هدنة الحرب ولعبة المفاهيم القذرة ؟

د. أحمد عتيق
الاربعاء ، ١٩ اكتوبر ٢٠١٦ الساعة ١١:٥٤ مساءً
 
 
*عندما يسمع اليمنيون بإعلان الهدنة لم يعد هذا الخبر يشكل لهم قيمة ذي معنى تؤثر في النفس إيجابياً وتحفز على الانخراط في الأمان. مثلها مثل مفاهيم كثيرة صارت لا تعبر عن مضمونها وإنما تؤدي إلى فهم رسائل أخرى سلبية. وهذا الكلام يأتي بناءً على تجربة في تاريخنا السياسي وما عشناه اثناء فترة حكم المخلوع، إذ شوه كثيراً من المعاني وأساء لها فأصبحت مفاهيم منحرفة عن مسارها ناجم عن سلوك منحرف في السياسة اليمنية.
 
* فمثلاً الديموقراطية في بلدنا وأثناء حكم المخلوع لم تعد تعني حكم الشعب نفسه بنفسه بصرف النظر عن الأساليب وإنما قد شُوِهَت الأهداف والمضامين؛ إذ أصبحت تعني الديموقراطية السيف الجميل المسلط على رقاب اليمنيين فبه يقمع الشعب ويشتري في آن رضا العالم. ولذلك لم يعرف اليمنيون المعاني العظيمة والممارسات الجميلة والسلوكيات المطلوبة عبر مفاصل مؤسسات الدولة للديموقراطية.
 
*وكذلك الأمر في مفهوم الانفصال أصبح منذ 93 مروراً بحرب 94 وحتى الآن ممجوجاً ، مملاً، وممقوت فاستخدام المخلوع له السيء جذره في نفوس اليمنيين بدلاً عن الوحدة وها نحن نرى كيف أن الانفصال أصبح من الأسباب الرئيسية التي دمرت النفسية اليمنية وجزأتها ،ومزقتها إلى حد أصبحنا نعيش معانيه وفي ذات الوقت الوحدة صارت مطلباً وكأننا لابد أن ندخل إليها من جديد وبشروط جديدة تستطيع لأَم المجزأ ،وتوحيد المُشطر بالطريقة التي تقنع أبناء الوطن أن هذه رايتهم التي لا يجب التخلي عنها.
 
* أما مفهوم الإمامة وما كان يلبسه المخلوع من مضامين كريهة توافقاً مع ما يحمله الشعب من رفض لفترة الإمامة وما سببته من سوء في حق وطننا إلا أن إمعانه في تبغيض الإمامة أوحى لنا كعارفين أنه إماميٌ أكثر من الإمام. 
 
والدليل أن الإمام المخلوع قد اجتهد في الانتقام من الوطن والشعب بسبب ثورة 11 فبراير السلمية العظيمة التي أراد اليمنيون بها استعادة حقوقهم المُستلبة وحريتهم المُنتهكة إلى حد أنه أعاد البلد إلى أحضان أحفاد الإمام من جديد ومكنهم من مقدرات البلد السياسية ، الاقتصادية ،والعسكرية.،وما كانت الحروب الستة التي خاضها المخلوع مع الحوثي إلا أسلوب من أساليب الابتزاز ولم تكن دفاعاً عن الجمهورية.
 
*فإذاً المفاهيم والاستخدام السيء لها في بلدنا أصبح الشعب وفقاً لذلك يستقبل منها رسائل خاطئة نتيجة لعدم وجود المصداقية، والاستخدام الأمثللها، وتحري مصالح المواطن، واستقرار اليمن.
 
وهذا ما ينطبق مباشرة على إعلان الهدنة إذ ترك هذا الإعلان صداً على نفسية المواطن سلبياً وتحول من الجاذبية إلى المقت. إذ نعرف مسبقاً أن مجرد إعلان هدنة في أي لحظة من الزمن يعني تحديد ساعة الصفر لاشتعال الحرب بشدة، ومحاصرة المواطن في قوته وأمنه على حياته. لأن عصابة الحوثيفاشي تتعمد مغافلة الرأي العالمي بممارسة الخديعة عبر الهدنة فتحشد مسلحيها، وتعزز جبهات القتال بالأفراد والعتاد ،وتنتقم من خصومها في الداخل عبر الاختطاف والقتل ومحاصرة المدن ،ومحاولة استعادة ما خسرته في جبهات القتال في معارك سابقة لإدراكها أن طرف الشرعية والتحالف ينضبطون بشروط الهدنة حرصاً منهم على السلام وإنجاح العملية السياسية بُغية العودة إلى حياة الأمن والاستقرار. تحقيقاً لآمال الجماهير في مغادرة مربع العنف إلى مربع السلم وفقاً لشروط حقيقية تضمن استعادة الدولة والقانون بهدف إعادة الحقوق الكثيرة التي أهدرتها عصابة الانقلاب.
 
لذلك فإن عصابة الحوثيفاشي تمارس أبشع ما تستطيعه من الحقد استغلالاً للحظة الهدنة لفرض واقع سياسي جديد يتناقض مع طموحاتنا وأحلامنا في دولة العدالة والمساواة.
 
*المؤلم أن دولاً ترى في نفسها راعية للسلام تتجاهل أن دولة قد سُلبت، ومؤسساتها غُيبت، وبنيتها التحتية دمرت وكأن الأمر لا يعنيها، وما يعنيها فقط هي تلك الأقلية التي تكلم عنها كيري في مؤتمر جدة وهو مصطلح خبيث أرادت الخارجية الأمريكية عبره القفز على الاستحقاقات الوطنية للشرعية وتمرير أجندة الانقلاب في جعل وصولها قانونياً إلى السلطة.
وها نحن نلاحظ أنه كلما تعرضت العصابة للهزيمة سارعت دوائر الدول الكبرى لإنقاذها عبر إعلان هدنة تُدرك أنها في اليمن لم تتحقق من قبل ولن تتحقق في المستقبل . إن ما تمارسه هذه الدول سلوكيات غريبة تتناقض وتتصادم مع المرجعيات الدولية ممثلةً بالقرار 2216، والمرجعيات الإقليمية ممثلة بالمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ، والمرجعيات الوطنية ممثلة بمخرجات الحوار الوطني الشامل. 
 
ما يعني أن السياسة الخارجية للدول الكبرى تمارس بخسة الابتزاز لدول التحالف والشرعية وذلك بغرض خلق معادلة سياسية في الإقليم غير شريفة تمكن الإرهاب المنتمي لإيران من لبس ثياب القانون والدولة، وتخفض من حق مؤسسات الشرعية في الحفاظ على أمن المواطن واستعادة الأمن والاستقرار الاجتماعيين كي ينطلق اليمن باقتدار في التنمية والنهوض في مجالات الحياة كافة.
إذاً لم تعد الهدنة وسيلة مقنعة وأمراً مغرياً بل أصبح أمراً مخيفاً للمواطن لمعرفته من خبراته السابقة مع هذه الوسيلة التي أصبح من خلالها اللاعبون يمارسون القذارة في حق وطن وشعب يبحث عن حقه في الحياة الآمنة ولقمة القوت التي افتقدها الكثيرون في شعبنا ويتجرع بسبب غيابها الموت.
متى يدرك العالم حقنا كيمنيين في استعادة دولتنا والعيش الكريم؟ وإلى متى يأن اليمنيون من الجوع وانتشار الأمراض وغلبة رقعة الفقر ولا يسمع أنينهم العالم وهو فقط يسمع إلى عنف الأقلية "مصطلح كيري" ويستحسن فعلهم؟
 
قُبحاً لعالم اختفت فيه القيم الجميلة ،والعدالة، والحرية ، وطغت عليه قيم المصالح والهيمنة.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي