إلى عبدالرحمن الراشد .. هل ما قلته يعد قناعة شخصية أم بإيعاز؟؟

د. أحمد عتيق
الثلاثاء ، ٠١ نوفمبر ٢٠١٦ الساعة ٠٩:١٦ مساءً
*المُتَتَبع لمقالات عبد الرحمن الراشد منذ فترة طويلة يجدها عميقة في مناقشة الوضع العربي، والتأثير الإقليمي والدولي فيه، ولكن المقالين الأخيرين جاءا مختلفين عما سبق بل ومتناقضين مع ما طرحه الراشد من قبل.
 
*يقول الراشد: أن ما قُدِم في مشروع مبادرة ولد الشيخ تُعد (أفكار معقولة) ؛ استغرب هنا أن هذا الوصف لم يُطلق على المبادرات السابقة في جنيف الأولى والثانية ،وفي الكويت الأولى وخاصةً الثانية رغم أن ما قدم في الكويت2 قد تجاوز في مضمونه الجوهر الأساسي للقرار الأممي 2216 والمبادرة الخليجية وكذا مخرجات الحوار الوطني . ومع هذا رأينا كيف أن الشرعية قدمت التنازلات وقبلت مشروع المبادرة آنذاك لأن ما قُدم يمثل الحد الأدنى من التوازن ويحفظ لدولة القانون والشرعية هيبتها في نفسية المواطن البسيط.
 
إنما هذه الأفكار المعقولة حد وصف الراشد نلاحظ أنها قد خلقت أرضية جديدة للتفاوض مختلفة تماماً عن الإنسجام المحلي والإقليمي والدولي مع المرجعيات الثلاث، رغم ذلك هناك من يُرحب بهذه المبادرة وذي صفة رسمية، لكن الكارثي أن يأتي هذا الترحيب من شخص يعرف مسبقاً مخاطر هذه المبادرة وخاصة على الأمن الإقليمي لدول الخليج ثم الأمن العالمي بدءاً من البحر الأحمر ومضيق باب المندب وإنتهاءً فيما قد يجلب هذا الوضع إن نشأ من حرب مدمرة تقضي على كل شيء في المنطقة.
 
*من الأفكار الجوهرية التي نالت إعجاب الراشد تضمين المبادرة " تعيين نائب رئيس للجمهورية تنقل له معظم صلاحيات الرئيس " ما يظهر إعجاب أخونا الراشد هو وصفه لردة فعل الشرعية بالمستعجل إذ يقول " الحكومة الشرعية تعجلت ورفضت فورًا مبادرة السلام، واعتبرتها مكافأة للانقلابيين". لو راجع الراشد كتاباته السابقة في الشأن اليمني لما قال بهذا الرأي ولأدركَ أن هذه الفكرة غير سليمة لاسيما أن مطلب تعيين نائب رئيس جمهورية ونواب وزراء من الحوثيين كان مطلباً مُلحاً من قبلهم وعند رفض هذه المسألة لأنها ستُدار بموجبها اليمن عبر الحوثيين من وراء ستار الشرعية فُرضت الإقامة الجبرية على رئيس الجمهورية في 21يناير2015 وتوقفت العملية السياسية عند حوار صوري في موفمبيك كان المراد منه تجاوز الدستور ومخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية لندخل في عملية سياسية مشوهة يكون القرار الأوحد فيها لسلطة الإنقلاب المستترة بالشرعية لو حصل، وقد رأى العالم كيف أن إظهار القوة عبر مناورات في الحدود كان أول الأعمال والإنجازات التي يفتخر بها الحوثي المخلوع عبر إظهار الغطرسة على دول الجوار.
 
ولذلك فإن رفض الشعب اليمني بما فيه مؤسسة الشرعية لمشروع المبادرة الراهنة جاء عن وعيٍ وفهمٍ ينطلق من معرفة الخلفيات السياسية وتاريخها القريب فضلاً عن البعيد.
 
*يذهب الراشد في وصفه لهذا المشروع بأنه قد ارتكز على محاور المرجعيات بما فيها المبادرة الخليجية وهذا نص قوله : " أنه مبني على المشروع الأصلي الذي عرف بالمبادرة الخليجية، فيها مرحلة انتقالية تقود إلى انتخابات نهائية، والحكومة تكون محدودة الصلاحيات لأنها مؤقتة".
 
هذا الطرح سليم لو أن العملية السياسية لم تُشوه ولم تُخترق عبر بقاء المخلوع على رأس حزب سياسي كبير استطاع بالتعاون مع الحوثيين تعطيل مهام الفترة الإنتقالية في جوانبها شتى، لذا أصبحت هذه الفترة زمناً من دون مضمون سياسي حدثت فيه كثير من الاختراقات الأمنية والاجتماعية بالتعاون مع إيران ما أثر مباشرة في تزايد الإحتقان السياسي الذي أفضى باختلالاته الأمنية والعسكرية إلى حربٍ دُمر فيها كل شيء في اليمن ،ولولا أن التحالف تدخل لأصبحت العاصمة الرابعة صنعاء كما كان يحلم الإيرانيون هي المنطلق إلى التنغيص الأمني والسياسي على الجوار (دول الخليج).
 
ولو لم تحدث هذه الإشكاليات التي أفضت إلى صراع دامي وجرت العمليات السياسية في سياقها السليم لما احتجنا إلى هذه الطروحات والمبادرات لأن اليمن يُفترض أنه قد قطع شوطاً كبيراً في إقرار الدستور ،وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية على مستوى الدولة الإتحادية والولايات.
 
*هنا نتساءل كيف أن مشروع هذه المبادرة راق للجميع رغم أنه شرعن للإنقلاب ،ووضع الشرعية في خانة الإتهام والتقصير والمؤسف أن رعاية دولية ،وكتاباً واعيين بما يُحاك للمنطقة على المستوى القريب في الجانب السياسي والهيمنة العسكرية وفرض وصاية يجري فيها ابتزاز للسلطات العربية؛ يؤيدون مشروع مثل هذا.
 
بل أن الأنكى والأفضع في الأمر هو أن الراشد يتهكم في مقاله على الشرعية ممثلة برمزها فخامة الأخ رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي بقوله في ذات الموضوع " إذا كان الرئيس هادي يستطيع أن يفرض حلاً أفضل بالقوة، أو بالتراضي، من المؤكد أننا سنرحب به وندعمه".
 
هذا النص يوضح لنا أمرين كما قلت التهكم أولاً، ثم أن هذا التصريح ثانياً لا يأتي إلا من جهة تمتلك القدرات والإمكانيات الاقتصادية والعسكرية التي بها تستطيع دعم الشرعية ،أما أن يأتي من كاتب تعودنا على توجيه كتاباته نحو دعم الشرعية وتنوير الرأي العام العربي بالمخاطر القادمة على الأمة عبر تآمر دولي ،إقليمي يُراد منه تأخير مشروع النهوض الحضاري للأمة العربية يُعد تنصلاً عن آرائه السابقة.
*حرصنا في هذا التناول أن نبرز الفكرة الجوهرية لمقال الراشد حتى نخلص إلى التساؤلات الآتية:
- هل ما جاء في المقال ينم عن قناعة شخصية؟ فإن كان كذلك فتلك مصيبة.
- أم أن هذا الطرح ظهر بناءً على إيعاز للكاتب؟ فإن كان كذلك فالمصيبة أعظم.
 
* ننوه للقارئ اليمني والعربي إلى أن فحوى مشروع المبادرة الأممية جاء منتقصاً للشرعية ولنضالات اليمنيين بغرض استرجاع دولتهم المستلبة وقد حدث في سبيل ذلك تضحيات عظيمة من قبل اليمنيين والتحالف، وخسر اليمنيون كثيراً من بُناهم التحتية التي نحتاج إلى إعادة بناءها والوصول إلى ما كنا عليه قرابة الثلاثين سنة.
 
إذاً من غير المقبول أن نتعامل مع مثل هذه المبادرة غير العادلة في مضامينها وإجراءاتها ، ويجب على المجتمع الدولي أن يحترم إرادة هذا البلد المنهك وطموحه في أن يتمتع بحياة كريمة على كل الأصعدة وفي كل المجالات. من غير ذلك قبول العالم بهذه المبادرة ودعمه لها يُعد عبثاً واستهتاراً بما حدث لليمن جراء حرب عامين متواصلين.
 
وأقول إذا كانت النتيجة ستصل إلى هذه النقطة المأساوية المُتضمنة في المبادرة كان الأحرى باليمنيين والعالم من حولهم عدم خوض هذه الحرب فالتسليم بما كان سيحدث أفضل من نزاع دامي ثم تأجيل الصراع فالدخول في حرب جديدة ستكون طويلة المدى بآثار فضيعة على المستوى الإقليمي والعالمي.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي