 8 ملايين مسلم في فرنسا بناء على تقديرات تقريبية. اما عدد المساجد فالارقام تشير الى أكثر من 2200 مسجد في فرنسا. ايضا عندما انظر للطبقة المثقفة العربية كانت مهاجرة او مقيمة اجدهم طبقة ملتزمة و محافظة بخلاف الامر عن قبل ثلاثة عقود وحتى من كان متمرد و منفتح رجع يبحث عن ذاته وكأنها رحلة و قدر. صحيح ان خطيب جامع واحد بطرحه و تسلطه فوق المنبر و قلة عقله وعدم ادراكه يجعل الكل يشرد و ينفر من الاسلام و لو وسعت نظرك سوف تجد صراع نفسي داخل الانسان المسلم في الغرب قبل الشرق. صراع لتفسير سلوك من هو مسلم و سلوك ما يطمح اليه. صحيح نلاحظ منهم تذمر من الخطاب الديني و الممارسات من بعض الفصائل في منطقتنا العربية، تذمر من سياسة القطيع, الذي يترك عقله ليسيطر عليه الاخرين، صحيح نلاحظ تذمر من مصادرة الاسلام باسم سلالة، تذمر من عكس اسلام ما قبل 1400 على عالم اليوم دون إدراك للمتغيرات ولا المتطلبات, لكن الكل يتوافق بشكل مباشر او غير مباشر -و اقول الكل بمفهوم الغالب يتوافق- ان الاسلام كمنهج ديني عقائدي ليس مشكلة او عائق للتقدم و الحق بركب الحضارة البشرية و ان الاسلام قادر على استيعاب متغيرات العصر و الخروج بقالب حداثي يخاطب العقل.

لذلك يجب اعادة غربلة المفاهيم و القيم و رفض اخلاقيات العبيد امام شيوخ الدين و رفض القبول باي طرح و اعادة تقييم القيم ان اضطر الامر بحيث نرتكز على تراثنا الحضاري الاسلامي كجذور و ننطلق للحداثة كهدف. فلا يوجد مجتمع استأصل جذوره و انطلق ولا يوجد مجتمع دمر تراثه لكي يثبت انه حداثي و منفتح للغير و نجح و لا مجتمع لبس ثوب غير مقاسه و ارتاح به. لكل مجتمع خصوصية ينقح بتراثه ويغربل شيء طبيعي, لكن لا يشعل الحرائق دون جدوى و لذلك انظر ان الاسلام قادر على استيعاب المتغيرات.

البقية تتبع

الحجر الصحفي في زمن الحوثي