هلوسات كيري !!

د. أحمد عتيق
الاربعاء ، ١٦ نوفمبر ٢٠١٦ الساعة ١٢:٠٨ صباحاً

*يبدو أن الانتخابات الأمريكية وفوز الجمهوريين بمفاصل السلطة المختلفة في أمريكا قد أحدث إرباك في الموقف السياسي العام للولايات المتحدة الأمريكية خاصة كيري الذي يُدير العمليات السياسية لبلده في العالم. وأصبح غير قادر على التمييز ما بين الحق والباطل. بل أنه أدخل بلده في المعمعة السياسية التي أفقدت أمريكا بعض مواقعها في العالم وخاصة في الشرق الأوسط ، وما نتائج الاتفاق النووي مع إيران إلا إحدى الارباكات التي تعيشها السياسة الأمريكية. إذ بدأت تلاحق الوقت في الحصول على مكاسب وهمية تعتمد على قصر نظر في تقييم الأحداث والعلاقات ، و توازن المصالح ما أحدث فراغاً جعل من بعض الدول تطمح إلى ملئه وفرض هيمنتها على المستوى الإقليمي إيران ، و على المستوى العالمي روسيا.

 

وذلك يرجع إلى أن الثقة المتبادلة بين الدول المتحالفة مع أمريكا تاريخياً بدأت تتزعزع بل أن بعض هذه الدول يفكر ملياً في البحث عن تحالفات جديدة تضمن الاستقرار في المنطقة العربية و إفريقيا ونرى الصين ، و روسيا جاهزة بإمكاناتها الاقتصادية ، و العسكرية بل هي تبرز عضلاتها متى ما سمحت لها الفرصة في كل لحظة لتخلخل بذلك الموقف الدولي و تربكه لصالحها ، و تُظهر أمريكا في موقف الضعف ولو آنياً.

وكل هذا يحدث لعدم التزام البيت الأبيض وأدوات سياسته الخارجية ببرنامج أوباما الانتخابي على مستوى العلاقات الدولية وإحداث نقلة حقيقية في حل القضايا المعقدة مثل قضيتنا العربية في فلسطين المتمثلة باغتصاب أرضنا هناك من قبل الكيان الصهيوني وتخلي البيت الأبيض عن حلفاءه لصالح الأصدقاء القدامى بهدف الاستمرار في ابتزاز المنطقة العربية لاسيما في الخليج.

لذلك نرى جون كيري يحاول أن يعوض أيضاً خسارته القديمة في الترشيح للرئاسة ، و خسارة حزبه الحديثة في هذا الأمر يعمل على إنهاء فترته عبر مواقف غير متوازنة يسودها التخبط خاصة في حل القضايا الحية الآن مثل اليمن وغيرها من مناطق الصراع في الوطن العربي ومنذ مؤتمر جدة للرباعية بدأ يظهر الآتي:

1-    وصف كيري الحوثيين بالأقليات رغم أن اليمن لا يوجد فيها أقليات سياسية مع هذا يريد تضخيم هذا المصطلح بغرض الضغط على الشرعية والتحالف في تقديم تنازلات غير مبررة تخلص إلى شرعنة الانقلاب و وضع الشرعية والتحالف في خانة الاتهام. وهذا الأمر إن حدث سيكون له ما بعده من النتائج غير المحمود عقباها.

 

2-    تقديم كيري في بداية الأمر خارطة لحل ما يحدث في اليمنغير مدروسة وغير واضحة كانت عبارة عن تصريحات أُريد بها جس نبض طرف الانقلاب ومدى تفاعله مع المقترحات المطروحة وبعد إبداء موافقة غير صريحة من الحوثي المخلوع ظهرت هذه الآراء في الخارطة المزعومة أنها أممية عبر ولد الشيخ وهي تتجاوز كل المنطق وتدوس على المرجعيات وكأنما الشرعية والتحالف من أحدث هذه الأزمة في محاولة فرض خيارات كما يبدو في السياسة الأمريكية لصالح الأقلية المظلومة في رأي كيري (عصابة الانقلاب الحوثيفاشية).

 

3-    نلاحظ أن الخارطة المزعوم أنها أممية لا تُشير في أي بند من بنودها إلى القرار 2216 الذي يتضمن 24 نقطة تعالج في مضمونها الأزمة السياسية في اليمن التي تسبب فيها الانقلابيونوتحاول إعادة التوازن إلى الحياة السياسية في اليمن عبر ضمان المشاركة للجميع على قاعدة المواطنة المتساوية تحت راية الشرعية ، و القانون.ولم تعتني أيضاً ببنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ولا بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي اعتنت في جزء منها على تنظيم العلاقة بين الدولة ، و المواطنين وألا تكون ملكية السلاح الثقيل واستعماله إلا بيد الدولة.

 

4-    ها نحن نرى أن مليشيات الحوثي المخلوع قد استلبت كل أدوات القوة في الدولة العسكرية والاقتصادية ، و استخدمتها ضد المواطن رغم أنها تزعم أنها ثارت من أجله و تصريحات كيري اليوم تأتي معززة للانقلاب وانقلاباً على القرارات الأممية ، و على منطق السياسة الدولية التي يُفترض أنها تدعم القانون وتحارب الإرهاب، وما حدث في اليمن ويحدث إرهاب بكل ما تعنيه الكلمة .

 

5-    تعد تصريحات كيري اليوم خارج السياق المنطقي للسياسة والعمل الدبلوماسي لانها تُكرس التعامل ، و التفاوض مع أطراف الانقلاب محاولةً استرضاءهاثم أنها تتنقل في العواصم المؤيدة لهذه العصابة غير معتنيةبرأي الشرعية والذهاب إلى عواصم التحالف العربي وهذا هزلٌ لم يحدث من قبل.

6-    مضمون قول وتصرفات كيري اليوم يُظهر سلوك الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض وهي تتجه لتعويض عن الفشل في الانتخابات بمواقف بلهاء في منطقتنا العربية تنحاز إلى جانب العصابات.

7-    يبدو أن كيري والبيت الأبيض أصابهم الخبال بسبب فوز ترامب فصار يتحدث في موضوع اليمن بعيداً عن المرجعيات دون اعتبار للأعراف الدبلوماسية في أخذ رأي الشرعية والتحالف بما يُطرح من مقترحات للخروج باليمن من الانقلاب إلى رحاب الشرعية. بما يعني أن تصرفات الخارجية الأمريكية اليوم تنم عن عدم احترام سيادة الدول.

عموماً يبدو أن هذه الأحداث والحزب الديمقراطي يلفظ أنفاسه في البيت الأبيض تُظهِر انما يجري من مواقف في السياسية الأمريكية عبارة عن هلوسات مريض بالحمى الشديدة لن يكتب لها النجاح وهي ناجمة عن الهزيمة في الانتخابات، وتمكين إيران وأدواتها ومن ورائهم روسيا من مواقع في المنطقة العربية والشرق الأوسط.ستحتاج أمريكا جهد غير عادي لإعادة ما خسرته حتى وإن كان ترامب هو الرئيس فما فُقِد بالغباء لا يمكن أن يستعيده ترامب بسهولة.

وننوه هنا إلى أهمية تمسك الشرعية ومن وراءها الشعب بحقوق الوطن ، والمواطن في إعادة الأمور إلى نصابها وأن لا ترضخ لأي ضغوط مالم تكون نتيجتها مرضية تعمل على الانتصار للوطن أمام كل غطرسات المليشيات ومن يدعمها.

د. أحمد محمد قاسم عتيق/ كاتب وناشط سياسي

الحجر الصحفي في زمن الحوثي